ما إن يصل الزائر إلى العاصمة الصينية بكين، حتى يبدأ رحلة استثنائية في قلب مدينة تنبض بالتاريخ وتتألق بالحداثة، فهي ليست مجرد عاصمة سياسية واقتصادية، بل لوحة حية تنسج تفاصيلها من سحر الشرق القديم وتكنولوجيا الغرب المتسارع.

وقد تبدو التجربة للسائح العربي أقرب إلى حوار حضاري نابض، ودهشة أمام دقة التنظيم والتطور العمراني وحيوية الحياة الصينية التي تحافظ على روحها رغم التحديث المتسارع، حيث تتجاور ناطحات السحاب مع الأزقة القديمة، وتتقاطع حركة المرور الذكية مع وقع خطوات الباعة في الأسواق الشعبية، ليكتشف السائح مدينة تقدم للعالم نموذجا فريدا للتوازن بين الجذور والآفاق المستقبلية.

وتجمع بكين بين طبيعتها الخضراء المبهرة، وحدائقها وأشجارها الممتدة في جميع أرجاء المدينة، وبين تنظيمها الحضري الذي يتجلى ببناياتها وأبراجها وشوارعها الواسعة، إلا أن جوهرها الحقيقي يكمن في تفاصيلها الصغيرة، وأبرزها الأسواق الشعبية التي تعكس نبض الحياة اليومية للسكان، ففيها يلتقي الزائر بحياة بكين الحقيقية بعيدا عن ناطحات السحاب ومراكز التسوق الحديثة، بحيث تتنوع البضائع بين الحرف اليدوية التقليدية والمنتجات المعاصرة، مقدمة للزائر تجربة حسية غنية تعكس مزيج الماضي والحاضر.

ويتميز الشعب الصيني بابتسامته الدائمة، حيث لا يترددون في مساعدة الزوار وإرشادهم، في مشهد يضفي على التجربة دفئا إنسانيا خاصا، ويبرز ذلك جليا في الأسواق الشعبية والأماكن السياحية والأطفال الذين يرتدون الزي التراثي في الأماكن العامة، في مبادرة تعكس حبهم لزوار مدينتهم وحرصهم على ترسيخ التراث عبر الأزياء التقليدية وإبرازه أمام السياح.

كما يلاحظ الزائر الأطفال يلوحون بأيديهم ويحيون الضيوف العرب بابتسامات عريضة، مستخدمين كلمات بسيطة بالإنجليزية تعلموها من السياح، في مشهد يعكس دفء السكان وحبهم لاستقبال الزوار.

ولا يفوت أي سائح لمدينة بكين أن يزور "معبد السماء"، الذي يعد الأكبر من نوعه في المدينة، كتجربة لا تقل روعة عن باقي معالمها، إذ يعتبر من أبرز المعالم وأكثرها رمزية، والذي يعود تاريخ بنائه إلى مئات السنين، ويعد -وفق المعتقدات الصينية - "صلة بين السماء والأرض"، من أجل حصاد جيد للحبوب ولسلام الأمة.

وفي حوارات أجرتها وكالة الأنباء الأردنية (بترا) خلال مشاركة عدد من صحفييها مع مجموعة من الإعلاميين العرب في دورة تدريبية صحفية تعقد حاليا في الصين، قالت الصحفية بوكالة تونس أفريقيا للأنباء خديجة البوسالمي، إن العاصمة الصينية بكين تعد نموذجا فريدا يجمع بين الأصالة والتجديد والتقاليد والتطور، وأكثر ما يلفت الزائر بنيانها الحديث وناطحات سحابها، في الوقت الذي تروي فيه معالمها التاريخية قصصا ضاربة في عمق الحضارة الصينية.

وبينت أن العاصمة الشمالية تزداد سحرا في ساعات الليل عبر أجواء آمنة تمنح السائح فرصة للاستكشاف، فيما تعكس صباحاتها صورة مجتمع نشط يتوجه إلى العمل بهمة جماعية، في مشهد يترجم ثقافة العمل الراسخة التي توارثها الصينيون عبر الأجيال.

من جهته أكد مصمم الديكور التلفزيوني المصري يحيى صبح، أن أكثر ما لفت انتباهه في مدينة بكين هو التنسيق العام داخل المدينة، إضافة إلى المباني الشاهقة وعلاقتها بالمساحات الخضراء، مع الحفاظ على المباني القديمة الكلاسيكية الجميلة في شوارعها، وكذلك تشجيع الناس على زيارة المعالم التاريخية.

من جانبه، ذكر الإعلامي من إقليم كردستان محمد أزاد فتاح، أن ما جعل زيارته لبكين مختلفة ومميزة عن أي مكان آخر هو مستوى التطور التكنولوجي الذي وصلت إليه في مختلف المجالات، إضافة إلى ما تتميز به المدينة من حركة تجارية نشطة تعكس حيويتها وديناميكيتها.

وقالت الإعلامية المصرية منال أيوب، إن الشعب الصيني يتعامل مع الزوار العرب بود واحترام واضح، ويحرص على إظهار الترحيب ، موضحة أن أكثر ما أعجبها في أسلوبهم هو التزامهم بالنظام والدقة في المواعيد، وروح التعاون التي تظهر في أبسط المواقف اليومية، إلى جانب حرصهم على تبادل الهدايا التذكارية، ما يعكس ثقافة التقدير والاحترام المتبادل.

وبين مواطنون صينيون حبهم للزوار العرب وسعادتهم بزيارتهم، مؤكدين أن حضورهم يضيف أجواء ودية ويعزز التقارب بين الثقافات، إلى جانب فتح آفاق لتبادل التعاون المشترك في مجالات متعددة، بما يسهم في تعزيز العلاقات بين الجانبين وتشجيع المزيد من الزيارات المتبادلة.

وتبقى بكين بالنسبة للزائر العربي أكثر من مجرد وجهة سياحية، فهي مساحة للتلاقي الإنساني وتبادل الخبرات، حيث يكتشف الزائر في شوارعها وأسواقها حكايات متعددة، وتفتح الطريق لعلاقات أوسع في الثقافة والسياحة والتجارة، في مشهد يبرهن أن الانفتاح على الآخر هو سر استمرار الحضارات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com