من العَيب والعار أن يجوع المُناضل بسّام أبو شريف وتُوقف السّلطة جميع مُخصّصاته لمُعارضته اتّفاقات أوسلو وخِلافه مع السّلطة
عبد الباري عطوان
أن يجوع المُناضل بسّام أبو شريف وأسرته وابنته الصّغيرة، وأن يُوقف الرئيس محمود عبّاس جميع مُخصّصاته ودفع إيجار بيته الذي هو مكتبه، ويُحيله إلى التّقاعد من وظيفةٍ غير موجودة أصلًا، وبعد “نحت” أُخرى وتخصيص راتب له أقل من راتب سائقه، فهذا أمرٌ مُؤلم لا يليق بسُلطةٍ، ولا رئيس، ولا مجلس وزراء، ولا محكمة عُليا ادّعت أن بحث شَكواه في هذا الصّدد ليست من اختِصاصها.
لم أعرف بسّام أبو شريف عندما كان في ذروة نُجوميّته ونِضاله في بيروت، ولكنّي عرفته في تونس، شهمًا كريمًا مُتواضعًا، حوّل بيته إلى قبلةٍ لكُلّ الصّحافيين الأجانب والعرب الذين كانوا يتقاطرون إلى العاصمة التونسيّة، سواءً سعيًا للقاء الرئيس الفِلسطيني الراحل ياسر عرفات، أو لكتابة المقالات الدّاعمة للقضيّة الفِلسطينيّة، وكان عددٌ كبير من هؤلاء ينامون في غُرفة الجُلوس المُتواضعة أو الممرّات في بعض الأحيان بمنزله المُكوّن من ثلاثِ غُرف.
***
بسّام أبو شريف الذي تعرّض للعديد من مُحاولات الاغتيال عندما كان نائبًا للشّهيد غسان كنفاني في مجلّة الهدف وفقد أحد عينيه، وحاسّة السّمع في إحدى أُذنيه بطَردٍ إسرائيليٍّ ناسِف، وكان قريبًا جدًّا من أيقونة الثّورة الفِلسطينيّة الشّهيد جورج حبش، ومن صُقور الجبهة مِثل وديع حدّاد، وألّف ستّة كُتب، بسّام أبو شريف يطوف مُنذ أسابيع على مكاتب ومؤسّسات السّلطة واحدة بعد أُخرى بحثًا عن “مُرتّب” واستِحقاقات ماليّة مشروعة كمُستشار للرئيس بمَرتبة وزير، ولكنّه يجد كُل الأبواب مُغلقة في وجهه، ولا يتجاوب معه أحد خوفًا من إغضابِ السيّد الرئيس.
مُشكلة بسّام أبو شريف أنه كان مُقَرَّبًا من الرئيس الرّاحل عرفات، ونصحه بعدم الوقوع في مِصيَدة أوسلو، وبضرورة مُغادرة المُقاطعة في رام الله والعودة إلى المنفى دُون رجعة بعد أن اتّضحت المُؤامرة، وباتت الثورة الفِلسطينيّة سجينة في قفص الاحتِلال وتحوّلت الدّولة الفِلسطينيّة إلى سراب، وباتت حياته في خطَر.
لو كان بسّام أبو شريف الذي لا يجد قُوت أُسرته، مثلما قال في مقاله “عرض حال” الذي نشرته هذه الصّحيفة “رأي اليوم” قبل عدّة أيّام، لو كان يبحث عن المال، لأصبح مِليونيرًا، ولكنّه زاهدٌ فيه، ولم يُعره أيّ اهتمام، وانحصرت علاقته الوحيدة مع المال، في مُساعدة وتسهيل مهام العشَرات من الصّحافيين العرب والأجانب، ولديّ العديد من الأمثلة في هذا الإطار.
بسّام أبو شريف لم يذهب إلى واشنطن للاحتفال بتوقيع أوسلو، بل ذهب إلى الاردن وأقام في منزل والده، فلم يكن له بيت فيها مِثل العشَرات، وربّما المِئات من هُم أقل منه مكانةً ومَنزلةً، وعندما ذهب إلى رام الله مُتَأخِّرًا ومُتلكّئ، فجاء ذلك بإلحاحٍ من الرئيس عرفات الذي كان يحتلّ لديه مكانةً خاصّة، وهُناك عشَرات الآلاف الذين عادوا إلى أرض الوطن ويُدينون اتّفاق أوسلو مِثلما قال لي.
الرئيس عبّاس لا يتّفق مع بسّام أبو شريف لأنّه لم يكن من حملة المباخر لهذا الاتّفاق (أوسلو)، ودفع ثمنًا غاليًا بسبب هذا الموقف وما زال، وجرى عزله كُلِّيًّا من العمل السّياسي، وعُومِل مُعاملةً سيّئةً جدًّا من السّلطة عُنوانها الأبرز نُكران الجميل، وإهانة الرّموز، وقتْل حُريّة التّعبير، واحتِرام فضيلة الاختِلاف، وحالته تنطبق على الكثيرين خاصَّةً داخِل حركة “فتح”، حزب السّلطة.
***
أذكر مَرَّةً أنّ السيّد أبو شريف جاء إلى لندن في حالةٍ مرضيّةٍ سيّئةٍ جدًّا، لمُعاناته من مَرضٍ في الكبد يتطلّب عمليّة جراحيّة عاجلة، ورفضت السّلطة تغطية نفقات المُستشفى والعمليّة، وعندما ذهبت لزِيارته في فندق مُتواضع جدًّا في شارع الفُقراء العرب (كوينز واي) شرح لي حالته، ومرارته من عدم تغطية السّلطة لنفقات عِلاجه، ونشرت خبرًا عن مأساته في الصّفحة الأولى لصحيفة “القدس العربي” التي كُنت أترأس تحريرها، وفي يوم النّشر اتّصل بي الشّيخ عبد الله بن زايد، وزير إعلام دولة الإمارات في حينها عارضًا تغطية جميع نفقات العمليّة والمُستشفى (عام 2006 إذا لم تَخُنِّي الذّاكرة)، فنقلت الرّسالة إلى بسّام، الذي قال إنه لا يستطيع أن يقبل هذا العرض دُونَ أخذ مُوافقة الرئيس عبّاس، وعندما عَلِمَ الأخير بهذا العرض الإماراتي أوعز لوزارة الماليّة بتحويل مبلغ 20 ألف جنيه إسترليني لتغطية نفقات العمليّة والمُستشفى، وشَكَرَ الرئيس وزير الإعلام الإماراتي في حينها على مُبادرته الكريمة.
أتمنّى على الرئيس عبّاس أن “يترفّع” عن خِلافاته مع السيّد أبو شريف، وكُل المُختلفين معه، وأن يتدخّل شخصيًّا كرب أسرة للانتصار لكرامته وتاريخه الوطني العريق الحافِل بالنّضال، والعمل الدّؤوب ليْلًا نهارًا، وسبعة أيّام في الأسبوع ولم يأخُذ إجازة واحدة في حياته، لنُصرة قضيّتنا الفِلسطينيّة في كُلّ المحافل.
بسّام أبو شريف، وكُل المُناضلين الشّرفاء من أمثاله، يجب أن يحظى بالتّقدير والاحتِرام، لا أن يُواجه وأُسرته الصّغيرة (زوجة وابنة) الجُوع والحِرمان، ونكتفي بهذا القدر ففي الفَمِ ماء.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق