اثار الترحيب بما وصف بالسلام البحريني الإسرائيلي استياء الكثيرين من الأوساط المختلفة خصوصا بعد ان استهلت الامارات هذه الخطوة ضاربة بعرض الحائط معايير كثيرة تتعلق بالمعظم بالقضية الفلسطينية.

إسقاط المقترح الفلسطيني من قبل جامعة الدول العربية المأزومة، سرَّع ومنح البحرين إشارة خضراء

المحامي علي حيدر الخبير في القانون والسياسة رأى ان لما يُفاجِئ اتفاق التطبيع البحريني- الإسرائيلي أحدا. فقد كان متوقعا، وسبقته ارهاصات عديدة: فالعلاقة السرية بين البحرين وإسرائيل لها جذور طويلة، وقد تعمقت في السنوات الأخيرة. أضف الى ذلك، فقد وافقت البحرين وقبلت صفقة ترامب-نتنياهو (صفقة القرن) التي تمس بشكل جوهري بحقوق الشعبي الفلسطيني وتُصَّفي قضيته، وتمنح الاحتلال امتيازات غير مسبوقة. كما أنها استضافت المؤتمر الاقتصادي المتعلق بتنفيذ صفقة القرن رغم معارضة الجانب الفلسطيني. ومؤخرا، باركت وساندت ودعمت البحرين اتفاق التطبيع الثلاثي-الإماراتي-الإسرائيلي-الأمريكي بشكل واضح وبحماسة عالية. كما لعبت دورا فعّالا، قبل عدة أيام، في اسقاط المقترح الفلسطيني الذي قُدم لجامعة الدول العربية والقاضي بإدانة اتفاق التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي. 

وتابع ل "بكرا": تجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن إسقاط المقترح الفلسطيني من قبل جامعة الدول العربية المأزومة، سرَّع ومنح البحرين إشارة خضراء وشرعية في اشهار اتفاق التطبيع. ان اتفاق التطبيع البحريني- الاسرائيلي يمنح مكافئة قيمة للاحتلال الذي لا يريد السلام ويعمق الاستيطان. كما تقدم البحرين من خلال هذه الخطوة المرفوضة خدمة ودعم اضافي ومجاني لكل من رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ولرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو المأزومين والذين يعانيان من تحديات وصعوبات داخلية جوهريه. حيث ان الأول، فشل في تمرير صفقة القرن وفشل في معالجة أزمة الكورونا من ناحية اقتصادية وصحية، وشعبيته آخذه بالتردي واحتمالات إعادة انتخابه في الانتخابات القادمة قليلة جدا، وبذلك تساهم كل من البحرين والإمارات في جهود زيادة قوة ترامب الانتخابية وتعزيز حظوظه في الحصول على جائزة نوبل للسلام وذلك من خلال تدفع القضية الفلسطينية الثمن. كما أن الاتفاق دعم لنتنياهو الغارق في قضايا الفساد وفشل أيضا، في معالجة أضرار جائحة الكورونا من الناحيتين الاقتصادية والصحية ويوجد عدم استقرار سياسي في البلاد. نتنياهو الآن محط نقد كبير من قبل قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي الذين يطالبونه بالاستقالة، نتيجة فساده ومحاربته للديموقراطية ويبحث عن انجازات.
وأشار: هذا الاتفاق مسيء للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين وللعرب ولكل أحرار العالم. مما لا شك به، بأن هذه الخطوة سوف يكون لها تبعات وإسقاطات خطيرة على البنية الاجتماعية الداخلية للبحرين والإقليم وعلى القضية الفلسطينية. ونؤكد مرة أخرى أنه ليس للفلسطينيين إلا ذاتهم الجماعية وصمودهم ووحدتهم من أجل تحقيق حقوقهم والفلسطينيون يجدون أنفسهم مرة أخرى محاصرين من أشقائهم العرب. ولكن لن يتغير الواقع إلا إذا تغير الفلسطينيون أنفسهم. آن الأوان لوجود قيادات فلسطينية شابة ووطنية ملتزمة وموحدة ولبناء أو إعادة بناء مؤسسات جماعية وفاعلة ورؤى واضحة.

النظام الرسمي العربي غير بريء من صفقة القرن

الكاتب والخبير السياسي عبد اللطيف حصري قال بدوره: المشهد العربي اكثر تعقيدا من مجرد هرولة وتطبيع، ففي الواقع بات النظام الرسمي العربي اعجز من ان يتخذ موقفا واحدا في مصلحة الشعوب العربية، وستجد أنظمة الخليج نفسها ليس فقط تابعة وخاضعة للقرار الأمريكي مهما كان شكله ومضمونه، وانما ستجد نفسها محل ابتزاز ونهب صهيوني غير مسبوق، وحتى غير قادرة على حماية مصالحها الضيقة كأنظمة، ناهيك عن مصالح شعوبها. فإسرائيل طامحة باستثمارات خليجية تنقذها من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة في ظل جائحة كورونا.
وتابع: الحديث عن حلف معادي لإيران وتأجيج مشاعر الكراهية في بلدان الخليج لجارها الشرقي، سيرتد سلبا على مكونات هذه المجتمعات وتركيبتها السكانية، فإسرائيل لن ترسل جنديا واحدا لمواجهة إيران في الخليج، وستعمل على توريط هذه الأنظمة في نزاعات تريح إسرائيل، لكنها ستكون كارثية على شعوب الخليج.
ونوه: من وراء المحيط ينظر ترامب الى المشهد السياسي الداخلي في أمريكا، ويدرك ان هزيمته بالانتخابات تلوح بالأفق، فلا يجد "نصرا" قد ينقذ حملته الانتخابية اكثر من الهوان العربي، فيستثمر في إذلال انظمة الخليج لتعزيز مكانة إسرائيل، وهي سياسة لم يبدأ ترامب بها، لكنه الأكثر فظاظة في تجيير سياسات الأنظمة العربية، والخليجية بالذات للمشروع الصهيوني.
فلسطينيا بات واضحا ان النظام الرسمي العربي غير بريء من صفقة القرن ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية. لا شك ان اجتماع الفصائل في بيروت خطوة بالاتجاه الصحيح، لكن بامتحان النتيجة ما لم تتم المصالحة وتصفية الانقسام الفلسطيني، واعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ولبرنامج نضالي كفاحي يعتمد على الشعب الفلسطيني وقواه الفاعلة في مواجهة الاحتلال والضم والاستيطان، فان الساحة الفلسطينية ستكون نهبا لقوى الردة المدفوعة والمسنودة من الأنظمة الرجعية، وقد تقود الى انقسامات ونزاعات تحتاجها إسرائيل لتمرير مخططاتها وماربها.

عنصر المفاجأة تقريبا شبه معدوم، لكن التوقيت هو المثير للريبة والشك

الخبير والناشط السياسي إيهاب جبارين قال ل "بكرا" في هذا السياق: قبل العام والربع البحرين استضافت المؤتمر المتعلق بشؤون صفقة القرن، وأمس أعلنت عن نيتها التوقيع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل. كل هذه الأحداث سبقها ما يزيد عن عشرين عام من العلاقات مع إسرائيل، وقفت طبيعتها الاستخباراتية على رأسها.
وتابع مفصلا: لذلك عنصر المفاجأة تقريبا شبه معدوم، لكن التوقيت هو المثير للريبة والشك، وكأنه طوق نجاة لجهات معينة، ترامب من جهة والذي يخوض انتخابات رئاسية، أمام مجتمع وجماهير معلوماتها ضئيلة بكل ما يتعلق بخصوص الشرق الأوسط، ونتنياهو الذي يخوض سنة عصيبة بعد ثلاث دورات انتخابية وعلى أبواب محاكمة بتهم الفساد وما نحو ذلك.
وأكد قائلا: هذه الضغوطات وارد جدا أن تكون لها دوافع بعضها مخفي والأخر علني، في ممالك ينقصها الكثير من الديموقراطية في حكمها، والقمع والعسكر سيد الأحكام أمام المواطنين ففي البحرين على سبيل المثال هنالك رجل أمن واحد لكل خمسة مواطنين، في مثل هذه الحالات طبيعي جدا أن نرى قرارات كهذه تنبع من إرادة شخصية للحاكم، ولا شأن للتوجه العام للشارع.

لم يكن التطبيع مستهجنًا مع بعض دول الخليج أو جميعها

الصحفي الشاعر والمحلل السياسي محمد بكرية قال بدوره: لم يكن التطبيع مستهجنًا مع بعض دول الخليج أو جميعها، لأنه كان معروفًا لم يرقب المشهد الدبلوماسي أن هناك علاقات خفيّة وسريّة بين إسرائيل وتلك الدول، خاصة في المجال الأمني، وكذلك الاقتصادي، فقد كان لإسرائيل مكتب في دولة إماراتية لتسيير تلك العلاقات، وعليه فإن ما حدث هو انتقال تلك العلاقات من السرية إلى العلنية، وليس مستهجنًا لأن من يتحكم بدفة السياسات الخارجية لدول الخليج في مجالات مختلفة عي الإدارة الأمريكية وهي الحارس لعروش أولئك الملوك، لذا فحكومات تلك الدول تنصاع لمطالب الإدارة الأميركية خوفا على مواقعها.
ونوه: سبب اخر يتمثل بمخاوف تلك الدول من إيران، وهذا ما روج له الامريكان كذلك إسرائيل، حينما عرضت عليهم اتفاقية الدفاع، فقد هرولت تلك الدول لتوقيع اتفاقيات تطبيع ظنًا منها أن الفرج من الكابوس الإيراني سيأتي من الولايات المتحدة وإسرائيل، ضاربين بعرض الحائط القضية الرئيسية في الصراع العربي الإسرائيلي وهي القضية الفلسطينية.
وأشار قائلا: كما مزقوا أوراق الرواية التاريخية العربية التي طالما أشهروها وهي الأرض مقابل السلام. فالسلام الان بات مقابل السلام ومصالح دفاعية خليجية، أما القضية الفلسطينية وقدسية القدس والأقصى فقد أصبحت من الماضي، هامشية لا تهم العرب، نقطة أخرى وهي التأييد العربي المتمثل بقرار الجامعة العربية لهذه الاتفاقيات.
واكد: الملاحظ أن الظروف السياسية قد تغيرت وأصبحت الدول القوية اقتصاديا هي من تتحكم بالقرار العربي، لهذا فقد وضعوا مبادرة السلام العربية في سلة المهملات كون الدول الخليجية المطبّعة هي من تملك قوة بلورة القرار وليس أي دولة أخرى، أما أمين عام الجامعة وهو أحمد أبو الغيط فلا حول له ولا قوة ولا يسعه سوى الموافقة لأن غالبية الدعم المالي للجامعة يأتي من الدول القوية وهي الدول الخليجية. أشير أيضا أن التوقيع على اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين هو مقدمة لعلاقات أخرى سنشهدها قريبا مع دول خليجية كبيرة حتى السعودية. كل هذه الاتفاقيات ستخدم بالضرورة الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم كذلك ستخدم نتنياهو في حال جرت انتخابات رابعة في البلاد.
ونوه: هناك نقطة مهمة أود الإشارة إليها وهي أن القيادات لم تشرك الشعوب في صنع هذه الاتفاقات وعليه ستبقى علاقات باردة وليست حارة وستبقى اتفاقيات بين القيادات وليس بين الشعوب كما حدث بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، فمنذ أكثر من أربعين عاما انحصرت العلاقات الاسرائيلية المصرية على مجالات معينة رسمية مثل الأمن، ولم تتغلغل في وجدان الشعوب.

