عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإسرائيلي جلستها الدورية يوم السبت 23.11.2019 في مدينة حيفا، قدّم في مستهلّها السكرتير العام للحزب الرفيق عادل عامر بيانًا شاملاً عرّج فيه على التطوّرات والمستجدّات السياسية. وقد ترأس الجلسة عضو المكتب السياسي الرفيق عبد الله أبو معروف، واتخذت اللجنة المركزية القرارات التالية:

1. تقدّر اللجنة المركزية عاليًا الإنجاز الملموس الذي حققته القائمة المشتركة في انتخابات الكنيست الـ 22. وتثمّن اللجنة المركزية الدور الطلائعي الذي قام بها رفاق الحزب والجبهة في ثلاث معارك انتخابية متوالية خلال أقل من سنة واحدة، أفضت إلى زيادة قوة الجبهة على الساحتين المحلية والبرلمانية. إنّ كوادر الحزب وأصدقاءه وشركاءه قادرون على إحراز إنجاز انتخابي جديد في حال إجراء انتخابات برلمانية جديدة في الشهور القريبة.

2. لقد شكّلت زيادة قوة وتمثيل الجماهير العربية والقوى الديمقراطية اليهودية في انتخابات أيلول 2019 عاملاً حاسمًا في منع نتنياهو واليمين الفاشي والاستيطاني من تشكيل حكومة تنفّذ مشروعه الفاشي الخطير. إنّ ارتفاع نسبة التصويت بين الجماهير العربية وزيادة دعم القائمة المشتركة يؤشر بالأساس على وعي الجماهير وإصرارها على التصدّي لسياسة تحييد صوت الجماهير العربية التي عبّر عنها تحريض نتنياهو الأهوج على المواطنين العرب وعلى شرعية وزنهم وتأثيرهم السياسي. وهو أيضًا مؤشر على انكفاء أصوات الانكفاء والتثبيط وأدلجة الكسل السياسي، وعلى إفلاس الدعايات السلطوية الرامية لـتأليب الجماهير على قيادتها بدلاً من تثويرها على سياسة التمييز القومي.

3. لقد جاءت توصية القائمة المشتركة على تفويض النائب غانتس بتشكيل الحكومة بهدف قطع الطريق على تشكيل حكومة يمين متطرّف بزعامة نتنياهو، وليس لأنّ حزب "كحول لفان" يطرح بديلاً جوهريًا شاملاً لحزب "الليكود" ولنتنياهو. وظهرت في هذا السياق تباينات في مواقف مركّبات القائمة المشتركة وتقييمها للدور السياسي المنوط بها. إننا نؤكد ضرورة الحفاظ على القائمة المشتركة مع الحرص على اصطفافها السياسي في مصلحة قضايا السلام والمساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بعيدًا عن مظاهر الهرولة وثقافة الزبائنية السياسية من ناحية، وعن نزعات الطهرانية والإقصاء الذاتي من ناحية ثانية.

4. في حالة الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل، لا يمكن فصل القضايا اليومية والحقوق المدنية عن تلك القومية والسياسية. إنّ هذه الجدلية - التي اجترحها الحزب الشيوعي وصاغها في مؤتمره الـ 18 بعد يوم الأرض عام 1976 والتي طوّرتها التجربة الكفاحية للجماهير العربية وتطوّرت على ضوئها على مرّ العقود - تقف في صلب المواجهة مع "قانون القومية" الذي يتنكّر للحقوق القومية الجماعية للجماهير العربية، وفي تحدٍ فكري وسياسي وعملاني لسياسة المؤسسة الحاكمة القائمة على التعاطي مع الجماهير العربية وفق متطلبات السوق الرأسمالي وتحت سقف الإجماع الصهيوني وجوهره الشوفيني العنصري. إنّ القيمة السياسية المضافة لمكانة الحزب والجبهة في قيادة نضال الجماهير العربية تستند إلى هذه المعادلة الجدلية التي تُزاوِج بين القومي واليومي، وتُراكِم النضالات والمكتسبات الكفاحية لإحقاق المساواة القومية والمدنية للجماهير العربية كأقلية قومية أصلية، كجزء من الشعب العربي الفلسطيني وكجزء من المواطنين في دولة إسرائيل في آنٍ معًا.

5. إنّ قرار المستشار القضائي تقديم رئيس الحكومة نتنياهو للمحاكمة بتهم الرشى والخداع وخيانة الأمانة لهو دليل حيّ على الفساد البنيوي الناجم عن تساكُن السلطة والرأسمال، والذي اشتدّت وطأته في حقبة نتنياهو بفعل السياسات النيولبرالية الوحشية التي انتهجتها حكوماته. ولكنّ ما ينقص لائحة الاتهام هو محاكمة نتنياهو بسبب التحريض العنصري على المواطنين العرب، وبسبب تعميق الاستيطان وجرائم الحرب في الأراضي المحتلة والعدوانات المتكررة على دول وشعوب المنطقة. وفي ظل أزمة نتنياهو السياسية وملفاته القضائية، تتفاقم خطورة جرّ البلاد والمنطقة إلى مغامرات حربية دموية جديدة ستدفع ثمنها الشعوب، بما فيها الشعب في إسرائيل. كما نحذّر من مغبّة تحريض اليمين الفاشي منفلت العقال على المواطنين العرب وقيادتهم السياسية وتقويض الهامش الديمقراطي. لقد حذّرنا دومًا من إنّ التساهل التحريض ضد الأقلية القومية سيؤدي حتمًا إلى فتح شهية الفاشيين لتطال أجهزة القضاء والصحافة والأكاديميا والثقافة وكل رقعة في الحيّز العامّ لا تخضع لأجندة اليمين الحاكم، حتى باتت ألسنة اللهيب الفاشي تتهدّد الأخضر واليابس.

6. لقد شهدت الشهور الأخيرة تصاعدًا ملموسًا وهامًا في النضال ضد العنف والجريمة في المجتمع العربي، وشاركت جماهير غفيرة في النشاطات التي دعت إليها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في مختلف أنحاء البلاد. إنّ سقوط أكثر من 85 ضحية منذ بداية العام الجاري وأكثر من 1300 ضحية منذ عام 2000 ليس قضاءً وقدرًا؛ بل نتاج إهمال حكوميّ متعمّد لتغييب سلطة القانون في القرى والمدن العربية، ونتاج سياسة الشرطة العنصرية وتواطؤها مع عصابات الإجرام المنظّم التي تعيث فسادًا في المجتمع العربي وتقوّض مناعته الاجتماعية بغية تمرير المخططات السلطوية. إنّ مطلب الساعة هو تكثيف هذا النضال حتى فرض تغيير جذري في تعاطي المؤسسة الحاكمة مع هذا الواقع، والتجاوب مع المطالب والبرامج التي وضعتها الهيئات التمثيلية للجماهير العربية.

7. تحذّر اللجنة المركزية ممّا يُعرف بـ "مخطط الكرفانات" في النقب، والذي يهدف إلى مصادرة مئات آلاف الدونمات وتهجير عشرات ألوف المواطنين العرب في القرى غير المعترف بها في النقب، على نحو نطاق غير مسبوقين. إنّ هذا المخطط الترانسفيري بالغ الخطورة يتزامن مع تصعيد جرائم هدم البيوت العربية في الجليل والمثلث بموجب "قانون كمنيتس" سيّء الصّيت، ويتطلب تعزيز وحدة نضال الجماهير العربية في مواجهة هذه التحديات الجسيمة. وفي هذا السياق تحيّي اللجنة خيم الاعتصام في قلنسوة والطيرة وجميع المبادرات الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن.

8. تعبّر التطوّرات الإقليمية الأخيرة عن سمتيْن بارزتيْن: الأولى هي الانسحاب الاستراتيجي الأمريكي من المنطقة، في ظل فشل وتعثّر المشاريع الإمبريالية، وخصوصًا في سوريا واليمن. أما الثانية فهي تفعيل ضغوط اقتصادية ومالية وتوظيفها في مصلحة حلفاء الولايات المتحدة في إسرائيل وأنظمة الخليج، ولزعزعة القوى المقاوِمة للهيمنة الأمريكية. إنّ الانتفاضات الشعبية التي تشهدها عدد من دول المنطقة تعبّر عن طموح الجماهير الشعبية والأجيال الشابّة في القضاء على الفساد والطائفية وفي إحقاق العدالة الاجتماعية والتوزيعية، وتشارك في قيادتها أحزاب شيوعية وقوى يسارية وتقدّمية. ولكنّ القوى الحليفة للإمبريالية تسعى لامتطاء هذه الحراكات لمآرب بعيدة كل البعد عن طموح الجماهير المشروعة، لتعيد ترتيب أوراق المنطقة بما يخفّف من وطأة الهزائم السياسية التي مُنيت بها الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها.

9. لقد جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بأنّ الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967 لا يتعارض مع القانون الدولي، ليعبّر مجددًا عن دعم الإدارة الأمريكية المطلق لسياسة حكومة نتنياهو واليمين الاستيطاني لوأد حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني. كما جاء بعد الاعتراف بـ "القدس الموحّدة" ومحاولات شطب قضية اللاجئين ومحو الخط الأخضر، هذه كلّه في إطار "صفقة القرن" التي تُحاك بتواطؤ أنظمة عربية. إنّ الإدارة الأمريكية تريد التعويض عن انسحابها الاستراتيجي من المنطقة بتصريحات وقرارات خاوية لدعم سياسة الضمّ والاستيطان والتنكّر لحقوق الشعب الفلسطيني.

10.إنّ مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة هو احترام حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني. إنّنا نؤكد على برنامج الحزب الشيوعي والجبهة للسلام العادل وفي صلبه تفكيك الاستيطان وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل والحل العادل لقضية اللاجئين حسب قرارات الأمم المتحدة. تحذّر اللجنة المركزية من مخططات الضمّ والاستيطان في غور الأردن ومناطق "ج"، والتي تلقى دعمًا من حزب "أزرق أبيض" وفي بعض أوساط اليسار الصهيوني. وتحذّر اللجنة المركزية من تكريس الانقسام الفلسطيني ومن استدراج فصائل فلسطينية إلى أفخاخ "صفقة القرن" التصفوية، كما رشح مؤخرًا في ختام المواجهة التي أعقبت اغتيال أحد قادة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة.

11.سيُعقد الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي البلاد في آذار 2020، وسيشكّل الحفل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الـ 28 للحزب. وسينظّم الحزب على شرف هذه الذكرى سلسلة من الندوات الاستقرائية والاستشرافية، يعلَن عنها لاحقًا.

12.تحيّي اللجنة المركزية نشاطات اتحاد الشبيبة الشيوعية والتحضيرات لمؤتمره الـ 21 العام القادم. وتثمّن اللجنة المركزية إحياء ذكرى 25 عامًا على رحيل الشاعر والقائد توفيق زيّاد وإحياء مئوية المفكر والمؤرّخ إميل توما.


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com