أكتب بوضوح… لا أتملق
في زمنٍ باتت فيه الكلمات تُزَيَّن أكثر ممّا تُقال، وتُصفّف الحروف كما تُصفّف التسريحات في حفلات المجاملة، أجد نفسي – كما كثيرين – على هامش هذا المهرجان.
أنا لا أكتب كي أُعجب أحداً. لا أصوغ عباراتي كي أُرضي “صاحب قرار”، ولا أختار مفرداتي بناءً على “المزاج العام”.
منذ أن بدأت أكتب، وأنا أؤمن أن الكلمة إن لم تكن مرآةً نزيهة، فهي خيانة للذات وللقارئ.
■ لستُ دبلوماسية… ولن أكون
كثيرون قالوا لي: “كوني أكثر دبلوماسية”، “اختاري ألفاظك بعناية”، “خفّفي من حدّة الصدق”…
وكأن الصراحة باتت تهمة، والوضوح صار عيباً.
أنا آسفة، لا أملك هذه الليونة. لا أجيد أن أقول “ربما” عندما أقصد “لا”، ولا أجيد أن أبتسم عندما يوجعني القهر، ولا أُجيد أن أكتب مقالة فيها كل شيء إلا الحقيقة.
أنا أكتب، لا لأكسب، بل لأقول.
أكتب لأن الصمت خيانة، ولأن المجاملة تواطؤٌ ناعم.
وإذا كانت “الدبلوماسية” تعني طمس الحدود بين الأبيض والأسود، فأنا أعتذر من الجميع: لوني واضح، كلمتي حادّة، وقلمي لا يتعرّج.
■ لا أتملّق أحداً
ليس من طبعي أن أُطري على مسؤولٍ فقط لأنه يملك منصباً، أو أُشيد بعملٍ لا يليق، فقط لأن صانعه يملك نفوذاً.
التملّق في قاموسي شكلٌ ناعم من النفاق، وأكثر خبثاً منه.
ومن أراد مَن يلمّع صورته أو يُدلّله بكلمات خالية من المعنى، فليرحل إلى أقلام أخرى…
أمّا قلمي؟
فهو لا يعرف الحياد الزائف، ولا يعرف التزويق، ولا يخضع إلا لسلطان الضمير.
■ الوضوح مسؤولية
قد يظن البعض أن الوضوح جُرأة عابرة، أو ثورة مزاجية.
لكن الحقيقة أن الوضوح – في زمن التضليل – هو مسؤولية.
حين تقول الحقيقة كما هي، دون أن تخشى سيفاً ولا مقصلة، فإنك تمارس أنبل ما في الصحافة، وأصدق ما في الكتابة: أن تكون شاهداً لا تابعاً، أن تكون نبيلاً لا موظّف رأي.
وليس من السهل أن تكون واضحاً، بل هو أثقل الطرق وأقساها، لكنه أيضاً الأصدق.
■ القارئ يستحقّ الحقيقة
القارئ ليس ساذجاً، ولا يريد خطباً مكرّرة، ولا يتشوّق لنصوص متكلفة كُتبت كي تُرضي الجميع.
بل يريد من يكتب له، لا عليه.
يريد من يصرخ باسمه حين لا يستطيع، ومن يعرّي الواقع عندما يكسوه الإعلام الرسمي بالأكاذيب.
وإن كنتُ أُتّهم أحياناً بأنني “قاسية” أو “صريحة أكثر من اللازم”، فليكن.
أنا أختار أن أكون حقيقية، لا أن أكون مطبوعة بلغة المحاباة.
■ بيني وبين الدبلوماسية ألف ميل وميل…
ربما كنت سأربح أكثر لو كنت “أكثر ليونة”، وأكسب علاقات أكثر لو كنت “أكثر دبلوماسية”،
لكنني كنت سأخسر نفسي، وسأخون قلمي، وسأصير نسخةً زائفة منّي.
وهذا ما لا أريده.
أنا لستُ مشروع سلطة، ولا صدىً لأي جهة.
أنا ابنة وجعي، وكاتبة من لحم الحقيقة، وصاحبة رأيٍ لا يعرف التجميل، ولا يسكن الصمت.
أقولها بملء قلبي:
إذا كان الصدق جريمة، فليشهد التاريخ أنني مجرمة.
وإذا كان الوضوح فضيحة، فليكتبوا عني كلّ ما شاءوا.
أنا لا أكتب كي أُرضي، بل أكتب لأن الحقيقة لا تحتاج إلى إذن.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق