على الرغم من انّ الحديث الأبرز في الشارع الفلسطيني يتمحور حول موضوع انتشار الجريمة والعنف في المجتمع العربي بشكل عام وقتل النساء بشكل خاص، مما دفع إلى طرح القضية بشدة ومحاولة إيجاد حلول جذرية من خلال فعاليات تثقيفية وبرامج توعوية، وحتى تشكيل لجنة متابعة قضايا العنف ومكافحته والمنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، الا انّ العنف ينتشر ويتسع يوميًا، حتى وأنه بات من الواضح أنّ مظاهر العنف عام 2016 ستكون الأبرز على مدار السنين، الأمر الذي حوّل المجتمع العربي إلى لا مبالٍ تجاه ما يحدث، حيث يستقبل اخبار العنف بشكل قد يصح وصفه بالتعبير "بصورة عادية جدًا".

المعطيات تكبر أكثر وتقلق اكثر، علمًا ان هناك جهود جبارة تبذل من خلال جمعيات ومؤسسات نسائية فاعلة ومؤسسات مناهضة للعنف في محاولة منهم لاقتلاع الظاهرة، مما يجعلنا نتساءل عن السبب؟! وعلى من يجب ان يلقى الوم؟! وهل نقوم كمجتمع بشرائحة المختلفة من سياسيين وقياديين وتربويين بمواجهة الظاهرة كما يجب ووضع خطط عينية وموضوعية لمحاربتها ام نكتفي بخطط قصيرة الأمد وننطق بخطابات قصيرة، نستهجن ونستنكر وقت وقوع الحادثة ومن ثم ننسى وننتظر الضحية التالية؟!

"بكرا" يتابع مع ناشطين وناشطات رجال دين، واشخاص عانوا بسبب آفة العنف في هذا التقرير..

كامل ريان: ازداد عدد ضحايا العنف من 2014 وحتى 2015 بنسبة 20%.

الشيخ كامل ريان مدير مركز امان- المركز العربي لمكافحة العنف والذي فقد ابنه الشاب في ملابسات عنف عبثية قال لـ"بكرا" في هذا السياق: للأسف في هذا العام ارتفعت دالة القتل للرجال والنساء، ومع الضحية الأخيرة اول امس ابنة كفرمندا، يكون عدد الضحايا النساء 15 امرأة خلال العام 2015 اذا ما حسبنا الضحية الأخيرة ضمن ضحايا العام السابق، وعدد الضحايا عامة في 2015 وصل الى 62 ضحية بعد ان كان العدد في 2014 52 ضحية، أي ازداد عدد ضحايا العنف من 2014 وحتى 2015 بنسبة 20%.

وتابع: هذه المعطيات ظهرت بالرغم من كل الجهود التي تبذل والبرامج التوعوية والوعي المجتمعي الى هذه الظاهرة الخطيرة التي غزت مجتمعنا ومدننا وقرانا وافكارنا وثقافتنا لكن من المفروض ان لا نيأس وان نتجند جميعا بشكل متكامل وان لا نلقي هذا الحمل على فئة معينة او جيل معين، على الجميع ان يتجند لمحاربة العنف علما انني حتى هذه اللحظة لا أرى التجند المطلوب وانا أقول ذلك بكل مسؤولية سواء عند أعضاء البرلمان او رؤساء السلطات المحلية او أئمة المساجد، وعند التجار او رجال الاعلام، هذا الموضوع حتى الان لم يحصل على الأفضلية بالشكل المطلوب وانما هو مواضيع هامشي من المواضيع.
 
وأضاف: عندما تصبح حياة الانسان وقدسية الانسان الرقم الأول قبل الأرض والمسكن وقبل كل شيء فاننا فقط نستطيع ان نتغلب على هذه الآفة، وأقول بكل مسؤولية وحزن والم اننا حتى هذه اللحظة لم نذوت في داخلنا ان هذا الموضوع هو خطر كبير جدا على حياتنا ومجتمعنا ومستقبلنا، حقيقة الاحتلال مجرم ويتحمل المسؤولية، لكننا أيضا نتحمل المسؤولية لأننا لم نعطي هذا الموضوع القدر الكافي وحتى الان نضعه على فضلات وقتنا وهامش اهتمامتنا لذلك النتيجة سلبية جدا.

وأشار قائلا : هناك بعض الجمعيات والمؤسسات النسوية تعمل جاهدة لمحاربة الظاهرة علما ان هناك البعض لا يريد ان يتعاون خاصة من رؤساء السلطات المحلية، حيث ان قسم من رؤساء السلطات المحلية لا يهتم للموضوع وهو امر خطير جدا، هناك برامج توعوية يجب تنفيذها، ولا ينقص بكل سلطة محلية موارد لهذا الموضوع ما ينقصنا هو الإرادة والقيادة لهذا الموضوع.

صفوت فريج: اطلب من المرأة التي تشعر بتهديد من ابنها او زوجها او اخيها قد يصل الى حد القتل ان تسجنه

بدوره الشيخ صفوت فريج خال المرحوم لاعب كرة القدم صهيب فريج الذي راح ضحية القتل قال لـ"بكرا": من منظور ديني نحن كمسلمين قدوتنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام والذي كان متزوجا لعدة نساء ولديه أربعة بنات لم يرد في كل كتب السيرة والحديث انه شتم او آذى احدى بناته او نسائه، كما انه أحيانا كان يتحمل زوجاته ويعاملهم بالطريقة الحسنة والكلام الطيب والاحتضان.

وقال منوها: العنف لا يمت للإسلام بصلة وانما هي عادات تعودنا ان نسمع عنها في المجتمع العربي، ربما كانت استضعاف للنساء واحيانا نتيجة احباط معين لدى الرجل يقوم باعمال عنيفة تقع ضحيتها المرأة، لا مبرر لاي عمل فيه عنف سواء ضد الرجال او ضد النساء، لكن ضد النساء قبل، لانه اخر كلام قاله النبي محمد قبل موته كان "استوصوا بالنساء خيرا" "ولا يهين المرأة الا لئيم، ولا يكرمها الا كريم"، وما يحصل هو امر دخيل علينا كمجتمع مسلم.

واسهب مفصلا بعض الحلول التي من الممكن اتباعها: حتى نحاول حل المشكلة واقتلاع هذه الظاهرة من جذورها يجب ان نحدد الأولويات، ورجال الدين يجب ان يكون لهم دور اكبر كما التربية والتعليم، وانا ادعو رجال الدين الى استغلال صلاة الجمعة الى طرح الموضوع ومعالجته كونه القضية الاجتماعية الأكثر خطورة على ارض الواقع، وبالتالي من الواضح ان هناك مقصرين وتقصير، واذا كنا نعاني من ظرف طارئ وحالة طوارئ يجب ان تكون لدينا خطط طوارئ والكل يجب ان يتجند لمحاربتها، القيادات السياسية والتربوية، الى جانب التوعية الاسرية التي نفتقدها، وانا لا الوم المرأة اذا ما توجهت للشرطة وقدمت دعوى ضد زوجها لانه يعنفها علما انني لم ارد ذلك، لكن ليس هناك مفر وانا اتفهم البعض منهن بالرغم من اننا ننتقد هذه المسألة في مجتمعنا العربي لكنني اطلب من المرأة التي تشعر بتهديد من ابنها او زوجها او اخيها قد يصل الى حد القتل، فانه من الأفضل ان يتم سجنه.

رضا جابر: لا يمكن مناهضة العنف بدون تغيير تصرف السلطات المحلية بشكل عام

بدوره المحامي رضا جابر، مدير "مركز أمان المركز العربي للمجتمع الأمن قال لـ"بكرا": لا توجد عصا سحرية لمعالجة موضوع العنف في المجتمع العربي، واذا كانت هناك برامج فيجب ان نأخذ بالحسبان فترة طويلة لتغيير أنماط تصرف الناس وتغيير مبنى المجتمع العربي بشكل عام، قضية العنف هي قضية تغيير أنماط مجتمع كامل، قواعده واسسه، لذلك المهمة هي ليست مهمة عينية، لا يمكن معالجة العنف بدون تغيير نظام التربية والتعليم، لا يمكن معالجة العنف بدون تغيير نظام الرفاه الاجتماعي، لا يمكن مناهضة العنف بدون تغيير تصرف السلطات المحلية بشكل عام، وحفاظها على المواطنين والممتلكات العامة، لا يمكن منا هضة العنف بدون ان تغير القيادات السياسية والدينية والاجتماعية نهجها بين بعضها البعض.

