وسط واقع مشحون بالتوتر والانقسام، صدر مؤخرًا تقرير بحثي جديد عن مركز "أكورد – علم النفس الاجتماعي من أجل التغيير" التابع للجامعة العبرية، كاشفًا صورة معقّدة ومقلقة عن مواقف المراهقين في إسرائيل تجاه العلاقات بين اليهود والعرب. التقرير، الذي استند إلى استطلاع واسع النطاق شمل أكثر من 1,500 طالب وطالبة من الصفوف العاشر حتى الثاني عشر، يسلط الضوء على حجم الشرخ في الوعي الجماعي لجيل المستقبل، ويطرح في الوقت ذاته بوادر أمل لا يمكن تجاهلها.
واحدة من أكثر النتائج صدمة في التقرير هي أن 51% من المراهقين اليهود عبّروا صراحة عن مشاعر كراهية تجاه العرب، مقارنة بـ 33% من المراهقين العرب الذين أبدوا مشاعر مماثلة. الأسوأ من ذلك أن رُبع هؤلاء المراهقين اليهود يؤيدون الفصل بين اليهود والعرب في الحيز العام، ويطالبون بمقاطعة المصالح التجارية العربية. هذه الأرقام، كما يصفها مدير المركز، رون غرليتس، ليست مجرد إحصائيات، بل مؤشرات حقيقية على عمق الانقسام النفسي والاجتماعي الذي بدأ يترسخ منذ سن مبكرة.
مع ذلك
ومع ذلك، لم يكن التقرير سوداويًا بالكامل. وسط مشاعر الغضب والنفور، برزت معطيات تشير إلى أن ثلث المراهقين اليهود وأكثر من ثلث العرب لا يكتفون بالرغبة في تحسين العلاقات بين المجموعتين، بل يؤمنون أن ذلك ممكن فعليًا. وقد جاءت هذه الأرقام في لحظة حساسة، بعد شهور من التصعيد السياسي والعسكري، ما يزيد من وزنها ويمنحها بعدًا استثنائيًا.
لكن الصورة ليست ثنائية أو مبسطة. الباحثون قسّموا المشاركين إلى ثلاث مجموعات رئيسية: المتفائلون الذين يؤمنون بالتغيير ويسعون إليه؛ المتشائمون الذين يرغبون بعلاقات أفضل لكنهم فقدوا الثقة في إمكانية تحقيق ذلك؛ والرافضون الذين يرون في الآخر تهديدًا وجوديًا ولا يهتمون بالتقارب أصلًا. اللافت أن المجموعة المتشائمة هي الأكبر، وتشير إلى مستوى عميق من الإحباط، خاصة في ظل غياب سياسات تعليمية واضحة تسعى لردم الفجوات.
الغضب لدى الشباب
رون غرليتس، الذي يقود المركز، يحذر من خطورة الاستسلام للتيار الغالب. برأيه، حتى مشاعر الغضب لدى بعض المراهقين تُعد مؤشرًا إيجابيًا، إذ تعكس انشغالًا بالشأن العام واستعدادًا للانخراط، بخلاف مشاعر الكراهية التي تعني رفضًا قاطعًا للآخر. في تفسيره للفجوة بين العرب واليهود في نتائج الاستطلاع، يشير غرليتס إلى أن العرب، بصفتهم مجموعة أقلية، يعتمدون أكثر على العلاقات مع الأغلبية، سواء في العمل أو التعليم أو الحياة اليومية، ما يجعلهم أكثر انفتاحًا بطبيعتهم. كما أن إلمامهم باللغة والثقافة العبرية، نتيجة الاحتكاك الدائم، يعزز من قدرتهم على تفهّم الواقع المركّب.
في المقابل، فإن فئة "الرافضين"، التي شكّلت نحو 32% من المراهقين اليهود، تمثل التحدي الأكبر. هذه المجموعة، بحسب التقرير، لا تهتم بمعرفة الآخر ولا تسعى لفهمه، بل ترى في العلاقات الطيبة تهديدًا لهويتها. لكن غرليتس يرى أن تجاهل هذه المجموعة يعني التخلي عنها لصالح الخطاب العنصري والتحريضي، ويحذّر من احتمال تحولها إلى حاضنة للعنف والعداء المنظم.
توصيات عملية
التقرير لم يكتف بتوصيف الحالة، بل قدّم توصيات عملية، من بينها تعزيز الأمل لدى المتشائمين، ومواجهة مشاعر التهديد لدى الرافضين، وتشجيع المتفائلين على المبادرة. ويشدد الباحثون على أن هذه التحولات لا يمكن أن تحدث بمعزل عن النظام التربوي، الذي يجب أن يضع في صلب عمله موضوع الشراكة والمساواة. إلا أن التقرير ينتقد بشدة غياب الدعم المؤسسي لمربي الأجيال، ويشير إلى أن العديد من المعلمين الذين يحاولون غرس قيم التسامح يتعرضون لهجوم من الأهالي أو من الطلاب أنفسهم.
في النهاية، لا يقدّم التقرير وصفة سحرية لحل الصراع، لكنه يعرض صورة معقّدة وصادقة لوعي جيل يترعرع في ظل أزمات متواصلة. وبين من يرفض ومن يأمل، هناك من ما زال يمد يده للآخر. في تلك اليد، ربما، تكمن بداية الطريق نحو مستقبل مختلف.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق