تحل علينا اليوم ذكرى مولد الرسول الهادي، النبي المختار محمد صلّى الله عليه وسلم، هذه الذكرى التي تعيدنا لمولد الانسان الأعظم في تاريخ البشرية، النبي الذي غيّر التاريخ وحقق التأثير الأضخم على الإطلاق فحقق العدلَ والرحمةَ في المجتمع الذي عانى الظلم والاستبداد والجَوْر وشتى الأمراض الخُلقية ردحا من الزمان قبل بعثته، وأزال الجهل ونشر العلمَ ورسَّخ الإيمانَ في نفوس الناس وقضى على العصبيات والقوميات، وأنقذ أجيالا من الجاهلية ومن براثنها، وقاد البشرية نحو العزة والصدق والأمانة، نحو العلم والتسامح والمحبة.

وتعود هذه علينا هذه الذكرى مرة اخرى، ذكرى مولد النبي الكريم، وأمته في أسوأ أحوالها وحقبها التاريخية، تعود ذكرى مولد النبي والفتن الطائفية تنغل كالسرطان في جسد هذه الأمة، تعود ذكرى مولد خير البشر وأمته التي لطالما ذكرها بالخير وأوصاها وأوصى بها، تذبح بعضها وتتفنن في طرق الذبح والتناحر، وتهبُ أموالها ونفطها وكنوزها لأعدائها، وتبحث كل يوم عن شيء جديد يفتنها.

تعود علينا ذكرى المولد النبوي الشريف وقد أضاعت هذه الأمة بوصلتها، واختلط الأمر على أبنائها بين العدو والصديق، تعود علينا ذكرى مولده، خير البشر وأعظمهم، وجماعات تختلف بمسمياتها وزعمائها وتتفق على قتل الناس باسم النبي ودينه، تذبحهم وتقتلهم وتهتف باسمه، وهو خير الناس وأكثر وأفضل من سامح وأحب، تعود علينا ذكرى مولد نبينا الكريم وأمته، أي نحن، لا نذكره إلّا في صلاتنا أو في أحاديثنا ونبتعد كل البعد عن أخلاقه وقيمه التي أرادنا أن نسير عليها.

لم نشاهد حتى في اسوأ أحلامنا أن يصل حال أمتنا إلى ما هو عليه الآن، ولم نتوقع أن نكتب يومًا نصًا سوداويًا بهذه الصورة في ذكرى المولد النبوي الشريف، ذكرى مولد نور الحق، فلم يكن الرسول الأعظم يستحق منّا هذا، لم يكن يستحق من أمته أن تصل لهذه الدرجة من الجهل والتكفير والظلام.

رغم كل الظلام الذي تعيشه أمتنا، ورغم كل ما الذي ذكرناه وهو جزء صغير من مصائب وموبقات هذه الأمة في هذا العصر، علمنا النبي الكريم أن الفرَج من الله يأتي، وكل محنة في هذه الحياة سيكون من بعدها فرَجٌ حقيقي، ونحن اليوم في ذكرى مولده، نبينا الذي لا نحب أحدًا كما نحبّه، آمالنا كبيرة بأن يأتي الفرج سريعًا، علينا، على شعبنا، على أمتنا وعلى العالم أجمع.

في ذكرى مولده، نستذكر قوله الذي رواه البخاري ومسلم عن ‏ ‏أبي هُريرة ‏ ، حيث قال رسُولُ الله ‏ ‏صلى اللهُ عليه وسلم ‏" ‏أنا أولى الناس ‏ ‏بعيسى ابن مريم ‏ ‏في الدنيا والآخرة والأنبياءُ إخوةٌ ‏ ‏لعلاتٍ ‏ ‏أُمهاتُهُم شتى ودينُهُم واحدٌ "، ونذكر أننا لا نحتاج لمصادفة كي نؤكد أهمية التآخي بين الأنبياء وبين أبناء دياناتهم، ورغم ذلك وجب ذكرها، فهذا العام ولأول مرة منذ مئات السنوات تتزامن ذكرى المولد النبوي الشريف مع عيد الميلاد، ميلاد السيد المسيح، نبي الله عيسى ابن مريم، ولعل هذا التزامن جاء ليذكرنا بأهمية التآخي وأهمية الوحدة، وحدة الشعب الواحد والأمة الواحدة، وحدة البشرية الواحدة أيضًا، الوحدة التي لا تتكلل إلّا بالسلام العادل الذي دعا إليه كل محمد وعيسى وموسى من قبلهم وابراهيم كل نبيّ أرسل إلى هذه الأرض، عليهم السلام جميعا.

نحن موقع "بـُكرا"، لطالما كانت رسالتنا الإنسانية الأخلاقية الوطنية على رأس كل مشروع وكل كلمة وكل خبر وكل فعل نقوم به، وفي ذكرى مولد النبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم، نرفع رسالتنا الانسانية من جديد الداعية للسلام العادل لكل شعوب العالم، ولشعبنا الفلسطيني خاصة لما تعرض له من انتهاكات طوال السنوات الماضية ولأمتنا العربية أيضًا لما تتعرض له من ذبح وانتهاك، وأمنيتنا الأساسية والأولى، أن تعود هذه الذكرى الكريمة وتعود الأعياد المجيدة على هذه الأمة بحال أفضل، بالسلام الحقيقي والأمن ..

مولد نبوي مبارك
كل عام وانتم بألف خير 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com