أجرى موقع "بكرا" لقاءً خاصاً مع د. أحمد الخزاعي، المستشار السياسي المقيم في واشنطن، حول المحادثات الروسية–الأمريكية المرتقبة، والتوقعات منها.
وقال خلال حديثه: "تشهد الساحة الدولية حراكًا دبلوماسيًا لافتًا يعكس تحولات عميقة في بنية النظام العالمي، وتحديدًا في العلاقة بين القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين. في هذا السياق، تبرز ثلاث محطات مفصلية تحمل دلالات استراتيجية تتجاوز طابعها البروتوكولي: المحادثات الروسية–الأمريكية المرتقبة، زيارة المبعوث الأمريكي الخاص ويتكوف إلى موسكو، وزيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا. هذه التطورات لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياقات الجيوسياسية الراهنة، بل تمثل مؤشرات على إعادة تشكيل خطوط التواصل، وتكريس أنماط جديدة من التفاعل الدولي في ظل عالم يتجه نحو التعددية القطبية".
واضاف: "المحادثات الروسية–الأمريكية، التي يُتوقع أن تنطلق خلال الأسابيع المقبلة، تأتي في ظل تصاعد التوترات الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، وتوسع نطاق العقوبات الغربية، وتزايد المخاوف من انزلاق نحو مواجهة غير محسوبة. ورغم غياب تفاصيل رسمية دقيقة، تشير المعطيات إلى أن هذه المحادثات ستتناول ملفات حساسة تتعلق بالاستقرار النووي، خاصة بعد تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة "نيو ستارت"، وما يرافق ذلك من مؤشرات على تراجع الضمانات الاستراتيجية المتبادلة. كما يُتوقع أن تُطرح قضايا أمن أوروبا الشرقية، في ظل استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، ومحاولات روسيا تعزيز نفوذها في مناطق مثل بيلاروسيا والقوقاز. إلى جانب ذلك، يبرز الملف الإيراني كأحد محاور التداخل بين الطرفين، حيث تتقاطع مصالحهما في قضايا تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، والتوازن الإقليمي في الخليج العربي. زيارة المبعوث الأمريكي الخاص، السيد ويتكوف، إلى موسكو تمثل خطوة أولى نحو اختبار جدية الطرفين في إعادة فتح قنوات التواصل، وسط ترقب دولي لما إذا كانت هذه المبادرة ستفضي إلى تفاهمات جزئية، أم أنها ستُضاف إلى سلسلة المحاولات غير المثمرة التي طبعت العلاقة في السنوات الأخيرة".
الإمارات ترسخ دورها كوسيط دولي مستقل وتعيد تعريف التموضع الخليجي
وتابع: "في المقابل، جاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى موسكو في توقيت بالغ الحساسية، لتعكس نهجًا إماراتيًا قائمًا على الحياد الإيجابي والانفتاح المتوازن على مختلف القوى الدولية. الزيارة حملت في طياتها رسائل متعددة الأبعاد، أبرزها تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين أبوظبي وموسكو، حيث تم توقيع اتفاقيات جديدة في مجالات الاستثمار والنقل، ضمن إطار تعاون يشمل الطاقة، الفضاء، والتكنولوجيا. كما كرّست الإمارات دورها كوسيط موثوق، بعد نجاحها في إبرام أكثر من خمس عشرة عملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا منذ مطلع عام 2024، ما يعكس ثقة الأطراف المتنازعة في قدرتها على الوساطة الإنسانية والدبلوماسية. هذه الزيارة تؤكد أن الإمارات ليست جزءًا من الاستقطاب الدولي، بل فاعل مستقل يسعى إلى بناء الجسور، وتكريس منطق التهدئة، وإعادة تعريف التموضع الخليجي في المعادلة الدولية".
ولفت كذلك: "إن تزامن هذه التحركات يعكس ديناميكيات جديدة في العلاقات الدولية، حيث تسعى روسيا إلى كسر العزلة الغربية عبر تعزيز علاقاتها مع قوى إقليمية مستقلة، وتعيد الولايات المتحدة تقييم أدواتها في التعامل مع موسكو، وسط تراجع فاعلية العقوبات، وتنامي دور القوى الوسيطة. وفي هذا السياق، يتحول الخليج العربي من ساحة نفوذ إلى ساحة توازن دولي، مع صعود أدوار مثل الإمارات والسعودية في الوساطة، والطاقة، والاستثمار، ما يعكس قدرة الفاعلين الإقليميين على التأثير في هندسة العلاقات الدولية، لا مجرد التفاعل معها.
إن المحادثات المرتقبة، وزيارات موسكو، ليست مجرد تحركات دبلوماسية عابرة، بل تعكس لحظة تحول في هندسة العلاقات الدولية. وفي عالم يتجه نحو التعددية القطبية، تبرز الحاجة إلى فاعلين عقلانيين قادرين على بناء الجسور، وتقديم نماذج بديلة للتفاعل الدولي، بعيدًا عن منطق الاصطفاف والصدام، وبما يكرّس منطق السيادة، والواقعية، والتوازن".
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق