بعد 14 عامًا قضتها الفلسطينية خالدة دبوس وكأنها في سجن رغم وجودها بمنزلها بين أبنائها، جاء قرار الاحتلال الإسرائيلي تمديد قانون "منع لم الشمل" لعام آخر، ليشكل حصارًا مجددًا في كل أوجه حياتها اليومية.

وبدأت معاناة دبوس (43 عامًا) من مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، منذ ارتباطها بزوجها وهو من مدينة عكا بالأراضي المحتلة عام 1948، حينما رفضت سلطات الاحتلال منحها الهوية الإسرائيلية أو قرار "لم شمل".

وتعرضت دبوس خلال الأعوام الماضية لحملة ملاحقة من سلطات الاحتلال وصلت إلى حد السجن لثلاث مرات، عندما وصلت عبر الأردن للعيش مع زوجها بمدينة عكا، بعدما رفض الاحتلال منحها تصريحًا للدخول.

وصادقت الكنيست الإسرائيلي الأربعاء الماضي على تمديد ما يسمى بقانون "حظر منح الهوية أو الجنسية الإسرائيلية"، وهو يستهدف الفلسطينيين المتزوجين من الضفة أو غزة في الداخل.

ملاحقة وسجن

وتقول دبوس لوكالة "صفا": "توقعت بنسبة 90% أن يمددوا القانون المقيت، فهم يمددونه كل عام، وطوال هذه الأعوام وأنا أعيش ملاحقة حتى في حقي بالتنقل من منزلي".

ويشكل قرار تمديد حظر منح الهوية الإسرائيلية منعًا لحقها ليس فقط في التنقل وإنما في العلاج والسفر وحتى في أصغر المعاملات.

وتضيف الفلسطينية- المقيمة في عكا دون هوية- "أصبح عدد أولادي 4 ولا زلت في هذه المعاناة، لم أحصل على هوية ولا لم شمل ولا غيره".

وتتابع بحرقة "لا حركة كباقي الناس ولا علاج في مرضي ولا حتى في معاملاتي في أي بنك أو مؤسسة، وفوق هذا أنا محرومة من زيارة أهلي بسبب هذا القانون".

ويعود هذا القانون العنصري لعام 2003، حينما أصدره رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون بعد اجتياح الضفة الغربية، بحجة أن عددًا من الحاصلين على الهوية الإسرائيلية عبر الزواج ممن يقيمون داخل "اسرائيل" تسببوا بقتل إسرائيليين.

وتخشى دبوس إذا ما توجهت لزيارة أهلها في جنين، أن تمنعها سلطات الاحتلال من العودة لعكا.

وتقول: "يكفيني ملاحقة. سبق وتم توقيفي 3 مرات وخرجت بكفالة ومرة عبر محامي، ولطالما قدمنا أوراق كثيرة وطالبنا بلم شمل، إلا أننا لم نحصل على شيء".

لكن دبوس، وبالرغم من هذا التمديد، تأبى ولو بكل القوة أن تخرج من منزلها أو تغادر أبناءها وتعود إلى الضفة.

إصرار على مواجهته

حال أمل خطيب التي توفي زوجها منذ أربع سنوات لم يكن أفضل حالًا من دبوس، فهي لم تحصل على "لم شمل"، وما زالت تعاني من القانون الإسرائيلي في باقي أوجه حياتها.

وتقول عنها صديقتها دبوس "إنها تحمل الهوية اللبنانية، وحاولت مرارًا وتكرارًا أن تحصل على لم شمل، إلى أن مات زوجها قبل أربع سنوات".

وتضيف "لكنها تعاني الآن في المستشفيات من مرضها، وغير قادرة على الحصول على هوية إسرائيلية، أو جواز سفر وغيره".

ومثلهما تعاني الفلسطينية ديانا حزبون من مدينة بيت لحم، والمتزوجة من مدينة عكا، بسبب عدم حصولها على هوية إسرائيلية لضمان إقامتها مع زوجها.

الخوف من الفلسطينيين

وبالرغم من أن واجهة أسباب إصدار هذا القانون العنصري "أمنية"، إلا أن جوهره هو خشية "اسرائيل" من تغيير الواقع الديمغرافي وزيادة فلسطينيي الـ48، وفقهما يؤكد أبرز الناشطين الفاعلين ضد قانون حظر الجنسية والهوية الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني.

ويقول تيسير خطيب لوكالة "صفا" إن "اسرائيل" وفي كل عام تجدد هذا القانون، وهي تتحجج بالأوضاع الأمنية، التي تذرعت بها حينما تم الإعلان عنه إبان حكم "شارون".

ويفيد بأن عدد المتضررين من هذا القانون بشكل مباشر غير معلن بسبب مخاوف هؤلاء من الملاحقة، إلا أنه وفي التقدير يبلغ حوالي 50 ألف فلسطيني.

والمتضررون غير المباشرين من هذا القانون هم الأشخاص الذين يحتاجون للهوية الإسرائيلية وممنوعين منها "أي أحد الزوجين".

وفي المقابل، يؤكد خطيب أن هناك أكثر من 200 ألف متضرر من هذا القانون بشكل غير مباشر، وهم أحد الزوجين الذي يمتلك هوية إسرائيلية وأبنائه الذين ولدوا في أراضي الـ48، وجميعهم مهددون طالما أن أحدًا من الزوجين غير حاصل على الهوية.

وحينما أعلنت "اسرائيل" عن هذا القانون عام 2003، زعمت بأنه مؤقت بسبب التهديدات الأمنية، إلا أنها ومنذ ذلك العام تداوم على تجديده كل عام.

وبحسب الناشط خطيب، فإن "اسرائيل" لا تريد زيادة عدد فلسطينيي الـ48، وتخشى من التجمعات السكانية التي يكثر فيها أزواج من الضفة والداخل، والتي تتميز بأنها تجمعات ذات كثافة سكانية فلسطينية، أكثر من غيرها من المناطق.


معاناة مستمرة

ومن بين هذه التجمعات، مدينة القدس وتحديدًا في الشق الشرقي منها، بالإضافة للنقب ومناطق أخرى في الجليل، باستثناء شمال فلسطين المحتلة عام 48.

وبحسب خطيب، فإن هذا القانون يشمل أيضًا الأزواج ممن ارتبطوا قبل عام 2003، أي قبل صدور القانون، مشيرًا إلى وجود أزواج محرومين من لم الشمل منذ التسعينات.

وقبل نحو شهر أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي قرارًا بـ"المساعدة في إصدار ألفي هوية للذين تزوجوا من داخل "اسرائيل" قبل عام من صدور القانون فقط".

وعن مدى تطبيق هذا القرار، يذهب خطيب بالقول إنهم "سيماطلون ويعذبون هذه الأسر قبل أن يتم منحهم لم شمل.

أ ج/ع ق

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com