بقلم: إيناس صَلاح زُعبي

المُعَلِّمُ في زَمَنِ التَّحوُّلاتِ الرَّقْمِيَّة

في زَمَنٍ يَشهَدُ تَحوُّلاتٍ تِقْنِيَّةً غَيْرَ مَسبوقَة، يَبرُزُ الذَّكاءُ الاصطِناعِيُّ كقُوَّةٍ عُظمى تُغَيِّرُ مَلامِحَ الحَياةِ، وتَتَغَلْغَلُ في تَفاصيلِها، حتّى وصَلَتْ إلى قَلْبِ المُنْظُومَةِ التَّرْبَوِيَّةِ.

وبَيْنَما يُثِيرُ هذا التَّحوُّلُ تَساؤُلاتٍ حَوْلَ مُستَقبَلِ التَّعْلِيمِ، فإنَّ الحَقِيقَةَ الَّتي تَتَجَلَّى بِوُضُوحٍ هي أنَّ الذَّكاءَ الاصطِناعِيَّ لا يُقَلِّلُ مِنْ دَوْرِ المُعَلِّمِ، بَلْ يُمْنِحُهُ أَبْعادًا جَديدة، وَيُعِيدُ مَكانَتَهُ كَمُلْهِمٍ، وَمُبْتَكِرٍ، وَمُبْدِعٍ، وَصانِعٍ لِلتَّغْيِير.

مِن نَاقِلٍ لِلمَعرِفَةِ إلى مُهَندِسٍ لِلتَّعَلُّم

تَحَرَّرَ المُعَلِّمُ في هذا العَصْرِ مِن أَدوارِهِ التَّقليدِيَّةِ كَناقِلٍ لِلمَعرِفَةِ أَوْ مُنَفِّذٍ لِلمِنهاجِ، وأَصبَحَ شَريكًا فاعِلًا في تَطوِيرِ العَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ.

فالأَدَواتُ الذَّكِيَّةُ أَصبَحَتْ تُعَزِّزُ إِمكاناتِهِ، وتَمنَحُهُ رُؤًى جَديدَةً لِفَهمِ طُلّابِهِ، وتَخْطِيطِ تَعليمٍ يَتَّسِمُ بِالمُرُونَةِ، والعُمْقِ، والتَّمَيُّزِ.

تَعْلِيمٌ مُخَصَّصٌ… وَتَجَارِبُ تَفَاعُلِيَّة

مِن خِلالِ الذَّكاءِ الاصطِناعِيِّ، أَصبَحَ المُعَلِّمُ قادِرًا عَلى تَحليلِ المَعطَياتِ التَّرْبَوِيَّةِ بِدِقَّةٍ، وتَتَبُّعِ تَقَدُّمِ كُلِّ طالِبٍ، وتَحدِيدِ نِقاطِ القُوَّةِ والضَّعْفِ، مِمّا يَفتَحُ أَمامَهُ المَجالَ لِتَخصِيصِ التَّعليمِ وَمُواكَبَةِ كُلِّ مُتَعَلِّمٍ بِشَكلٍ فَرْدِيٍّ.

كَما أَنَّ أَدَواتِ الذَّكاءِ الاصطِناعِيِّ تُحَوِّلُ الحِصَصَ إلى تَجارِبَ تَفَاعُلِيَّةٍ نابِضَةٍ بِالحَيَاةِ، تُحفِّزُ التَّفكِيرَ، وتُغَذِّي الفُضُولَ، وتُشرِكُ الطُّلّابَ بِفاعِلِيَّةٍ.

فُرْصَةٌ لِتَطوِيرِ الذَّاتِ المِهْنِيَّة

عَبرَ هذا التَّكامُلِ، يَتَحَوَّلُ الصَّفُّ إلى مَساحَةٍ لِلإِبْداعِ، وَالحِوارِ، وَالتَّفكِيرِ النَّقْدِيِّ.

ويَجِدُ المُعَلِّمُ نَفسَهُ أَمامَ فُرْصَةٍ استِثْنائِيَّةٍ لِتَطوِيرِ ذاتِهِ بِاستِمرارٍ، مِن خِلالِ أَدَواتٍ ذَكِيَّةٍ تُساعِدُهُ عَلى مُراجَعَةِ أَدائِهِ، وَتَقدِيمِ تَغذِيَةٍ راجِعَةٍ دَقِيقَةٍ، وَتَقتَرِحُ مَساراتٍ تَدْرِيبِيَّةً تَتَماشَى مَعَ احْتِياجاتِهِ المِهْنِيَّةِ.

تَجْدِيدُ الهُوِيَّةِ التَّرْبَوِيَّةِ لِلمُعَلِّم

إنَّ الذَّكاءَ الاصطِناعِيَّ لا يُهَدِّدُ هُوِيَّةَ المُعَلِّمِ، بَلْ يُمْنَحُها بُعْدًا جَديدًا.

يَجعَلُ مِنهُ أَكثَرَ مِن مُجرَّدِ ناقِلٍ لِلمَعرِفَةِ، لِيَكونَ مُهَنْدِسًا لِلتَّعَلُّمِ، ومُحَفِّزًا لِلفِكرِ، وَراسِمًا لِمُستَقبَلِ طُلّابِهِ.

إِنَّها فُرْصَةٌ لِإِعادَةِ تَعْرِيفِ التَّعْلِيمِ، لا كَعَمَلِيَّةٍ جامِدَةٍ، بَلْ كَرِحْلَةٍ إِنْسانِيَّةٍ، تَشارُكِيَّةٍ، مَدْفُوعَةٍ بِالشَّغَفِ، وَالمَعْرِفَةِ، وَالذَّكاءِ.

نَبْضُ التَّعْلِيمِ يَبْقَى في قَلْبِ المُعَلِّمِ

في هذا العَصْرِ الجَديدِ، نَحنُ بِحاجَةٍ إلى مُعَلِّمِينَ يَرَوْنَ في التِّقْنِيَةِ فُرْصَةً، لا تَهْدِيدًا؛ وَسِيلَةً، لا غايَةً؛ أَدَاةً تُعَزِّزُ رِسالَتَهُمْ، لا تَنتَقِصُ مِنْها.

يَبْقَى المُعَلِّمُ هُوَ القَلْبُ النَّابِضُ لِكُلِّ تَطَوُّرٍ تَربَوِيٍّ، والذَّكاءُ الاصطِناعِيُّ ما هُوَ إِلّا نَبْضٌ إِضافِيٌّ يُعَزِّزُ هذَا القَلْبَ، وَيُعِيدُ إِلَيْهِ الحَيَاةَ مَلِيئَةً بِالإِلْهَامِ وَالإِبْداعِ.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com