اسرائيل دولة صديقة وجارة وليست جسماً غريباً في الشرق الأوسط

الإعلامي والكاتب محمد السيد بدوره أشار قائلا في بداية تعقيبه ل "بكرا": لا أرى أن هناك أي جديد في الهرولة العربية، إن لم يكن السباق العربي والتزاحم نحو اسرائيل، ليس للتوقيع على معاهدات سلام كما حصل مع مصر والأردن وإعلان المبادئ مع منظمة التحرير، بل التطبيع الكامل، بمعنى أدق أن تصبح اسرائيل دولة صديقة وجارة وليست جسماً غريباً في الشرق الأوسط. ترامب اقنع العرب ان اسرائيل هي ذراعها في الشرق الأوسط وأن لا استقرار ولا هدوء للأنظمة العربية إلا بالتعاون مباشرة مع اسرائيل التي يجب ان تكون الدولة الأقوى في المنطقة، وقد نجح ترامب في ذلك ليس بالحوار إنما بالوضوح في المواقف العلنية، وهذا ما اقتنع به حكام الدول العربية خاصة دول الخليج التي لن تستطيع كبح جماح المد الشيعي في المنطقة وتحجيم التهديد الإيراني وتوغله في اليمن بعد حضوره القوي في لبنان سوريا والعراق.
اعتقد ان التطبيع العربي مع اسرائيل كان مطلباً اسرائيلياً منذ مؤتمر مدريد بعد حرب الخليج عندما قالها رئيس وزراء اسرائيل آنذاك اسحق شامير، نحن لا نريد سلاماً بارداً مع العرب يستردون خلاله الأراضي وتبقى العلاقات مجمدة، المطلوب هو التطبيع الكامل. بعدها جرى تطوير للإعلام العربي الذي فتح المجال للإسرائيليين الظهور على وسائل الإعلام العربية تحت شعار "الرأي والرأي الآخر"، وبعد توقيع اتفاق اوسلو مباشرة كانت قطر أول دولة خليجية تستقبل على أراضيها علناً الإسرائيليين وافتتحت مكتب تمثيل لدولة اسرائيل في الدوحة، وكثفت اللقاءات الإعلامية مع المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين في إعلامها.

وتطرق قائلا: ما يجري اليوم هو من الأمور المسلم بها والتي ستنهي عصر ما يسمى المقاطعة، فالسودان الدولة التي خرجت منها اللقاءات الثلاثة ضد الاحتلال باتت اليوم تستجدي للتطبيع مع المحتل لقاء شطبها من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، ما يؤكد ان اسرائيل هي صاحبة القرار في تصنيف دول المنطقة. انا لست ضد السلام بالعكس أرى ان السلام العادل والشامل ضروري لازدهار ونمو المنطقة وتجنيبها ويلات الحروب، لكن يجب على العرب ان يقفوا بحزم الى جانب شعبنا الفلسطيني لتحقيق مصيره في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام سبعة وستين وعاصمتها القدس الشرقية، وإنني على ثقة ان هذه الدول التي تطبع تباعاً مع اسرائيل سيكون لها موقف في هذا الاتجاه ولن تخذل شعبنا الفلسطيني الذي ناضل وما يزال للعيش بكرامة.

وأضاف: بالنسبة للمستقبل اعتقد ان التطبيع الكامل مع الدول الغنية والقوية في المنطقة سيكون كفيلاً باستدراج باقي الدول في الشرق الأوسط وافريقيا، لتبقى دول المحور الإيراني ان صح التعبير وهذا هدف معظم الدول لتحييدها وجعلها ضعيفة وتجويع شعوبها ليتمردوا على قادتهم.
ونوه: الذي أود الإشارة اليه هو كذبة قادة العرب في اسرائيل حول المركز واليسار في اسرائيل حيث هرولوا للمثول بين يدي الجنرال غانتس لتشكيل حكومة وكان شعارهم الإطاحة بنتنياهو ، هنا أود التوضيح الى ان اليسار هو الذي استولى على معظم الأراضي العربية وأقام عليها الكيبوتسات تماماً مما يجري اليوم في الضفة المحتلة ، وان المركز واليسار هما الأكثر ضراوة في حروبهم ضد العرب ، من هنا نؤكد ان لا فرق بين كل الأحزاب في اسرائيل ، ونؤكد ان القافلة تسير بسرعة نحو ولوج اسرائيل بالكامل في العالم العربي والاستفادة من ثرواته.
وتابع يقول: ثم أن على العرب في اسرائيل مراجعة الذات والتحقق من الأدوار التي يلعبها بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب في دول خليجية منذ سنوات طويلة وكلها صبت في صالح اسرائيل ان لم تكن مخططة بدراية خطيرة ، واليوم نشهد الثمار التي عادت بالنفع المالي الكبير عليهم ، وعلينا ان لا ننسى أيضاً ما جاء في صحيفة الراية القطرية حول ما يشبه السباق نحو "عرب اسرائيل" فوجود عزمي بشارة في قطر يوازيه احمد طيبي في الإمارات ، لكن يبدو أن الإماراتيين أدركوا أن حضور بشارة بحاجة الى شخصية موازية فكان اللقاء الذي جمع محمد بركة رئيس لجنة المتابعة مع الشيخ عبد الله بن زايد في ابو ظبي ، في هذا اللقاء كان هناك حديث عن ما نشهده اليوم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com