يتساءل العربي في الناصرة أو في أم الفحم أو في أي بلدة من بلدات الداخل "هل هنالك سلطة قانون تحميني اذا ما اعتدى أحدهم علي؟"، وفي كل دولة أخرى، من دول العالم الحديث، في هذا العصر، سؤال مثل هذا لا يُطرح، ولا يخطر ببال أحد أساسًا، وحتى في باقي فئات المجتمع الإسرائيلي، لا يسأل مواطن من هرتسليا سؤالًا مثل هذا.

إن انعدام الثقة بمؤسسات الدولة، خصوصًا الشرطة، الموجود في المجتمع العربي، لم يخلق من فراغ ولم يأت بدون سبب، فعندما تعيش في دولة لدى أجهزتها الأمنية كل الأدوات المتطورة التي تحلم بها أي دولة أخرى، ورغم ذلك، تتفشى عصابات الجريمة المنظمة في مجتمعك كأنك تعيش في إحدى دول وسط أفريقيا أو أمريكا الجنوبية أو حتى الصومال والعراق بعد حرب، من الطبيعي أن تفقد ثقتك بالدولة.

حسب معطيات مركز أمان، فقد قتل من عام 2000، 15777 مواطنًا عربيًا، والأرقام تتزايد في كل سنة، يعني مثلًا في عام 2014 كان عدد الضحايا 51، وي 2015 58 وفي 2016 64 وعلى هذا المعادلة المتصاعدة، وصل عدد القتلى عام 2020 إلى 113 وحتى بداية شهر تموز في العام 2021، أي حتى منتصف العام، قتل 60 عربيًا وعربية.

ومن بين جرائم القتل هذه التي وقعت في الأعوام الأخيرة، نحو الثلث فقط عُرف القاتل فيها وتم اعتقاله وتقديم لائحة اتهام، بينما نحو ثلثي الجرائم، ما زال القتلة يتجولون بين الناس دون أي رادع، فحسب معطيات مركز أمان، فإنه من بين 113 جريمة قتل وقعت العام الماضي، تم تقديم 35 لائحة اتهام فقط، ومن بين 96 جريمة وقعت عام 2019، تم تقديم 29 لائحة اتهام فقط، وعلى هذا المنوال

وما يضرب الثقة بين المواطنين العرب والشرطة أكثر، هو أنه منذ عام 2000، قتلت الشرطة 68 عربيًا، وفق معطيات مركز أمان أيضًا، وفي معظم هذه الحالات إن لم يكن كلها، كان بالإمكان تجنب القتل.

ولم يذكر العام 2000 من عبث، إذ أن هنالك نظرية يؤكدها العديد من الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل، أنه وبعد أحداث أكتوبر عام 2000 (هبّة القدس والانتفاضة الثانية)، تغيّر تعامل الشرطة والأجهزة الأمنية مع المواطنين العرب، وكأن خطة رُسمت لإدخال العصابات الاجرامية إلى البلدات العربية، وتركها تفعل ما تشاء، وفي السنوات الأخيرة بدأ حصاد النتائج – وهو أمر تؤكده الأرقام أيضًا، إذ كان عدد القتلى السنوي في كل عام، قبل عام 2000، أقل بكثير مما بعده.

 العرب لا يتعاونون

وربما أكثر عبارة مستفزة تستخدم في الإعلام والشارع الإسرائيلي حول هذا الموضوع، هو ادعاء "أن العرب لا يتعاونون"، وعلى هذا الادعاء يجب كل عربي بسؤال "هل تعاون سكان نتانيا ضد عصابات الاجرام عندما حاربتها الدولة وهزمتها؟"، وسؤال آخر "هل تطلبون مني أن أقدم شكوى ضد جاري الذي يحمل سلاحًا غير مرخص ويعمل مع عصابات الجريمة المنظمة؟ هل تضمنون أنه لن يعرف أنني من قدمت الشكوى ضده ولن يعتدي علي؟ هل تضمنون حمياتي؟"، خصوصًا وأن هنالك ادعاء قائم بين المواطنين العرب، منذ سنوات، أن "الزعران" وعناصر الجريمة المنظمة، هم أشخاص لديهم علاقات مع الشرطة والجهات الأمنية، وجاء التصريح الذي نشرته القناة 12 قبل أيام ليؤكد هذا الادعاء، والذي صرح مسؤول كبير بالشرطة بأن معظم قادة الجريمة المنظمة يعملون مع جهاز الأمن العام (الشاباك) مما يصعب على الشرطة ملاحقتهم.

وهنالك ادعاء آخر يُطرح بكثرة في الاعلام الإسرائيلي، بأن هذه الجرائم سببها "الثقافة العربية"، والرد على هذا الادعاء هو "لماذا نسبة الجريمة في الضفة الغربية أقل؟ أو في الأردن؟ ببساطة لأن هنالك سلطة قانون قوية في المواضيع الجنائية وبالتالي لا يمكن لعصابات إجرامية أن تتوسع وتفعل ما تشاء كما يحصل في المجتمع العربي في إسرائيل"، فإذا حاربت الدولة منظمات الجريمة، بالطبع لم تنتهي جرائم القتل بشكل تام، ولكن سيتقلص عددها للنصف وربما أكثر.

منذ عام 2012 تقريبًا، ترأس بنيامين نتنياهو الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولطالما كان وزير الأمن الداخل، وهو المسؤول عن الشرطة، لطالما كان يمينيًا، وفي بعض الأحيان يمينيًا متشددًا ويفاخر بعنصريته، مثل جلعاد أردان وأمير أوحنا، إلّا أن الأمور تغيّرت قليلًا الآن، فبعد تشكيل الحكومة، أصبح وزير الأمن الداخلي، هو عومر بار ليف، من حزب العمل، وهو شخص انساني معتدل بآرائه وأفكاره، وصرّح أكثر من عن أهمية مناهضة العنف في المجتمع العربي، وكذلك نائبه يوآف ساجيلوفيتش، الذي اهتم بموضوع الجريمة المنظمة بالمجتمع العربي منذ أن تواجد في المعارضة، ولكن هذا التغيير جاء تمامًا بعد انتكاسة كبيرة وصعبة بين المواطنين العرب والشرطة، بعد الأحداث التي تزامنت مع عيد الفطر والتي تعاملت فيها الشرطة بشكل عدائي مع المتظاهرين العرب، وكللت عملها بجولة اعتقالات واسعة في صفوف الشبان العربي.
فهل تتغيّر الصورة في أعقاب استلام الوزير الجديد لمهامة؟ وهل ما زال هنالك مكانًا للثقة أصلًا بين المجتمع العربي والشرطة؟

ليست مسألة ثقة

المحامي رضا جابر، مدير مركز أمان، قال: الموضوع ليس موضوع ثقة، إنما هو موضوع فعل، والفعل هو الذي يخلق الثقة، فحتى الآن ممارسات الشرطة في المجتمع العربي هي التي يجعل ثقة الناس معدومة، وفي موضوع الجريمة أيضا الثقة معدومة لأن الشرطة أعلنت في عدة مناسبات أنها ستقوم بحملات وستفعل وستحارب الجريمة، وفي المحصلة النتائج غير موجودة، وعدد جرائم القتل يرتفع. أي أن تجربة الناس مع تصريحات الشرطة تسببت بانعدام الثقة، وهذا بالإضافة لتراكم الأحداث تاريخيًا، فالتوتر بين المواطنين العرب والشرطة وصل إلى ذروته عام 2000 وأيضًا في الأحداث الأخيرة، حيث لم تظهر الشرطة بأنها شرطة الدولة داخل الأقلية، إنما شرطة الأغلبية داخل الأقلية، الشرطة التي تمثل مصالح الأغلبية وتحميها من الأقلية.

وتابع: باعتقادي الموضوع هو موضوع سياسي يتعلق ببنية الدولة العميقة، ولكن هذا لا يعني أن الوزير الجديد لن يستطيع تغيير شيء، فشخصية الوزير والتزامه والوقت الذي سيستثمره بالموضوع، كلها أمور سيكون لها دور في تحسين الواقع والنتيجة بالمحصلة. نعرف تمامًا أن السياسة القائمة لن تتغير في يوم وليلة، وأن هنالك أمور كثيرة تحتاج للمعالجة، تتعلق بأصغر التفاصيل، بتعامل الشرطي وطريقة تفكيره، ولكن بالإمكان تغيير الأمور، إذا كانت هنالك نوايا حقيقية وصادقة وقرارات فورية.

ويعتقد جابر أن نائب وزير الأمن الداخلي، يوآف سيجالوفيتش، قد يكون له دورًا كبيرًا في هذا الموضوع، ربما أكثر من الوزير بار ليف حتى، إذ يقول: سيجالوفيتش باعتقادي هو النقطة الأساسية، فعندما كان عضو كنيست اهتم في هذه القضية بشكل كبير وتابعها ويقول أنه بالإمكان القيام بالمزيد من الأمور لمكافحة الجريمة المنظمة، وهو مقتنع أن هنالك سياقات أوسع لهذا الموضوع، اجتماعية واقتصادية وأن هنالك تربة يجب تجفيفها.

وأضاف: قضية الجريمة المنظمة اليوم لم تعد قضية تخص المجتمع العربي فحسب، بل مشكلة سياسية في كل الدولة، ولم يذكرها رئيس الدولة الجديد، يتسحاق هرتسوق في خطابه من فراغ، وهنالك برامتر إضافي باعتقادي، وهو القائمة الموحدة، فبغض النظر عن الموقف السياسي، إلا أنهم ساهموا في وضع موضوع العنف في الخطاب السياسي العام وكونهم داخل الائتلاف الحكومي، هذا قد يساهم في تقدم الأمور نحو الأفضل، لكن المشكلة أنه ومنذ قيام الحكومة الجديدة وحتى اليوم، التوجه هو كأنهم يقولون "دعونا نبني شيئًا جديدًا ونبحث القضية من البداية"، وهذا يعني أن الحلول بعيدة، واذا كانت بعيدة قد لا تتحقق، وبينما يحصل كل هذا، الجرائم مستمرة، الحل باعتقادي هو مباشرة التنفيذ بشكل فوري، معظم بنود خطط مكافحة العنف يمكن التحرك بها فورًا ولا تحتاج لميزانيات إضافية ولا خطط ودراسات إضافية، ومهم جدًا عدم الربط بين خطة مكافحة الجريمة وخطة دعم المجتمع العربي، فدعم المجتمع العربي مهم وضروري ولكن يجب فصله عن خطة مكافحة العنف التي يجب البدء فيها فورًا، يعني ننتظر من الوزير الجديد عمل فوري، قائمة أسماء العصابات الاجرامية، مصادر تمويلها، وبدء العمل ضدهم مباشرةً، غير ذلك، لن ينجح وسيحصل كما حصل في الماضي، فيما ستستمر الجريمة بالتوسع .

كيف قاموا بحملة القانون والنظام خلال أيام؟

مديرة الشمال في شتيل، فداء طبعوني-نعره، وهي متابعة ضمن عملها ونشاطها لموضوع مكافحة العنف، تقول: كل موضوع انتشار الجريمة في المجتمع العربي مرتبط بشكل مباشر بسياسات الدولة، فمثلًا، كيف استطاعت الدولة في حملة "القانون والنظام" اعتقال المئات والتحقيق معهم وعرض الأدلة، خلال أيام قصيرة وبدون ميزانيات خاصة ولا خطط خاصة، ببساطة قرروا فعل ذلك، وقاموا به، لماذا لا يتم فعل هذا الأمر بموضوع الجريمة المنظمة؟ هل هنالك دور للشاباك بالموضوع؟ خصوصًا بعد تصريح أحد قادة الشرطة بأن قادة الجريمة المنظمة يعملون مع الشاباك؟ هذه أسئلة شرعية تخطر في بال المواطنين العرب.

وتابعت: نحن ننتظر أن يغيّر الوزير الجديد من هذه السياسات الجوهرية التي نعرف تمامًا كم هي متجذرة، ولكن السؤال، هو وزير جديد ربما بنوايا جيدة، لكنه في حكومة يترأسها شخص يميني متطرف مدعوم من جمعيات مثل "فوروم كوهلت" وغيرها التي هدفها الأول توسيع الاستيطان والمشاريع العنصرية، فكيف ستعمل هذه الحكومة بعكس هذا التوجه؟

وتحدثت طبعوني عن الخطة التي عرضتها لجنة المتابعة لمكافحة العنف وأنه يجب على الحكومة تبنيها وبدء العمل فورًا اذا كانت جدية فعلًا في مكافحة الجريمة المنظمة، وقالت: الخطة التي أقرتها لجنة المتابعة، عمل عليها نحو 157 باحثًا، بحثوا ودرسوا كل العوامل والمسببات وهي خطة مهنية بامتياز واذا أرادت الحكومة الجديدة مكافحة الجريمة المنظمة فعلًا عليها تبنيها، وبدء العمل بشكل فوري، كل يوم يمر، يسقط المزيد من القتلى.

