أوضحت دار الإفتاء المصرية من خلال لجنة الفتوى الرئيسة أن برّ الوالدين لا ينتهي بوفاتهما، بل يستمر بعد الرحيل، استنادًا إلى ما ورد في السنة النبوية الشريفة.

وثبت عن النبي محمد ﷺ أن رجلًا من بني سلمة جاء إليه يسأله: "يا رسول الله، هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟"، فأجابه النبي ﷺ: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإيفاء بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما"، وهو حديث جامع يشير إلى أبواب متعددة من البر.

وأوضحت اللجنة أن هذه الأعمال تمثل امتدادًا للبر والإحسان، وهي جزء من المعاني العظيمة التي تحث عليها الشريعة الإسلامية، وتتضمن:

1- الدعاء لهما: وهو من أعظم البر وأبسطه، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.

2- الصدقة عنهما: من الأعمال المستمرة التي يصل ثوابها للوالدين بعد موتهما، كإخراج مال أو المشاركة في بناء مسجد أو سقيا ماء أو غيرها من الصدقات الجارية.

3- هبة ثواب الأعمال لهما: ويشمل ذلك أي عمل صالح يقوم به الابن، وينوي أن يكون ثوابه لوالديه، كصلاة أو صيام أو حج أو قراءة قرآن.

4- زيارة القبور: فهي تذكر بالآخرة وتبعث في النفس العبرة، والدعاء عند القبور له أثر في البر.

5- صلة رحمهما: مثل زيارة الأقارب الذين كانوا على صلة قوية بالأب أو الأم، وهي صلة واجبة وفيها أجر عظيم.

6- إكرام أصدقائهما: الوفاء لأصدقائهما واستمرار العلاقة معهم يعد من تمام البر، فقد قال النبي ﷺ: "إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه".

وفي السياق ذاته، شدد الشيخ أحمد الصباغ، من علماء الأزهر، على أن أبواب البر لا تُغلق بموت الوالدين، بل إن الرحمة الإلهية تفتح للعبد هذه الأبواب ليجبر بها تقصيره أو يزيد من برّه، لافتًا إلى أن هذه الأعمال ليست حكرًا على من كان بارًا في حياة والديه، بل يمكن أن تكون طريقًا لمن لم يُحسن إليهما في حياتهما.

من جهته، قال الشيخ أحمد ممدوح، أحد علماء الأزهر الشريف، إن البر بالوالدين أثناء حياتهما هو فرض شرعي، لكن البر الحقيقي يشمل الاستمرار في الإحسان إليهما بعد وفاتهما. وذكر، خلال حواره في برنامج "بنت البلد" المذاع على قناة صدى البلد 2 مع الإعلامية نشوى مصطفى، أن الصدقة لها فضل كبير، وهي من أعظم وسائل البر بعد الوفاة.

وأضاف الشيخ أحمد ممدوح أن البعض يغفل عن فضل الصدقة رغم أنها باب مفتوح لفك الكروب ودفع البلاء، مستشهدًا بأن الفقر يأتي بعد البخل مباشرة، وأن الغنى يأتي بعد الجود، فمن أراد أن يفرج الله كربه أو يسّر له أمرًا فليتصدق.

وأوضح كذلك أن "التجارة مع الله" لا تخسر أبدًا، فهي تجارة مضمون ربحها، على عكس تجارة الدنيا التي قد تتعرض للخسارة أو التقلبات، أما التجارة مع الله فهي في مكسب دائم، ويضاعف الله بها الحسنات أضعافًا كثيرة.

وهكذا يتضح أن الإسلام لم يجعل البرّ بالوالدين مقصورًا على الحياة، بل جعله مستمرًا، رحيمًا، متجددًا، ومفتوحًا لكل من يريد نيل رضا الله من أوسع أبوابه، وذلك من خلال أفعال يسيرة في ظاهرها، عظيمة في أجرها، جليلة في معناها ومقصدها.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com