واردف مفسرا: هذه هي منظومة متكاملة ان لم تتغير كلها بصورة منتظمة وبصورة متناسقة فان العنف سيبقى وسيتفشى اكثر، بالمقابل أيضا، يجب ان نغير طريقة تعاملنا مع المؤسسات التي تملك المسؤولية والمقدرات المادية والسلطة الفعلية في هذا الموضوع، تعاملنا حتى هذه اللحظة مع هذا الموضوع هو تعامل رومانسي وليس جدي، لذلك فان النتيجة هي تعيسة، وانا ادعو ان يكون مشروع مناهضة العنف لسنوات وليس مشروعا مؤقتا، والنتائج حتما لن تكون في الفترة القريبة بل بعد سنوات، اذا كان لمجتمعنا وقياداتنا النفس الطويل لتبني برنامج متكامل على هذه الطريقة اعتقد اننا سننجح، اما اذا بقينا ننظر الى الموضوع بمنظور قصير واحادي الجانب ستبقى هذه المشكلة وتتعمق مستقبلا.

سما عويضة: هناك تساهل مخطط له يهدف إلى تدمير المجتمع الفلسطيني في الداخل!!

إلى ذلك، أعربت سما عويضة مديرة مركز الدراسات النسوية عن قلقها لـ"بكرا" من تزايد حالات العنف في مجتمعنا العربي خاصة العنف ضد النساء حيث قالت: ان تزايد حالات قتل النساء تستدعي الوقوف الجدي والمراجعة الجادة من قبل كافة الجهات المسؤولة وبشكل خاص مؤسسات الدولة والمؤسسة التربوية والمؤسسة الإعلامية بالإضافة إلى مؤسسات حقوق الإنسان، فمن ناحية فإن تزايد حالات القتل تشير وبشكل لا يدعو إلى الشك إلى تهاون المؤسسة الحكومية وعدم تعاطيها الجدي مع الموضوع ويمكن القول حتى أن هناك تساهل مخطط له يهدف إلى تدمير المجتمع الفلسطيني في الداخل ...

وأضافت: من جهة ثانية فإن المد الأصولي في ظل غياب مواجهة جادة لهذا الخطاب وصلت حد الاستسلام وتمرير القضايا المجتمعية تحت ذرائع واهية للحفاظ على السلطة أو عدم التعرض للتقد والتكفير الذي بات تهمة مجانية توجه إلى كل من يعارض الفكر الأصولي قد أعادنا إلى ما قبل الجاهلية وتحديداً زمن وأد الفتيات بذريعة الحفاظ على "الشرف" وهذا يتطلب وقفة جادة لإعادة التوجه الفكري والنقدي داخل المؤسسات التربوية والإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان التي عليها أن تحمل هذا الموضوع كأولوية على جدول أعمالهم وعدم تركها على جدول أعمال المنظمات النسوية حصراً...ان ما تتعرض له النساء من قتل يعمل على تفتيت المجتمع وهدم مقوماته الأساسية التي أساسها الإنسان الحر فكرياً واجتماعياً وسياسياً والتهاون في ذلك لا يخدم إلا أعداء الشعب..

سماح اغبارية: افتتح مسلسل القتل لعام 2016..

اما الناشطة النسوية سماح سلايمة اغبارية مديرة جمعية نساء عربيات في المركز فاكتفت بالقول: مع مقتل الشابه رنين رحال افتتح من جديد مسلسل القتل لعام 2016، بعد 14 ضحية في العام الماضي ، جثة رنين دفنت مع علامات العنف والضرب ، وتركت لنا كمجتمع علامة صفر في التصدي للعنف ضد النساء، اتمنى ان تكون هذة السنه سنةً التصدي للعنف المستشري فينا، العنف المستقر بين عظامنا والذي يخرج ليقتل نساءنا دون رادع او مانع..

وتابعت: اعتقد ان أسباب العنف تنقسم لقسمين داخل المجتمع العربي وخارجه،. الجو العام القابل والمشجع للعنف في كل مكان ،الجو السياسي والإحساس ان المواطن العربي مستهدف لا يدعمه احد ولا تهم حياته احد تصل الى النساء العربيات ايضا، فعندما يقتل ويلاحق المواطن العربي في بيته من قبل الشرطه وقوات الامن كيف سيتعامل نفس الجهاز مع قتل النساء العربيات، وهذا الجو يعطي فرصه لكل رجل عنيف ان يقتل ويعنف دون الاكتراث بما سيحدث لاحقا، اما العوامل الداخلية فهي معروفه ومتأصلة في مجتمعنا الذي يتداول بالقوة ويتعامل مع المراة من منطلق الملكية ،الدونية والتبعية للرجل، فهنا يأتي دور التربية والتربية فقط.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com