تحدث موقع بكرا مع المحامية غدير نقولا – مديرة قسم المجتمع العربي في جمعيّة حقوق المواطن، وناقش معها عددًا من الموضوعات التي تتعلق بنتائج الانتخابات والحكومة الجديدة، وإسقاطاتها بشكلٍ عام على الدولة، وخاصةً على المجتمع العربي وقضاياه، بما فيها حقوق المواطنين العرب والقرى مسلوبة الاعتراف في النقب والمدن المختلطة وغيرها، بالإضافة الى الإصلاحات المتوقعة في الجهاز القضائي وتبعاتها.

يذكر ان المحامية غدي نقولا تنشط في مجال حقوق الانسان، عملت في مؤسسات مختلفة للمجتمع المدني منها مركز عدالة، عيادة حقوق الانسان في كليّة الحقوق في جامعة تل أبيب وجمعيّة عنوان العامل. وتعمل حاليًا في جمعيّة حقوق المواطن منذ حزيران 2020.

كيف تقيّمين نتائج الانتخابات الأخيرة وإسقاطاتها الخطيرة على ارض الواقع؟
نحن امام مرحلة صعبة وخطرة بشكل خاص. نتائج الانتخابات الأخيرة تشير الى توغّل خطاب الكراهية والعنصرية وسياسة الاستيطان. وعلى ما يبدو ستأتي بتشكيل أكثر حكومة يمينية متطرّفة في تاريخ إسرائيل، ومن المتوقع ان تكون لهذا اسقاطات خطيرة على ارض الواقع وخاصّة في مجال حقوق الانسان داخل إسرائيل وفي المناطق المحتلّة. بالأساس سنشهد اكثر انتهاكا في حقوق المجتمع الفلسطيني، وقد ينعكس هذا بالاستخدام المفرط للقوة والعنف الشرطوي، بالملاحقات والادانات السياسية، بالحد من حريّة التعبير، وبتضييق اكبر في مجال الحق في الأرض والمسكن مقابل تسارع في مخططات التهويد، الاستيطان والسيطرة.

هذه الحكومة تشمل مركبّات التي تحمل أجندات تتضارب بشكل مباشر مع مبادئ حقوق الانسان وأسس الديمقراطية. وإذا راجعنا اتفاقيات الائتلاف نشهد انها تشمل بنودا خصصت لتسهيل عملية التنفيذ والتطبيق الفعلي لهذه الاجندات. يكفي مثلا مراجعة الاتفاقية مع حزب "عوتسماه يهوديت" لنستوضح السيناريوهات المحتمل حدوثها في الفترة القريبة المقبلة. تولّي ايتمار بن غفير حقيبة الامن الداخلي، وتوسيع صلاحياته ليصبح وزير الأمن القومي، وتسليمه اجسام سلطوية مركزية كانت تخضع لوزارات حكومية مختلفة، والتعهّد له بإجراء تعديلات على القوانين التي تعزز من صلاحياته تحديدا على جهاز الشرطة، كل هذه مؤشرات مقلقة لما سيجري، خاصة في النقب والمدن المختلطة.

ما هي التحديات التي ستواجه النقب وحقوق المواطنين العرب خلال الفترة المقبلة؟
الفترة المقبلة تحمل الكثير من التحديّات للنقب بشكل خاص وحقوق المواطنين العرب هناك. جميعنا شهدنا التحريض المستمر الذي انتهجه اليمين الاستيطاني في السنتين الأخيرتين ضد النقب وسكّانه. بروباغندا اليمين ارتكزت على مسألتين، الأولى قضيّة العنف والجريمة والتي صوّرها اليمين وكأنها موجّه بالأساس تجاه المواطنين اليهود في بئر السبع وباقي البلدات اليهوديّة في الجنوب، والمسألة الثانية هي قضيّة الأرض وهنا أيضا ارتكزت دعاية اليمين على تشويه الواقع وتصوير السكان البدو كمن يقومون بالاستيلاء على الأراضي وعلى مساحات شاسعة من النقب.

حزب "عوتمساه يهوديت" استلم وزارات واجسام حكوميّة مركزية تخص النقب ولها علاقة مباشرة بالقضايا المركزيّة للمواطنين البدو. اوّلها استلام الحزب لوزارة تطوير النقب والجليل وهذا يعني أن كل ما سيجري في النقب من حيث التخطيط والبناء والخدمات الاساسية سيكون تحت السيطرة المباشرة لهذا الحزب. إضافة لاستلام بن غفير لوزارة الأمن القومي، والتي ستشمل أيضا اجسام مسؤولة عن انفاذ القانون في مجال قوانين البناء وحماية البيئة كـ"الشرطة الخضراء"، وحدة "الدوريات الخضراء"، وسلطة إنفاذ قانون الأراضي. هذه الاجسام قد تركّز جل همّها وعملها ضد المواطنين العرب في النقب وبالذات أهالي القرى مسلوبة الاعتراف. قد نرى تصاعد جدي في عدد أوامر الهدم وعمليّات سلب الأراضي كعمليات التشجير. ومن المحتمل الغاء التجميد الجزئي لقانون كامينتس وطبعا لهذا الامر اسقاطات تتجاوز منطقة النقب.

هل هذا يعني التراجع عن قرارات الاعتراف التي حصلت السنة الماضية؟
هذا أولا قد يعني عدم التقدم في أي قرارات حكومية جديدة تخص قضية الاعتراف، أي عدم الاعتراف باي قرية اضافية. إضافة لذلك عرقلة كل إمكانية للتقدم في التخطيط بخصوص القرى التي تم الاعتراف بها في السنوات الأخيرة. وحتى نكون دقيقين، مهم التوضيح أن قرارات الاعتراف السابقة لم تكفل حل عادل للقرى البدويّة في النقب. لأنه حتى في حالة الاعتراف تبقى السياسة الحكومية المنتهجة سياسة تمييز وهذا ينعكس في مرحلة التخطيط للقرية التي يتم الاعتراف بها، مثل تركيز المواطنين على أصغر مساحة أرض ممكن، عدم ملائمة التخطيط للحياة البدوية والشحّة في ميزانيات التطوير.

جمعيّة حقوق المواطن ترافق منذ 18 عام أهالي قرية وادي النعم، اكبر قرية غير معترف بها في النقب. لقد تم فعلا الاعتراف بالقرية بقرار حكومي عام 2016 ولكن حتى هذا اللحظة لم يترجم هذا الاعتراف على ارض الواقع. نحن الآن في مرحلة الاستئناف امام اللجنة القطرية للتخطيط والبناء، ضد المخطط الهيكلي المقترح وتحديدا بما يخص حدود القرية والتي قد تلزم قرابة الـ70% من أهل القرية الانتقال من مكان سكانهم الى داخل حدود المخطط.

قرار الحكومة الاخيرة بالاعتراف بثلاثة قرى في النقب، أضاف عراقيل إضافية على عمليّة التخطيط والتحصيل الفعلي للاعتراف، مثل اشتراط المباشرة بالتخطيط للقرية فقط بعد الحصول على موافقة 70% من سكان القرية، وانه فيما اذا ما حصل ذلك خلال فترة 5 سنوات يتم إلغاء قرار الاعتراف. طبعا هذه شروط غير معقولة وتعجيزية كون الموافقة مطلوبة قبل حتى أن يعرف السكان على ماذا سيحصلون بالضبط من حيث الأرض التي ستخصص لكل منهم ومعالم التخطيط بشكل كامل. وأيضا هنا نرى نفس النهج الحكومي بتركيز أكبر عدد سكان على اقل رقعة ارض. في هذا الصدد قدمنا مؤخرا اعتراضات للجنة القطرية للتخطيط والبناء باسم سكان سهل البقار، والديفيعي ووادي اريحا ضد مخطط نقلهم الى داخل قرية عبدة، والتي تم الاعتراف بها ضمن قرار الحكومة الأخيرة.

من هنا بالإمكان التصوّر مدى صعوبة المرحلة المقبلة.

خطة بن غفير هي إنشاء "الحرس الوطني الجديد" الذي سينشط بشكل خاص في المدن المختلطة، ما هي خطورة هذا الجسم على المواطنين العرب؟
منذ احداث أيار 2021 ارتكزت دعاية اليمين ايضا على المدن المختلطة وموضوع الأمن الشخصي. هذا انعكس مثلا في مبادرات لاقامة ميليشيات يهودية في اللد وبئر السبع وتسويقها على أنها تهدف لحماية السكان اليهود في البلدات المختلطة. في البداية كان هناك تعاون من قبل الشرطة مع هذه المبادرات يشمل المشاركة بالدعوات لإطلاق هذه المبادرات. بعدما توجهنا في جمعية حقوق المواطن للشرطة حول عدم قانونية هذا التعاون وهذه المبادرات، تنصّلت الأخيرة من المشاركة وادعت ان الأمر حصل دون التنسيق معها.

الإشكالية اليوم أن خطّة بن غفير وفقا للاتفاقية مع الليكود هي مأسسة هذه المبادرات تحت ما يسمّى "همشمار هلؤومي هحاداش" (الحرس الوطني الجديد) الذي ينوي تأسيسه وتوسيعه والذي سيعتمد على متطوّعين خريجي وحدات جيش حربية سينخرطوا في تطبيق القانون في مجال الامن، خاصة داخل البلدات المختلطة. عدا عن الاشكاليّة في خصخصة جهاز الشرطة والاعتماد على متطوّعين في انفاذ القانون على المواطنين في أكثر المجالات المرتبطة بحقوق الانسان الأساسية، هناك إشكالية جدّية وخطورة خاصة في كون نقطة انطلاق هذا الجسم هي توجّه عنصري وعدائي تجاه المواطنين العرب. هذا التوجّه إضافة للصلاحيات التي ستمنح للمتطوّعين يشكّلان تهديدا حقيقيا على حقوق المواطنين العرب في المدن المختلطة.

لقد قمنا مؤخرا في جمعيّة حقوق المواطن وعلى ضوء الوضع عامة في المدن المختلطة من حيث التمييز ضد المواطنين العرب وتفشّي العنف والجريمة، بتخصيص موارد إضافية وخاصة لتكثيف عملنا هناك من اجل حماية حقوق السكان العرب وسد الفجوات وهذا سينعكس على كافة الاصعدة في عمل الجمعية كالمرافعة القانونية والاعلام والعمل الجماهيري والتواصل المباشر مع السكان ومنتخبي الجمهور.

الإصلاحات في الجهاز القضائي وعلى رأسها التعديل المعروف "فقرة التغّلب"، ما إسقاطات ذلك على المواطنين العرب والمجتمع الفلسطيني عامةً؟
النقاش الدائر داخل المجتمع والاعلام الإسرائيلي حول "الإصلاحات في الجهاز القضائي" وعلى رأسها التعديل القانوني المتوقع والمعروف باسم "فقرة التغّلب" (بالعبرية: פסקת ההתגברות )، يبدو للوهلة الأولى وكأنه شأن إسرائيلي-يهودي داخلي، رغم أن لهذا التعديل اسقاطات جديّة تحديدًا على المواطنين العرب والمجتمع الفلسطيني عامّةً. نحن نتحدّث عن تعديل قانوني يتيح للكنيست إعادة سن قانون أو بند في القانون كانت قد قامت المحكمة العليا بشطبه. ما يعني بكلمات أخرى تفريغ المحكمة العليا من أهم وظائفها وركائز قوّتها كمراقب على الجهاز التشريعي والحكومي بهدف حماية حقوق الانسان والقيم الديمقراطية.

الفلسطيني كان مواطنا في اسرائيل او في المناطق المحتلّة سيكون أول المتضررين من هذا التعديل وهو المستهدف الأساسي منه. ونعم رغم أن المحكمة العليا في إسرائيل لم تنصف الفلسطيني ولم تحكم بالعدل في الكثير الكثير من القضايا المركزيّة، الا أن أي انتقاص إضافي من مكانة المحكمة العليا يعني مزيدا من الانتقاص في الحقوق وهو بمثابة إطلاق العنان بالكامل للسلطات التشريعية والحكومية لتفعل ما تشاء. في هذه الحالة ستعمل الكنيست وتحديدا الائتلاف، دون كوابح ودون الحاجة للتوازنات، وهذا ما يعني اننا سنرى تشريعات وسياسات أكثر تطرّفا وأكثر انتهاكا للحقوق. قانون يمنع بيع الأراضي للعرب أو قانون يجبر بالفصل بين النساء والرجال في الأماكن العامة هم أمثلة للقوانين التي بالإمكان تشريعها والتغلّب على قرارات المحكمة العليا بإبطالها.

طبعا نحن نتحدّث عن منزلق خطر حيث قد لا ينتهي الأمر فقط في "فقرة تغلّب" على قرارات المحكمة العليا بشأن ابطال قوانين، انما أيضا بالتغلّب على قرارات محكمة تبطل سياسات حكومية عنصريّة. قرارات المحكمة العليا كـ"قرار قعدان" في الالتماس الذي قدمته جمعية حقوق المواطن والذي أبطل سياسة التمييز في بيع أراضي للعرب في مجمعّات سكنية كالموشافيم، هو مثال آخر لما قد ينتج.

كيف ستنعكس مسألة تجاوز قرارات المحكمة العليا على المناطق المحتلّة؟
قد تكون أولى المحاولات لتجاوز قرارات المحكمة العليا والتغلّب عليها عن طريق إعادة سن قانون نهب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وهو ما يعرف باسم "قانون التسوية". في شباط 2017 سنّت الكنيست هذا القانون كجزء من مخطط تسريع الضّم لأراضي الضفة، وقامت من خلاله بقَوْننة وُشَرعنة نهب الأراضي الفلسطينية الخاصّة، وفقا للتقديرات عشرات آلاف الدونمات، بهدف إبقاء وتوسيع المستوطنات والمباني التي أقيمت فوقها. هذا القانون خرق عمليّا محظورات قطعيّة في القوانين الدولية السارية في حالات الاحتلال، والتي تمنع مصادرة الممتلكات سوى لاحتياجات عسكريّة آنيّة. منظّمات حقوق الإنسان من ضمنها جمعيّة حقوق المواطن وبالتعاون مع رؤساء مجالس محلية فلسطينية وأصحاب الأراضي الفلسطينيين رفعت التماسًا للمحكمة العليا يطعن في القانون. وفي حزيران 2020 قبلت المحكمة العليا الالتماس وقامت بابطال "قانون التسوية" لانتهاكه الخطير للحق في الملكيّة وللحق في المساواة.

