منذ أسبوع وجنود كتيبة 50 من الناحل يحرسون على سطح بيت فلسطيني في الخليل، خوفا من أن يصعد صاحب البيت ويستكمل بناءه، يقول الجنود إن لديهم أمرا من قائد برتبة لواء، لكنّهم يُمْنَعون عن عرضه.

هذا ما يفعله محاربو ج.د.ا.، جنود مقاتلون، أخلاقيّون، لا يعرفون الخوف، شباب يخدمون في وحدةِ نُخْبة من ج.د.ا. في الخليل. يقفون على الشارع، ليلا ونهارا، يحرسون بيتَ عارف جابر. مهمّتهم العسكريّة تتضمن منع دخول الغرباء إلى هذا المبنى المكوّن من شُقَق، ومنع ، منعا مُطْلقا، الصعود إلى السطح. ويُمنع أيضا سكان البيت من الصعود إلى السطح، ويُمْنع أيضا الأولاد من ذلك. لماذا؟ ما يعرفه الجنود إن جابر يُمْنع من استكمال بناء بيته. وليس لديهم أيّة فكرة عن ذلك، ويدّعون أن لديهم أمرا من قائد برتبة لواء، وبموجب هذا الأمر تحوّل البيت إلى منطقة عسكريّة مُغْلَقَة. ويُحْضَر عليهم إظهار الأمر، لأنه أمر سرّي.

يوم الاثنين من هذا الأسبوع وقف جنديان دمثان بوردية الصباح على الشارع، بشوشان وبطَلْعَةٍ عذبة، من كيبوتسات زمان، أحدهم من يحيعام، وقائده شاويش من معاليه هحميشاه، الشمس تضربهما على رأسيهما، يعتمران قبعتين من قماش بلون الكاكي، مدججان بالسلاح من أخمص أقدامهم حتى رأسيهما، جهازا لا سلكي على ظهريهما، جاهزان لتنفيذ أيّة مهمة جريئة على أحسن ما يكون. أحيانا كانا يقترحان حلوى على أبناء الحيّ.

فجأة اسْتُنْفِرا : شوهد ابن صاحب البيت ابن ال- 12 سنة يصعد إلى السطح. عَبَر الجنديان الشارع، وبكل أدب طلبا من صاحب البيت إنزال ابنه عن السطح. وإلاّ، حذّرا، سيطلبان قوّة إضافيّة ويُعْتَقَل الابن، أمر الأبُ ابنَه فنزل الابن عن السطح.

بعد برهة وجيزة طرا تهديد لا يقلّ خطورة: وصل طاقم من التلفزيون الفلسطيني "الحريّة" وحاول اجتياز عتبة المبنى والتسلل لباحة البيت لمقابلة صاحبه. اسْتُنْفِرت القوّة، وعَبَر جنديان الشارع، وحذّرا بأدب صاحبَ البيت والطاقم التلفزيوني. وعندما طلب مراسل التلفزيون رؤية الأمر، أجابوه أن الأمر العسكري معهم، ويُحْضر عليهم عرضه على أحد. سرّي. كل ما حدث كان بسبب مستوطن من تل رُمَيْده، استدعى الإدارة المدنيّة، فأوقفت بناء الطابق. وكان ما كان.

على الحمير وعلى البغال

هذا هو حيّ جابر في الخليل، بيوته منتشرة على جانبي الشارع الرئيسي النازل من كريات أربع إلى الحرم الإبراهيمي، والمستوطنة اليهودية في قلب الخليل. يسمّيه المستوطنون "محْوَر صهيون"، مع انّه يخترق حيّا فلسطينيّا، هذا الشارع لليهود فقط، في هذه المنطقة غير العنصرية، لا يُسْمح للسيّارات الفلسطينيّة بالدخول، تتمّ كلّ التّنقّلات، والإمدادات، والإخلاء إمّا سيرا على الأقدام، أو على ظهور الحمير أو البغال.
يُسْمح لسيّارات الإسعاف الفلسطينيّة بالدخول بعد التنسيق المُسْبق. قبل أربعة أشهر وَضعت امرأة مولودها عند باب الدكان، بسبب تأخير التنسيق المُسْبق. وفي ظروف العنصريّة هذه، المَرْكبات المميّزة في هذا الحيّ الفلسطيني هي فقط للمستوطنين وللجيش، على مرأى من أعين السكان الذين يحملون أمتعتهم في حر النهار، هذا الحيّ يحتضر ببطء.

