تسعى وزارة الإسكان في الآونة الأخيرة عن طريق مؤسسات التخطيط والبناء على ادخال ثقافة ومفهوم البناية المشتركة الى البلدات والمدن العربية بهدف توفير اكبر عدد من الأراضي وجمع المواطنين العرب في بنايات مشتركة على ارض واحدة تابعة للدولة كما هو الحال في المباني السكنية داخل المجتمع اليهودي.

الى ذلك، فان ثقافة السكن المشترك في يناية مشتركة يتقاسم سكانها أماكن عديدة، مثل مدخل البناية او السطح او دفع المبالغ المترتبة عليهم مثل الكهرباء وغيرها، تحتم على السكان الحرص والحذر في التعامل والاحتكام لعوامل معينة تناسب جميع السكان في البناية، لان أي تصرف خارج عن المألوف او أي تأخير في الدفع من شأنه ان يؤثر سلبيا على سائر سكان البناية وان يؤدي الى تشويشات حياتية تزرع المشاكل بين سكان البناية وتؤرق العيش المشترك فيما بينهم، وقد اجمع عدد كبير من الأشخاص المختصين في مسائل التخطيط والبناء من خلال حوار اجراه موقع "بكرا" معهم بان ثقافة البنايات المشتركة لا تتلائم ولا تناسب المواطنين العرب من جهات عديدة كما في المجتمع اليهودي. الا في حال وصول سكان هذه البنايات الى لغة حوار مشتركة يغلب عليها طابع التسامح وتفهم الطرف الاخر والتأقلم في بيئة جديدة مختلفة.

محمد دراوشة: انتقال الشخص من قرية فيها بيوت منفصلة للسكن في مدينة فيها بنايات مشتركة تتوجب عليه ملائمة نفسه لطابع حياة جديدة

محمد دراوشة مدير قسم المساواة والمجتمع المشترك في معهد جفعات حبيبة وخبير مختص في مجال الأقليات القومية عقب ل"بكرا" في هذا السياق: انتقال الشخص من قرية فيها بيوت منفصلة للسكن الى مدينة فيها بنايات مشتركة تتوجب عليه ملائمة نفسه لطابع حياة جديدة، وفي الغالب يقوم هذا الشخص بتبني القيم ونظم العيش المشترك بدون نقاش، لأنه يعتبر غريبا تقع عليه مسؤولية التأقلم.

وتابع مفصلا: التمدن الذي تمر فيه بلداتنا العربية وانتقالها من حالة المجتمع القروي الفسيح، المتماسك اجتماعياً، الى حالة سكن في احياء كثيفة وبنايات مشتركة يخلق تحديات جديدة لم يتعود عليها مواطنينا حتى الآن. وخاصة ان النمو يخلق تركيبات اجتماعية غير معتادة، ليس الكل فيها أقارب من الدرجة الأولى، وليس جميعهم مستعدين لتحمل تعدي البعض على الحيّز الشخصي او الملك العام.

ونوه دراوشة: البنايات المشتركة تتطلب تبني نظم معيشة متعارف عليها حتى تصبح الحياة فيها مريحة لكافة القاطنين فيها، لذلك على كل صاحب شقة او مستأجر ان يعرف أولاً ان حدود بيته الخاص تنتهي في باب شقته، ولكن مسؤوليتة لا تنتهي هناك، فالأماكن المشتركة هي مسؤولية يجب الحفاظ عليها للجميع ولا يمكن الإستحواذ عليها من قبل فرد على حساب الآخرين.

وأضاف قائلا ل"بكرا": هذا يتطلب الكثير من التواضع وضبط الشهوات في التملك من جهة، ومن جهة أخرى رحابة الصدر والتسامح بين الجيران، كذلك هنالك ضوابط يجب ان يتماشى معها كل شريك في هذه البناية، مثل احترام خصوصيات الغير وعدم الإزعاج، والنظافة في الأماكن المشتركة، والالتزام بدفع الاشتراك الواجب للصيانة، والاهم هو إقامة لجنة لكل بناية مشتركة يتناوب فيها السكان على المسؤوليات من جهة، وعلى فعاليات تقريب الجيران لخلق الأجواء الإيجابية فيما بينهم، ومحاولة احتواء المشاكل التي قد تنبع من احتكاك أحياناً بشكل سريع لمنع تطورها الى قضايا مستعصية، الاحتكام لطرف ثالث قد يكون لازماً في بعض الحالات، ويتوجب قبول الحكم حتى لو كان غير منصفاً تماماً، هكذا فقط يمكن بناء علاقات مستديمة ومقبولة بين الشركاء في البناية الواحدة.

كما تطرق دراوشة الى الاحياء المشتركة عربا ويهود وقال: هنالك حالة خاصة وهي البنايات والاحياء المشتركة اليهودية العربية، حيث انا الخلفية الثقافية والحضارية والقومية تختلف بين السكان، مثل أعياد، وعادات، وأنماط حياة متعددة. السكن في مثل هذه المناطق يتطلب قدرات تعامل إضافية ومعرفة الآخر لمنع الالتباس والإحراج. أحياناً تحدث حالات استفزاز على خلفيات قومية، وهنا يجب التدخل السريع لاحتوائها، وإذا تطلب الامر طلب تدخل الشرطة لمنع تدهور العلاقات، هذه الظاهرة في ازدياد شديد خاصة في مدن متاخمة لبلدان عربية، وعلى الجميع التحلي بروح التسامح في التعامل مع هذا التغيير.


كايد أبو عياش: انصح الجمهور في المجتمع العربي بالتوجه للسكن في البنايات المشتركة لاننا نعاني من ضائقة في الأراضي والسكن

رجل الاعمال والمقاول كايد أبو عياش عقب بدوره ل"بكرا" قائلا: في البنايات المشتركة إمكانية الاحتكاك والتأثير السلبي بين الأطراف يكون اكثر في البيوت المشتركة، علما انه بعد فترة بسيطة فأن السكان في البنايات المشتركة يتعلمون كيف يفهمون بعضهم البعض وكيف يعيشون مع بعضهم البعض بعيدا عن الجهل والأمور السيئة الأخرى، عادة ما يواجهون مشاكل بسيطة لكن يتم حلها بسرعة والتغلب عليها من قبل الطرفين.

وتابع ل"بكرا": بالطبع فإن ثقافة المجتمع العربي تختلف كليا عن المجتمع اليهودي، حيث ان الشعب اليهودي خاصة في هذا الموضوع لديه ثقافة عالية جدا حيث ان نسبة 90% يسكنون في بيوت مشتركة ويرحبون بالفكرة بينما نسبة 10% من اليهود يرفضون ذلك، ويفضلون السكن في بيوت خاصة، بالمقابل فانه في المجتمع العربي النسبة عكس ذلك تماما حيث ان العائلات في الوسط العربي والاقرباء يفضلون العيش احدهما بجانب الاخر، علما ان تجربة البيوت المشتركة في الناصرة والقدس اثبتت نفسها ونجحت بالمقابل فان هذه التجربة في بلدات عربية أخرى كان مصيرها الفشل.

وحذر أبو عياش قائلا: الشخص الذي يقرر ان يعيش في بيوت مشتركة عليه ان يأخذ بالحسبان ان جاره سيكون قريب منه ويأخذ كا احتياطاته واهمها انه سيكون قريب جدا من جاره وسيشاركه تقريبا في كل شيء، في البداية عادة يكون هناك مشاكل ولكن التجربة اثبتت انه بعد فترة بتم الاتفاق بين السكان والتأقلم.

وقدم أبو عياش نصائح أخيرة للقاطنين في البنايات المشتركة في المجتمع العربي حيث قال: اولا انصح الجمهور في الوسط العربي بالتوجه للسكن في البنايات المشتركة لان موضوع الأرض في ضائقة كبيرة جدا، ولا يعقل ان يقرر كل انسان ان يبني بيت او بيتين على نصف دونم في الوقت الذي ممكن ان نبني فيه شقق سكنية مشتركة على النصف دونم، لذلك اوصي بالتوجه لهذه الثقافة، كما انصح القاطنين في بناية مشتركة بالحرص على مشاعر جيرانهم لان الطرف الاخر غير ملزم بتحملهم، والمفروض ان يتم المحافظة على حق الجيرة وإعطاء الطرف الاخر كل وسائل الراحة، وان يكون هنالك احترام لحرية وخصوصية الطرف الاخر واخذ بعين الاعتبار ان الفرد لا يعيش وحيدا بل حوله عدة اشخاص من خلفيات ثقافية أخرى لذلك عليه تعلم التصرف بصدر رحب والتسامح والتأقلم كما ان لغة الحوار تعتبر ركنا أساسيا في هذه الثقافة.

محمد خليلية: نحن كمجتمع عربي حتى اليوم غير معتادون على ثقافة البناية المشتركة.

محمد خليلية ممثل جمعية سيكوي قال بدوره ل"بكرا": هناك تعريف قانوني واضح في قانون واحكام الممتلكات، يشير الى ان البناية المشتركة يجب ان يكون لها نص قانوني واضح يوقع عليه جميع السكان في البناية المشتركة بالإضافة الى تنسيق مسبق من قبل المبادرين والمستثمرين، علما انه في مجتمعنا العربي ثقافة البناية المشتركة منقوصة الى حد ما، حيث اننا أحيانا نرى بان هناك بنايات مشتركة مبنية بشكل عصري جدا ورائع ولكن يكون فيها بعض الإشكاليات مثل مصعد لا يعمل او احد السكان لم يدفع استحقاقه وبسبب ذلك تم قطع الكهرباء في مدخل لإعماره او ان المنطقة مليئة بالنفايات، وهنا علينا ان نميز بين امرين في كل ما يتعلق في البنايات المشتركة، وهما الفرق والاحتكاك بين الحيّز العام والحيز الخاص.

وتابع: مؤسسات التخطيط والبناء قامت بإدخال ثقافة البناية المشتركة "كثافة البناء" الى المجتمع العربي من اجل ان يتوقف المجتمع العربي عن بناء بيوت على مساحة كبيرة والهدف ان يتم استغلال الأراضي التي تعتبر ملكا للدولة لتكثيف البناء فيها، كثافة البناء التي نتحدث عنها هي 4.2 وحدة سكن للنصف دونم، بتحديد من وزارة الإسكان، لذلك نحن لا نرفض مبدأ البناء بكثافة عالية وإنما نرفض ان يتم البناء دون الملائمة لاحتياجات المجتمع العربي .

وفسر قائلا: يعود السبب في عدم وجود ثقافة بناية مشتركة في مجتمعنا الى عائقين اساسين أولهما عائق داخلي يتعلق بمجتمعنا العربي ومحاولته المحافظة على الترابط فيما بينه، والامر الاخر هو عوائق من مؤسسات الدولة حيث انه من غير المنطق ان تقوم مؤسسات التخطيط بتطبيق خريطة تحوي كثافة بناء عالية جدا ومناسبة لبلدات يهودية في الناصرة، لان المجتمع حتى اليوم لم يمر السيرورة الملائمة من اجل ان التخطيط والبناء بهذا الشكل.

وأوضح: بما يتعلق بمفهوم ثقافة البناية المشتركة في المجتمع العربي هناك تفاوت، فمثلا في منطقة معينة نجد ان هناك مفهوم رائع للبناية المشتركة في بنايات معينة بالمقابل فان هناك متغيرات وعوامل كثيرة تؤثر نتيجة التسامح مثل الخلفيات الثقافية للسكان في البنايات المشتركة وطبيعتهم، اكاديميين ام لا، مستأجرين او أصحاب ملك.

ووجه خليلية نصائح عبر منبر موقع "بكرا" حيث قال: لدي نوعين من النصائح، نصائح لدوائر التخطيط والسلطة المحلية ونصائح للجمهور الذي يسكن البنايات المشتركة، يجب على السلطة المحلية بعد ان تقوم ببناء او تسويق لمباني فيها كثافة سكانية ان يبقى لها دور داخل هذه البناية، دور في تذويت ثقافة البناء، ومن ناحية أخرى فانه على كل شخص يخطط للسكن في بنايات مشتركة ان يمر بدورة معينة لثقافة البناء وهناك جهات تعطي هذه الاستكمالات.

قيس ناصر: هذا النمط من السكن لا يزال غير مألوف في المجتمع العربي مقارنة بالمجتمع اليهودي

بدوره المحامي قيس ناصر محامي مختص في قضايا الأرض والمسكن عقب في هذا السياق قائلا: السكن في بنايات مشتركة مختلف عن السكن في بيت خاص، لا يوجد للعائلة التي تسكن في بناية مشتركة، ذات الخصوصية والحريّة المتاحة لها في بيت خاص، كما ان هنالك أقسام واجزاء في البناية المشتركة تعتبر ملكا لكل السكان في البناية مثل مدخل العمارة أو حديقة العمارة أو سطح العمارة، ولا يستطيع اي ساكن احتكار هذه الأماكن او استعمالها بدون موافقة باقي السكان. هذا النمط من السكن لا يزال غير مألوف في المجتمع العربي مقارنة بالمجتمع اليهودي، مع ان الازواج الشابة من المجتمع العربي والتي تعمل في المدن اليهودية استوعبت هذا النمط من السكن وتعودت عليه.

وتابع قائلا: حسب القانون البناية السكنية المسجلة في سجل الاراضي كبيت مشترك تحتكم الى نظام متفق عليه بين السكان والذي ينظم حقوق كل شقة والملك المشترك مثل حديقة البناية والعلاقة بين اصحاب الشقق وايضاً يحتكم لقانون الاراضي عام 1969 الذي ينظم الحقوق في البيوت المشتركة، ان الالتزام بهذا النظام يقلل الى حد كبير من الاحتكاكات بين العائلات الساكنة وفِي حالات كثيرة يمنعها تماماً.

ونوه محذرا: أحيانا تكمن المشكلة في ان عددا كبيرا من البنايات السكنية في البلدات العربية غير مسجلة حسب القانون كبيوت مشتركة ولذلك ليس لها نظام البيت المشترك المذكور، في هذه الحالات وإذا تعذر على السكان تسجيل البناية كبيت مشترك، أوصي العائلات المشتركة بعقد وثيقة تفاهم فيما بينهم حول استعمال البناية وعلاقات الجيرة الحسنة بين السكان والاتفاق على آلية لحل النزاعات التي قد تحصل بين السكان.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com