ولكن وبغض النظر ان كان سيتم فعلا إعادة سن قانون التسوية والتغلّب على قرار المحكمة العليا، مما لا شك فيها أننا سنشهد تصعيدا جدّيًا في تنفيذ مخطط نهب المزيد من الأراضي الفلسطينية وشرعنة المستوطنات وترخيصها – حيث انه وببساطة هذا المخطط هو المشروع الأساسي للحكومة الحالية وتحديدا لمركباتها الأكثر تطرفا "عوتسماه يهوديت" و "هتسيونوت هادتيت".

ما التحديات التي تواجه جمعية حقوق المواطن خلال الفترة المقبلة في مجال حقوق الإنسان وحقوق الفلسطينيين داخل الدولة وفي المناطق المحتلة؟
هذه السنة هي السنة الـ50 على تأسيس جمعية حقوق المواطن، خلال السنوات الماضية واكبت الجمعية فترات مختلفة كانت فيها تحدّيات كبيرة وتحدّيات أقل، ورغم هذا استمرّينا في العمل والمواجهة. بتقديرنا الفترة المقبلة ستكون الأصعب والأكثر خطورة في مجال حماية حقوق الانسان وتحديدا حقوق الفلسطينيين داخل الدولة وفي المناطق المحتلة. والان أيضا سنكون حاضرين للدفاع عن حقوق الانسان وصد السياسات العنصريّة. ما يميّز الجمعية انها تعنى في كافّة مجالات الحقوق وتشمل طاقم كبير قرابة الـ40 شخص بتخصصات مختلفة، هذا يمكّننا من التعامل ومواجهة العديد من التهديدات والمخاطر المقبلة بصورة مهنية وسريعة. كذلك ومنذ صدور نتائج الانتخابات نقوم بمراجعات داخلية لتحديد المخاطر المقبلة والاحتياجات والموارد المطلوبة كذلك تطوير أدوات عمل جديدة، حتى نكون حاضرين ومهيئين أكثر في مواجهة وردع السياسات والتشريعات العنصرية التي قد يفرضها الواقع الجديد.

وتحديدا بخصوص المجتمع العربي لقد قمنا بالسنة الأخيرة بإعادة تنظيمنا الداخلي وإقامة قسم المجتمع العربي بهدف تقوية عملنا وتأثيره في هذا المجال والذي يندرج على رأس سلّم أولويّات الجمعية. مسؤولية القسم تحديد الاولويات وصياغة خطة وبرامج عمل الجمعية لحماية حقوق المواطن الفلسطيني في البلاد. يشمل القسم طواقم من كافة مجالات عمل الجمعيّة كالعمل القانوني، الإعلامي والجماهيري والعمل في مجال التربية، وهذا لنضمن تعزيز وتنجيع العمل ليتناسب أكثر مع الاحتياجات وسلّم أولويّات المجتمع.

50 عامًا على تأسيس جمعية حقوق المواطن، كيف ستواجهون المخاطر والتهديدات لحقوق الإنسان في المرحلة المقبلة؟ وما هو برنامجكم لهذه المناسبة؟
التعاون والتنظيم الداخلي للمجتمع المدني هو أمر اساسي للمرحلة المقبلة حتى نتمكّن من مواجهة المخاطر والتهديدات لحقوق الانسان. التعاون بين المؤسسات المختلفة قائم بشكل عام ولكن وبسبب طبيعة المرحلة المقبلة مهم التعاون والتكاتف أكثر بهدف التنسيق وتوزيع المهام.

في الاسبوع القادم وضمن احتفاليات 50 سنة على تأسيس جمعيّة حقوق المواطن، سنقيم أمسية في الناصرة ذات طابع خاص اذ ستتخللّها منصّة حرة ومساحة مفتوحة للحوار مع باقي شركائنا في المجتمع المدني، وستكون فرصة لسماع وجهات النظر المختلفة، تحديد التحديات التي تفرضها نتائج الانتخابات الأخيرة وطرق مواجهتها. وهي ستكون فرصة ايضا للمراجعة النقديّة للعمل في السنوات الأخيرة من حيث الإنجازات والإخفاقات وهذا كلّه أيضا بهدف تحديد وتصويب النضال في المستقبل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com