في إنجاز علمي قد يحدث تحولًا في مجال تشخيص الأمراض العصبية، كشف باحثون عن تطوير أداة ذكاء اصطناعي قادرة على تشخيص مرض باركنسون بدقة بلغت 87.9%، وذلك من خلال تحليل فيديوهات قصيرة لتعبيرات الوجه – وتحديدًا الابتسامة. الدراسة نُشرت مؤخرًا في المجلة الطبية المرموقة New England Journal of Medicine.
النموذج الجديد اعتمد على قاعدة بيانات هي الأكبر من نوعها، شملت 1,452 مشاركًا من عدة دول، من بينهم 300 شخص تم تشخيصهم بالفعل بمرض باركنسون، بالإضافة إلى نحو 100 شخص أبلغوا عن أعراض مشتبه بها. وقد أظهر الذكاء الاصطناعي قدرة عالية على التمييز بين المصابين وغير المصابين، اعتمادًا فقط على تعبيرات الوجه.
تقنية متقدمة وتحليل دقيق
تعتمد الأداة على تحليل ما يُعرف بـ"الهيبوميميا"، أي انخفاض تعبيرات الوجه، وهو أحد الأعراض المبكرة الشائعة في مرض باركنسون. وقد طُلب من المشاركين تسجيل فيديوهات بسيطة في المنزل أو العيادة لتعبيرات مثل الابتسامة، الدهشة، والاشمئزاز، والتي تم تحويلها باستخدام تقنيات تعلم الآلة إلى بيانات حركية دقيقة.
د. مايير كاستنباوم، نائب مدير قسم الأعصاب في مستشفى "مايير" ومدير عيادة باركنسون، أوضح أن "استخدام تسجيلات تعبيرات الوجه كأداة فحص أولية هو اختراق حقيقي. إنها وسيلة سهلة، متاحة، ومنخفضة التكلفة، ويمكن أن تساهم في الكشف المبكر عن المرض – خصوصًا في المناطق التي تفتقر لأطباء أعصاب مختصين".
تحديات التشخيص التقليدي
وأشار كاستنباوم إلى أن تشخيص مرض باركنسون اليوم يعتمد على فحوص سريرية وأدوات تصويرية مثل MRI وPET CT، لكنه يظل محدودًا بدقة تصل إلى 85% فقط، ولا يوجد حتى الآن مؤشّر بيولوجي قاطع لتشخيص مؤكد.
وأضاف: "في إسرائيل، هناك أكثر من 30 ألف شخص مصاب بباركنسون، وتزداد نسبة الإصابة مع التقدم في العمر، لتصل إلى نحو 2% ممن هم في سن 80. الأعراض تشمل بطء الحركة، التصلب، الرعاش، بالإضافة إلى أعراض غير حركية مثل القلق واضطرابات النوم والذاكرة".
نتائج واعدة وتجارب مستقبلية
أظهرت نتائج الدراسة دقة بلغت 87.9%، حساسية بنسبة 76.8%، ونوعية وصلت إلى 91.4% في التجارب الداخلية. وفي اختبارات خارجية، حقق النموذج دقة بلغت 80.3% في الولايات المتحدة و85.3% في بنغلاديش، مع الحفاظ على معدل توقع سلبي يفوق 92% في جميع المجموعات.
رغم تراجع القيمة التنبؤية الإيجابية في بعض المناطق، شدد الباحثون على أهمية ملاءمة النماذج السكانية لضمان دقة النتائج. ولم يُسجل أي فروق جوهرية مرتبطة بالجنس أو العرق، إلا أن النساء في بنغلاديش سجلن دقة أعلى نسبيًا.
خطوة نحو المستقبل
وأشار كاستنباوم إلى أن هذا الابتكار ينضم إلى سلسلة من الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، منها تحليل الصوت، أجهزة استشعار الحركة، وتحليل صور الدماغ والكتابة اليدوية، موضحًا أن "أغلب هذه الأدوات لا تزال قيد البحث، لكن بعضها بدأ يُستخدم فعليًا في اتخاذ قرارات علاجية".
كود البرنامج متاح عبر منصة GitHub بنظام مفتوح المصدر، في حين تخضع الفيديوهات لقوانين الخصوصية الأمريكية (HIPAA)، مما يسمح باستخدام الخصائص المستخلصة فقط.
ويختم كاستنباوم: "هذه التكنولوجيا قد تُحدث ثورة في أساليب تشخيص باركنسون حول العالم، وتمنح فرصة لآلاف المرضى في الوصول إلى تشخيص مبكر وعلاج فعال، حتى في الأماكن التي تفتقر للرعاية المتخصصة".
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق