في مشهد متناقض لا يكاد أن يصدّقه أحد ووسط الإحتفالات في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ النساء، قُتلت شابّة بعمر الورد في قرية الجشّ بالجليل الأعلى في الداخل الفلسطيني.

قُتلت يارا بكلّ دم بارد في ظلّ إحتفاء الجميع باليوم العالمي لمناهضة تعنيف النساء.

وأعرب الكثيرون عن إستنكارهم لهذا المشهد ... كيف تُقتَل فتاة من جهة ويحتفون في مناهضة العنف ضدّ النساء من جهة أخرى. 

نضال صعب 

سماح سلايمة من جمعيّة نعم قالت لـبكرا:" سنواصل النضال وسنلاحق كل مجرم اليم وسنحاسب كل مسؤول وكل متقاعس ونحن في جمعية نعم نعمل ليل نهار من اجل توعية النساء والفتيات خاصة ، ولكن مع كل التطور الذي أحرزته المرأة العربيّة ما دام الرجال العرب يتغنون بالعنف كجزء من الرجولة ويتصرفون بذكورية فارغة من كل معنى إيجابي، وما دامت السلطات تشاهد ولا تفعل، والرفاه الإجتماعي يصرخ ولا يحمي ولا يبني اطر ملائمة والأسلحة بمتناول كل يد... النضال ضد مسلسل القتل سيكون صعبا جدا. المطلوب التعاون من كل الجهات".

متمسّكون بزمام الجهل

الشيخ كامل ريّان من مركز "أمان" لمجتمع أمن قال لـبكرا:" أسف جدّاً جدّاً .. أسف يا يارا لأننا عجزنا وفشلنا فشلاً ذريعا في حمايتك رب وألتمس منك ومن إحدى عشرة فتاة وامرأة عربيّة فلسطينيّة العذر لأننا أيضاً فشلنا في حمايتهن من الغول الدفين في داخلنا... عذراً يا يارا اعترف اننا عجزنا أيضاً في حماية خمسة واربعين اخرين من ابنائنا واخواننا واهلينا الذين قتلناهم ايضا بجهلنا وضياعنا".

وأضاف:" في مثل هذا اليوم الأسود والذي تجتهد من خلاله جميع شعوب الارض كيف يحمون نسائهم وبناتهم وزوجاتهم من العنف بشتى ألوانه وأنواعه نحن هنا وفِي وطننا الجريح والذي ينزف دما نقدم قربانا من بناتنا الوادعات البريئات اللواتي تبلغ الحلم بعد لنقول للعالم اننا ما زلنا متمسكين بزمام الجهل والغباء والقبح بل نمارسه بحق انفسنا زيادة واضافة لأدوات الجهل والغباء والقبح التي يمارسها اعداؤنا بحقنا".

وختم ريّان كلامه قائلا:" قتل اليوم للاسف هو قتل مضاعف لانه قتل لبنت قاصر تقطر براءة وقتل للمرؤه التي لطالما تغنينا بها فتره طويلة من الزمن.. أقترح بعد هذا القتل المقيت الأعمى القاهر أن نرفع الرايات السوداء على بيوتنا ليس حدادا على يارا الضحيّة بل حدادا على كرامة مجتمع بأكمله قد اغتيلت في وضح النهار من قبل ابنائها المكلفون برفادتها وحمايتها".

سرطان دون قاتل 

طالبة الحقوق في جامعة النجاح - سلام هيبي قالت لـبكرا:" العنف يعتبر سرطان خبيث في مجتمعنا الفلسطيني داخل 48 ،ومسؤولية إجتثاثه تقع علينا جميعًا دون إستثناء . بإعتبار أن الوضع الراهن هو مرآة تعكس أسس تنشئة وتربية غير سوية المفاهيم والقيم الإنسانيّة والاجتماعية .
كما أنه يجب إعادة النظر بتوجيه أصابع الإتهام ، وتوقف عن جلد الضحية . وعلينا أن ننبذ العنف بكافة أشكاله والترفع عن تصفيتنا لبعضنا البعض كوننا بأمسّ الحاجة للوقوف كسد منيع مقابل كل الآفات التي تمزق لحمتنا الإجتماعية".

وقالت لبنى زعبي لـبكرا:"حين نستفيق في يوم مناهضة العنف ضد النساء على جريمة قتل فتاة أخرى فهي الطامة بذاتها...غرّدوا كثيرا ومرارا ضد العنف ويغردون ...امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بجمل الإستنكار ...اذا من هو القاتل؟ أليس واحدا منا!أعتقد أننا مجتمع يعيش انفصام حاد وجب عليه المباشره في علاجه حالا".

أردفت:" أحياناً حين افكر جاهدة في الموضوع وحيثياته اقول لربما اصبحنا نحن "المُغْتَصَب الضعيف" المجرم الذي يَغتَصب بدوره الضحية الاضعف، وهي حالة معروفة في التاريخ وفي علم النفس...اسأل نفسي اهي حالة عابرة ام ثابتة لكني لا اعلم الاجابة...والأن من على أعلى المنصات وادناها وجميعها اناشدنا جميعا بلجم آفة العنف والعنجهية والرجوع الى قواعد المنطق والحق القاطنة في عادتنا العربية الصحيحة منها وفي الاديان السماوية جميعها وفي الحس الانساني الذي تضرر بفعل فاعل وبفعل جاهل وبفعل ثقافة مستهلكة اتتنا عبر شاشات الكترونية يكون فيها البطل الهوليوودي هو الذي يقتل ويقفز وينجو ويتمثل به العالم أجمع.. لكن اقول لكم ان البطل الحقيقي هو ليس اكثر من انسان يشعر بالغير، يسامح، يحتوي، يعمل الخير ، يحب ولا يؤذي اختتم كلامي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال- إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي على الرّفق، مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وما لا يعطي على غيره» رواه مسلم".

وأنهت كلامها قائلا:" فالإنسان في الدعوة إلى الله، وحتى في الأمر بالمعروف، وفي النَّهي عن المنكر، وفي ملاحظة أحوال أهل بيته، ومع جيرانه؛ كل ذلك بالرفق، في دعوته، وأمره، ونهيه، ونصيحته، وغير ذلك، عليه أن يتحرَّى الرفق في الأمر كله؛ لأنَّ هذا أجدى وأنفع من الشدة والغلظة".

بعيدًا عن الواقع

بدوره، قال مؤسس منتدى "قيادة" والناشط الإجتماعي علاء اغباريّة معقّباً على الموضوع:" العالم لا زال بعيدا عن الواقع، لا زال العالم العربي يناهض على الفيسبوك وشبكات التواصل الإجتماعي ، لست متشائما لكن الوضع للسنوات الـ 10 القادمة لا يطمئن ، فالبارحة كان اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ، ويارا قدّمت قربانا..المجتمع العربي بحاجة ماسة لبرامج توعويّة ولا منهجيّة كي يناهض العنف المستشري به ، ليس الحل ستاتوس بوسائل التواصل الإجتماعي ، انما نضال دائم ، يجب تمكين النساء اللواتي يعانين من ظلم، وقمع، وعنف من الوصول إلى آليات وأماكن الحصول على العدالة، كما يُمكن تخصيص مؤسّسات لتسهيل وتشجيع النساء على تقديم الشكاوي بسبب ما يتعرضنَّ له من عنف ولا أتكلّم عن الجمعيات النسويّة".

أورد اغباريّة:" كما ويجب ادانة كلّ أساليب العنف المتبعة في المجتمعات، كما يجب التخلّص من جميع المعتقدات والعادات والتقاليد التي تعطي الرجل أحقية ممارسة سطوته، وقوّته، وعنفه على المرأة باسم الدين، أو الشرف، أو غير ذلك".

خلُص كلامه بالقول الى انّ:" ومن هنا ادعو الجهات المختصة لتنظيم وتمويل حملات إعلانية وإعلامية؛ لتوعية البنات والنساء والرجال والشبيبة بأهمية وضرورة تواصل كل من الجنسين دون ممارسة العنف على الطرف الآخر".

تجليات القمع

من ناحيتها، عقّبت رئيسة اللجنة البرلمانيّة لمكانة المرأة والمساواة الجندريّة النائبة عايدة توما- سليمان (الجبهة- القائمة المشتركة) على الموضوع قائلة لـبكرا:" قلت في الأسبوع الماضي انه في عالم مثالي بعد سنوات من النضال كنا سنحتفل بالثورة وبانجازات النساء، ولكن في عالمنا البعيد عن المثالية نحيي سنويًا اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء بينما تستمر جرائم القتل. وهذا يؤكد أن نضالنا يجب أن يستمر على جميع المستويات، وأوّلًا على المستوى التوعوي المجتمعي، لأننا كمجتمع وأفراد نتحمّل أيضًا مسؤولية جرائم قتل النساء، ففي كل مرّة نصمت على إهانة وتعنيف امرأة، وفي كل مرّة لا نواجه مرتكبي العنف ولا ننبذهم من بيننا نكون مسؤولين عن الجرائم.والمستوى الآخر الذي لا يقل أهمية، وهو المستوى السياسي، لأن للحكومة والشرطة دور في ذلك وهم لا يقومون به كما يجب، وعلينا العمل على تغيير السياسات وتغيير هذا الواقع".

واختتمت:" العنف هو أحد تجليّات القمع وعدم المساواة للنساء وبدون العمل الجاد على تغيير المفاهيم هذه لن ننجح في هذه المعركة من اجل الحياه اولًا والكريمة ثانيًا. وحتى الأن اقتصر النضال على المنظمات النسويّة وجمهور من النساء وطالما لا يتجند المجتمع كله على جميع مركباته لن يحدث التغيير الحقيقي".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com