احاول أن أتمسك بخيط التفاؤل الهشّ، أن أهرب من ضجيج الواقع ليس فقط من زحام الشوارع والأصوات المزعجة بل بالفوضى العارمة التي تلتهم استقرارنا وترهف اعصابنا تغرقنا في دوامة لا تتوقف من صور تتكرر وتزداد قسوة يوما بعد يوم تجعلنا نبحث عن لحظة صمت ثمينة وكأننا نبحث عن كنز مفقود
أحاول أن أقنع نفسي أن القادم أجمل، لكنّ المشاهد التي تطرق أبوابنا بلا استئذان ترفض أن تمنحني هذه الرفاهية
من حولنا بدءا من العائلة الصغيرة، مرورًا بالحيّ والمدينة، وصولًا إلى المجتمع الأوسع، بل وحتى المشهد العالمي، يبدو وكأنه يتهاوى أمام أعيننا، مشهدًا تلو الآخر
ليست الأزمة مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل أزمة أخلاق ومعايير ومفاهيم. نرى التفكك الأسري، التراجع القيمي، شراسة الخطاب، تغييب الحوار، تراجع الثقافة، غياب القدوة، وتحوّل المواطن إلى رقم هامشي في معادلات متضاربة.
ما كان يُعتبر شاذًا، بات طبيعيًا. وما كان يُحرَّم، أصبح يُبرَّر. هذا التردي لم يعد استثناءً بل قاعدة، والمقلق أنه يُعاد إنتاجه جيلًا بعد جيل.
في مجتمعنا، نشهد انفلاتًا واضحًا في منظومة القيم. تصاعد في مظاهر العنف، تهميش متزايد لدور التربية، انحسار في التفكير النقدي، وازدياد في الانغلاق والانقسام.
نشاهد الأبناء يواجهون الحياة بلا بوصلة، والمدارس تتحول إلى ساحات تلقين لا إبداع، ووسائل الإعلام تروّج للسطحية بدل العمق.
سلاحا ذو حدين والأخطر أن هذه الظواهر لم تعد تثير الصدمة، بل أصبحت جزءًا من الحياة افي زمن التردي، يصبح التفاؤل فالتفاؤل الحقيقي هو ذاك الذي يرى الواقع كما هو، لكنه لا يستسلم له. أما التفاؤل المزيف، فهو شكل من أشكال التخدير والهروب، وربما التواطؤ مع الخراب.
علينا أن نُعيد تعريف التفاؤل: ليس بوهم التغيير من دون مواجهة، بل بالإيمان أن النور لا يأتي إلا بعد الاعتراف بالظلمة.
لا نحتاج إلى معجزات، بل إلى صحوة ضمير. أن ينهض كل منا من موقعه
في بيته في مدرسته في شارعه مكان عمله محيطه ان نُعيد إحياء مفاهيم الحوار، الاحترام، المسؤولية، والجرأة في قول
لا للانحدار لا يكفينا ان نعكس الواقع كما هو، بل أن نكون ذلك الضوء البسيط الذي يوقظ الآخرين من سباتهم.
ربما لن نغيّر العالم دفعة واحدة، لكننا نستطيع أن نمنع مزيدًا من السقوط. فالهروب لا يبني حياة، والمواجهة وحدها هي التي تخلق بداية جديدة
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق