بقلم الدكتور امجد شهاب
منذ أواخر عام 2023 يعاني قطاع غزة أحد أكثر الأزمات الإنسانية وحشية في القرن ال21 حيث تقوم اسرائيل باستخدام هندسة التجويع كسلاح ممنهج ضد السكان المدنيين من خلال حصار محكم حول قطاع غزة الذي تحول لاكبر معسكر اعتقال في التاريخ البشري.واستخدمت اسرائيل ابشع الممارسات لحرمان سكان غزة من الماء والغذاء والوقود والدواء والكهرباء..وتم منع دخول المساعدات الغذائية و وتدمير كل مقومات الحياه من خلال تدمير البنية التحتية والمخابز والمستشفيات والمدارس والجامعات ....الخ. مما أدى الى الوصول الى المرحلة الخامسة من تجويع غزة المرحلة الاخيرة من مجاعة فعلية يعاني منها اغلبية سكان قطاع غزة المدنيين تساقط حتى الان يوميا العشرات شهداء بسبب الجوع الشديد وخاصة بين الاطفال.

وفي الوقت الذي لا يتوقف المجتمع العربي والاسلامي والدولي عن اصدار بيانات الادانات والاستنكار بدون اي فعل يذكر لمنع جرائم الاحتلال يطرح سؤال حول موقف المذهب الحنبلي والقانون الدولي حول قضية التجويع المتعمد للمدنيين العزل في قطاع غزة؟.

ويعد المذهب الحنبلي الاكثر صرامة من بين المذاهب الاربعة في الاسلام من باب الضوابط الشرعية ويقدم موقفا صارما ضد اي شكل من اشكال الحاق الضرر بالمدنيين العزل باساليب متعمدة و محرمة شرعا. و وضح المذهب الحنبلي الاسلامي بتحريم قتل غير المحاربين : "ولا يُقتل من أهل الحرب امرأة، ولا صبي، ولا شيخ فانٍ، ولا زمن، ولا أعمى، ولا راهب، ولا مريض، ولا من لا قتال فيه". وإذا كان القتل محرمًا فالتجويع المؤدي للهلاك أشد تحريمًا.

لا يوجد في التراث الفقهي الحنبلي اي اشارة بما يجيز استخدام كسلاح ضد المقاتلين الاعداء فكيف باستخدام التجويع والحصار والقتل ضد المدنيين الابرياء وخاصة الاطفال والنساء؟.

فالحصار حرام شرعا ولا يجوز اذا كان يؤدي الى "هلاك المدنيين وحرمانهم من حقوقهم الاساسية"وفقا لقاعدة "الضرر يزال" وتعني "أن أي ضرر يُقع على الأبرياء يجب رفعه فورًا، سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا". تحدث الامام احمد بن حنبل حول واجب اغاثة الجائع وقال : "إذا اضطر الإنسان إلى طعام، وكان عند غيره فضل، لزم صاحبه أن يطعمه".

وفي حال ما يتعرض له اهل غزة المحاصرين يتحول هذا الواجب الى فرض على الدول والشعوب العربية والاسلامية.

والقانون الدولي الانساني حدد في اتفاقية جنيف عام 1949والبروتوكلات الاضافية وخاصة المادة 54 من البروتوكول الاضافي: " حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".

" ويمنع تدمير أو منع وصول المواد الغذائية والمياه". واعتبر نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 سياسة التجويع كجريمة حرب توجب العقوبة الدولية حسب المادة الثامنة ويلزم القانون "الاطراف المتحاربة بالتميز بين المتحاربين والمدنين ".

واعتبر الفقه الحنبلي التجويع الذي يؤدي الموت كجريمة القتل " ومن منع طعاما من مضطر حتى الموت قتل به" اي حكم الاعدام اذا ثبت ذلك باعتبار ان التعمد بمنع الطعام عن انسان حتى الموت يعتبر قاتل عمدا تجب عليه القصاص والحكم بالبينة او الاقرار.

ويشدد المذهب الحنبلي في من يوقع الاذى بالناس وهو مسؤول عنهم حيث يقول: "اذا جاع الناس ووجد الحاكم القدرة على اطعامهم فلم يفعل كان فاجرا ظالما".

ويدرج القانون الدولي "التجويع المتعمد"ضمن الجرائم الاكثر خطورة خاصة استخدام التجويع كاداه حرب ضد المدنين العزل جريمة حرب يعاقب عليها القانون.

يعبر المذهب الحنبلي والقانون الدولي عن وحدة الضمير الانساني مهما اختلفت مرجعياته فتجويع اهل غزة المحاصرين العزل حتى الموت ليس فقط جريمة حرب بل لعنه اخلاقية ستلاحق من خطط لها ومن سكت ولم يتحرك لايقافها ومن شارك بها ولو بالصمت. ويتفقا بمسالة التجويع المتعمد للمدنين بضرورة تطبيق اقسى العقوبات سواء اعتباره قتلا بالسبب او جريمة حرب. والفقه الاسلامي لا يعفي الحاكم الظالم بل يحمله المسؤولية الاكبر وهذا تماما ما يوازي مبدأ المساءلة الجنائية الدولية..... بأعتبار من يساهم أو يصمت عن تجويع غزة.....وفي حال لم يتم محاكمته فالتاريخ لن يرحمه والعدالة الالهية لن تنساه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com