حينما يطرح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موقفه في السياسة الخارجية وتصوراته إزاء إدارة ملفات حساسة في عدد من دول العالم، فإنه يفعل ذلك انطلاقاً من المصلحة القومية الأميركية العليا التي تضع التفوق العسكري وقيادة العالم فوق كل اعتبار.

ترامب تحدث كثيراً عن ضرورة محاربة الإرهاب، وإعطائه الأولوية القصوى خلال ممارسة مهامه الرئاسية في الشهر الأول من العام المقبل، وتحدث عن إمكانية التعاون بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين، من أجل القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي.

في الملف السوري، لم يتطرق الرئيس الجمهوري المنتخب إلى مستقبل نظيره السوري بشار الأسد، فقد اكتفى الإشادة بالدور الذي يقوم به النظام السوري في محاربة الإرهاب، غير أن ترامب قال إنه يفكر في وقف دعم المعارضة المعتدلة.

بالتأكيد فان قلب ترامب ليس مع سورية ولا مع وحدتها وسلامة أراضيها، لأنه هنا يبحث عن عوامل تمكين الولايات المتحدة في العديد من المحافل، وفي العرف السياسي لا مكان للأخلاق، وبالتالي فإن الرئيس الأميركي الجديد ينفذ أجندة تؤكد على أهمية تفوق الولايات المتحدة وضمان سيطرتها على العالم.

قد يوافق السيد الأميركي على وضع يده في يد بوتين، وتبادل الصور في مناسبات عدة، لكن لا يعني ذلك إن حصل، أن البلدين سيقيمان علاقة ثنائية قوامها الحب والتسامح، خاصةً وأن ترامب يمثل بلاده انطلاقاً من الموقع الوظيفي في هرم السلطة، وبالتالي يمكن القول إن ما يؤمن به ويسعى إليه قد لا ينفذ بحذافيره.

الاستدلال على ذلك وفي الملف السوري تحديداً يتعلق بالخلاف الذي ظهر إلى السطح قبل عدة أشهر بين إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما، وبعض السياسيين والعسكريين حول تسوية النزاع السوري، حيث كان يطمح أوباما ووزير خارجيته جون كيري إلى التعاون مع موسكو لضرب تنظيم "داعش" وإيجاد مسار سياسي يُعجّل بتحقيق تسوية ممكنة في سورية.

هذا الموقف لم يعجب أشخاصاً كثراً في مستوى صناعة القرار الأميركي، من بين هؤلاء وزير الدفاع أشتون كارتر الذي سعى إلى تعطيل الاتفاق الأميركي- الروسي الأخير حول تجميد النزاع في حلب تحديداً، وتبادل المعلومات الاستخباراتية عن مواقع التنظيمات المتطرفة.

حتى أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة شنّ في السابع عشر من أيلول الماضي ضربةً عسكريةً جويةً على أفراد عسكريين وعتاد تابعين للقوات الحكومية السورية بالقرب من منطقة دير الزور، وأدى ذلك إلى إفشال هدنة حلب، وفض التعاون الأميركي- الروسي.

وقيل بعدها إن الإدارة الأميركية لم يكن لديها علم بشأن هذه الضربة التي نفذها البنتاغون، وهذا مثال على أن الرئيس أي نعم يحكم، لكنه محكوم لمؤسسات صنع القرار في نهاية المطاف ولا يمكنه تجاوزها وإعطاءها ظهره كل الوقت.

هذا يعني أنه ليس علينا تصديق كل الكلام الذي قاله ترامب سواء في الوضع الداخلي الأميركي، أو بخصوص الوضع الخارجي، إنما من المرجح أنه عاقد العزم على استهداف التنظيمات الإرهابية في سورية، إنما لم يقل كيف ومتى، وليس معلوما ذلك إن كان برفقة ومساعدة الروس أم السوريين.

ثم إن العملية العسكرية الأخيرة التي وجهتها روسيا إلى التنظيمات الإرهابية في كل من إدلب وحماة، قيل إنها جاءت بعد اتصال جرى بين فلاديمير بوتين ودونالد تراب، وهذا يفسر احتمال أن الأخير وافق على ما تقوم به موسكو في حربها ضد تلك التنظيمات.

الواضح في السياسة الخارجية التي سيعتمدها ترامب، هو أنه يحاول تقليل التكلفة في الخارج، بمعنى أنه ربما لن يقدم خدمات أمنية لدول حليفة بالمجان، وهذا قاله صراحةً للعديد من الدول التي "تحرسها" وتحميها الولايات المتحدة.

وقد يعني ذلك أن ترامب حينما يصل إلى السلطة، إما أنه سيغض الطرف عن الوجود الروسي في سورية، بحيث أن تقوم الأخيرة وحدها بمحاربة الإرهاب بمباركة وتأييد من واشنطن، أو أن الرئيس الأميركي سيحارب الإرهاب بتمويل دول تتفق معه في هذا المسعى.

ويبدو أن الرئيس المنتخب لا يهمه إن ظل الرئيس السوري الأسد في السلطة أم غادرها، لكن يتكون اعتقاد لدى واشنطن والغرب أن وجود الرئيس السوري في السلطة من شأنه أن يقود إلى محاربة التنظيمات الإرهابية والتأكد من عدم تفريخها في مناطق أخرى داخل سورية.

ولعل الرئيس الأميركي يرغب بالقضاء على الإرهاب، انطلاقاً من كونه لا يريد توسع هذه الظاهرة ووصولها إلى الولايات المتحدة، خاصةً وأن واشنطن التي أغمضت عيونها عن "داعش"، جنت ثمار ما فعله هذا التنظيم في عقر دارها وفي دول أوروبية عديدة.

أضف إلى ذلك أن تصريحات ترامب عن احتمال وقف دعمه للمعارضة السورية المعتدلة، يأتي أولاً وقبل كل شيء من عدم موافقته على دفع كلف لها ومن ضمنها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وثانياً التحوط من وصول معدات عسكرية ثقيلة إلى المنظمات الإرهابية في سورية.

لو كان قلب الرئيس الأميركي الجديد على سورية، لكان تحدث عن ضرورات إنهاء النزاع السوري، والتخفيف من معاناة السوريين المنكوبين في كل مكان، وليس مجرد الاكتفاء بأخذ ما يراه مناسباً لسياسة بلاده وترك الأشياء غير المفيدة بنظره.

حتى أنه لم يضع اعتباراً إنسانياً للاجئين السوريين في الولايات المتحدة، إذ أنه كرّر في أكثر من مناسبة سعيه إلى ترحيلهم وإعادتهم من حيث أتوا، وهذا يعطي مؤشراً على أننا لا ينبغي أن نغتر كثيراً لموقف ترامب إزاء الملف السوري.

هذا السيد الأميركي الذي وصل إلى السلطة، جاهل للسياسة لكنه "شاطر" في عالم المال، وشهرته جاءت من كونه مليارديراً نجح في تجاوز الفشل أكثر من مرة وحقق مليارات من الدولارات، ويعرف من يشتغل في عالم المال أن الأخلاق لا حول ولا قوة لها، ليس في الاقتصاد والمال وإنما في السياسة أيضاً.

ترامب لن يكون سورياً ولن يحقق للسوريين ما يتطلعون إليه من استقرار، ولو كان له مصلحة في هذا البلد لكان حرقها عن بكرة أبيها، كما فعل أسلافه في فيتنام والعراق، حيث أوجدت الإدارات السابقة مبررات واهية انساق إليها الأميركيون لتأييد ضرب هذا البلد العربي الذي يمتلك مقدرات اقتصادية ونفطية ضخمة. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com