وفي نفس الوقت أكدت فداء طبعوني أنها لا تبني الكثير من هذه الحكومة التي يبدو أن مركباتها اليسارية مستمرة في مجاملة اليمين، إذ قالت: آخر شيء توقعته أن تصوت غابي لسكي مثلًا مع قانون المواطنة، ولكن هذه المجاملات لليمين بدأت باكرًا منذ المفاوضات لتشكيل الحكومة، وبات واضحًا أن التوجهات اليمينية لبينيت وشكيد هي التي تقود هذه الحكومة، وهؤلاء ليسوا أقل تطرفًا من نتنياهو، وبالتالي لا ننتظر الكثير منهم.

منذ 7 سنوات .. ما زال قاتل عنان دراوشة حرًا

عبد الرحمن دراوشة، من اكسال، ابنه عنان قُتل قبل 7 سنوات، أثناء جلوسه في مقهى بمدخل القرية، ووقتها أكدت كل الأطراف أن إطلاق النار كان على المقهى، والفتى عنان قُتل رغم أنه لم يكن المستهدف، وحتى الآن لم يتم اعتقال أي مشتبه، يقول: منذ 7 سنوات أزور مركز الشرطة في الناصرة كل شهرين أو 3 شهور، لأفحص ما اذا كانوا قد تقدموا في التحقيقات، ودائمًا الإجابة نفسها "لا جديد"، من جهة بدأ اليأس يسيطر علينا في العائلة ومن جهة أخرى لا يمكن أن أترك حق ابني لذلك سأواصل. في الشرطة يستقبلونني بشكل جيد، ولكن اجابتهم نفسها دائمًا، أن التحقيقات جارية لكن لا يوجد أي جديد وأن هنالك قضايا تطول أكثر وفي النهاية يتم الكشف عن القتلة، لذلك علي الانتظار، ورغم أن هنالك أقاويل في القرية دائمًا عن أسماء مشتبهين، وهذه الأسماء موجودة عند الشرطة، لكنها تقول أنها لا تستطيع فعل شيء بدون أدلة حقيقية، علمًا بأن المكان كان محاطًا بالكاميرات وكل شيء تم توثيقه تقريبًا. في الحقيقة بعد الذي حصل مع ابني، أنا لم أعد أثق في المؤسسات الأمنية في هذه الدولة، واعتقد أنه في حال حصلت معي أو مع أحد أفراد عائلتي أي مشكلة، فإن الشرطة لن تحمينا، وبالنسبة للوزير الجديدة، نحن نتمسك بالأمل دائمًا، وننتظر، فلدينا حقّ لا نتخلى عنه ابدًا.

سخط شبابي

علي، وهو شاب شارك في المظاهرات الأخيرة (نهاية شهر أبريل) بإحدى بلدات الشمال، يقول: نعم جزء من ثورتنا كانت ضد الشرطة، فهي نفسها التي اعتدت على المصلين في المسجد الأقصى وهي نفسها التي أطلقت النار على الشاب محمد كيوان في أم الفحم وهي نفسها التي تأتي بقوات عظيمة ومخيفة لمواجهة المظاهرات بينما لا تحقق إنجازات كبيرة في محاربة الجريمة المنظمة، لذلك تظاهرنا ضدها، والحقيقة أننا لا ننتظر الكثير من وزير الأمن الداخلي الجديد، فكل ما يفعله حتى الآن عبارة عن تصريحات، بينما الموضوع لا يمكن الانتظار به، والتصريحات لا تقدم ولا تؤخر، يجب البدء فورًا بالعمل، كي نرى النتائج ونقتنع أن هنالك عمل حقيقي فعلًا، ولكن حكومة تصوت مركباتها اليسارية مثل اليمينية، على قانون المواطنة العنصري، هل ننتظر أن تختلف عن حكومات اليمين السابقة؟ في كل الأحوال سننتظر ما تخبئه لنا الأيام.

يذكر أن وزير الأمن الداخلي، عومر بار ليف، يصرح منذ استلامه المنصب على أن قضية الجريمة المنظمة في المجتمع العربي هي قضيته الأهم والتي سيعمل على محاربتها، وفي الأيام الأخيرة زار القرى البدوية في النقب وقال أنه سيعمل على مكافحة الجريمة وعلى مساعدة المجتمع العربي، كذلك شارك الوزير في جلسة بالكنيست صباح أمس الاثنين لبحث موضوع اعتداءات الشرطة على المواطنين العرب خلال الأحداث الأخيرة والتي بادر إليها عضو الكنيست أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة، واستمع لشهادات عائلات الشهداء والمصابين والمعتقلين.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com