عبارة "السلام" ، كما عبارتي "سليم " و "سالم " انما هي صيغ متنوعة للجذر " س.ل.م" ، وهذا ليس عبثاً ، لان هنالك رباطاً لغوياً بين العبارات المشتقة من هذا الجذر . السلام بمفهومه السياسي ، حسبما أعلن عنه مؤخراُ في صفقة القرن انما هو مسالمة (وهذه العبارة أيضاَ من نفس الجذر ) بين طرفين – دولتين كانتا على علاقة ليست بالمثلى حتى عقد السلام . 

ولكي تتحقق المسالمة بين الطرفين ليتصلا بالسليم الحيً- يجب ان يتوصلا الى الانسجام بأن يتنازل الطرف الكبير ، القوي ، ويخفف حدة مطالبه كي تنسجم مع مطالب الطرف الضعيف ، الأصغر . هكذا فقط يمكن بلوغ المسالمة المفضية الى السلام . والسبيل الآخر لاظهار نفس المبدأ هو ادراك الحقيقة القائلة بأنه من أجل انهاء النزاع يجب ويمكن ان يكون الطرف المنتصر نبيلاً لكي يتيح اجراء مفاوضات جامعة للشمل.

العرض الذي شاهدناه في واشنطن كان بمثابة النقيض التام لهذه المدارك ، حيث حاول الطرف القوي والمنتصر- اسرائيل – تجنيد قوة أخرى – الولايات المتحدة – لكي يملي ، دون حاجة ، على الطرف الضعيف والغائب الموافقة على التسوية السياسية . آمل ، من أجلنا جمعياً ، ان يكون هذا المشروع نابعاً من برود ، وليس من غباء وانعدام للفهم . ان طرح مشروع في محوره دولة فلسطينية مستقلة بحجم وشروط من الواضح انها لا تشكل حتى نقطة بداية مقبولة للمفاوضات – (هذا الطرح) يمكن ان يُفسر فقط على انه مؤامرة لاجتذاب رفض فلسطيني يُستخدم كذريعة لتحقيق التسوية بشكل أحادي الجانب.

ومن جهة أخرى ، هنالك وسيلة لاستخدام خارطة شبيهة بتلك التي عُرضت ، اذا ما توفرت الارادة للخوض في مفاوضات جدية مع "أبو مازن" وليس مع "ترامب" . الخارطة المقترحة للدولة الفلسطينية العتيدة ليست عملية بالمعنى الحقيقي ، لكن يمكن استخدامها كخطوة لبناء الثقة بموازاة المفاوضات . لو تصورنا ان تقترح اسرائيل ، بالتوازي مع المفاوضات ، عدة تسهيلات على معيشة الفلسطينيين ، لتحسين جودتها ولإظهار فهم لاتجاهات الحل النهائي – يمكن عرض خارطة مشابهة كتعريف جديد للمنطقة "أ" ، وهي المنطقة الخاضعة للسلطة الفلسطينية الى حين التوصل للتسوية الأفضلية الكبرى هي أن خارطة كهذه تفرز تتابعاً جغرافيا للمنطقة "أ" ، بدلاً من ال (169) منطقة المنفصلة حالياً . ان تغييراً كهذا يتيح ازالة حواجز المرور أمام الفلسطينيين ، التي تشكل موضع احتكاك دائم . ربما يصبح من الضروري نصب حواجز للمستوطنات الواقعة خارج السيطرة الجغرافية الإسرائيلية ، لكن ما سيحدث هنا هو مجابهة بين الجنود والمستوطنين .
وهنالك تسهيلات أخرى تتيح الوقت الكافي للمفاوضات حول الحل النهائي ، وتنطوي على نوايا طيبة تجاه المدة الزمنية اللازمة لاجراء المفاوضات – مثل الزيادة الكبيرة لعدد تصاريح العمل في اسرائيل ، واقامة مشاريع بنيوية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي ، وكذلك الطاقة البديلة (الخضراء) التي ستستسيغ دول اوروبا والولايات المتحدة المشاركة بتمويلها ،والتي ستجلب للفلسطينيين اماكن عمل اضافية حتى قبل استكمالها .
انني مدرك ، مثل الكثيرين ، ان " صفقة القرن" لم تهدف الى أن تكون اكثر من خدعة انتخابية ، لكن يجب العمل بقوة ضد محاولات جهات قوية مثل " مجلس المستوطنات" لاستغلال هذه الخدعة لصالح أغراضها كرشوة انتخابية ، والعمل كذلك للتصدي لمحاولة الحماية من "اقتلاع المستوطنين" من منزلهم في شارع بلفور بالقدس ، الذي هو (" الاقتلاع") ربما يكون الهدف الحقيقي لهذا المشروع الهدّام.
يعقوب (كوبي) ريختر هو مبادر وصناعي في مجال التكنولوجيا المحوسبة والتكنولوجيا الطبية ، وهو طيار (متقاعد) في سلاح الجو الإسرائيلي برتبة عقيد ، وهو أيضا رئيس حركة " دركينو- طريقنا" .
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com