يبدو أن هذا ما تمنّاه المستوطنون، الذين أدّوا إلى إغلاق الشارع بالقوّة. ربما يكون هذا الشارع الوحيد في العالم الذي لا يُسْمح للسكان القاطنين على جانبيه بالسفر عليه. بعض المباني مهجورة، وكذلك بعض الدكاكين -- حيّ أشباح، ومع ذلك حالته أقلّ سوءا من قلب المدينة القديمة، والقَصَبَة حيث سيطر عليهما المستوطنون تماما. حيّ مع احتضاره. مَنْ يَسْتطع المغادرة يغادر.

عارف جابر لم يغادر.يسكن مع زوجته وأبنائه الستّة الطابق الثاني من المبنى التابع للعائلة،. ويسكن أخوته وعائلاتهم في باقي المباني المُلَبَّسَة بالحجر، المجموع 22 شخصا. ووفقا للأمر العسكري السرّي نجلس معه خارج البيت، في الشارع، من حولنا أكوام مواد البناء التي نقلها بعربات تجرّها البغال.

يعمل جابر كاتبا في السلطة الفلسطينيّة، ونشيطا اجتماعيّا في الحيّ، ومتطوِّعا في منظمة "بتسيلم" وقد شهد في محاكمة اليؤر أزاريا بعد أن صوّر مصافحة أزاريا لباروخ مرزل بعد االقتل. نظّم قبل أسبوعين مظاهرة للسكان، بدون عنف، من أجل فتح الشارع الذي يخترق حيّهم للسيّارات الفلسطينية. وكردّ فعل اتصلوا به تلفونيّا من شرطة كريات أربع، وأخبروه بإلغاء تصريحه بالدخول إلى إسرائيل. وقد سجّل المُكالمة مع ضابط الشرطة، ويُسْمِعنا إيّاها.

يقول "نحن لا نعيش تحت الاحتلال، إنما نعيش تحت سيطرة أكثر المتطرّفين" ويقصد بالمستوطنين في الخليل الذين ينغِّصون حياة سكّان الحيّ.، الجنود عادة ظرفاء، يأتون من تل أبيب، وأحيانا يتأسّفون عمّا يفعلونه، وليس لديهم حيلة، المستوطنون هم مَنْ يسيطر هنا. باروخ مِرْزِل، وعوفر أوحانا، وحاييم، وبنتسي أيضا، أعرفهم جميعا. يريد المستوطنون طردنا من هنا، ويقولونها بصراحة، الخليل فقط لليهود".
على مسافة ما، بَعْدَ عدّة بيوت، يقوم بناء كبير "بيت السلام" أو "بيت النزاع" بيت فلسطيني استولى عليه المستوطنون بطريقة ما، وقضت محكمة إسرائيليّة، بشكل غير مفاجئ، وبعد سنين من النظر في قضيته، بقانونيّة الاستيلاء، البيت مُغطىً بأعلام إسرائيل حتى السطح، يبدو البيت مهجورا، على الأقل جزء منه. يحرسه الجنود من الشارع، مع حاجز حديدي أصفر لمنع دخول غير المستوطنين.

المستوطن حاييم

قبل سنة حصل جابر على ترخيص من بلدية الخليل لبناء طابق إضافي على بيته. كبر ولداه فقرر أن يبني لهما شقتين تحضيرا لزواجهما. توجّه في شهر تموز إلى الإدارة المدنيّة بطلب السماح له بإدخال بعض سيّارات شحن لمواد البناء إلى الحيّ.لم يكلف أحد نفسه بالردّ عليه. اشترى ب – 50 ألف شيكل 10 أطنان من الإسمنت، 20 طن رمل، 30 طن حصى و – 15 طن حجر تلبيس، وأخذ ينقلها بعربات تجرها الحمير والبغال.
بدأ ببناء الطابق الثالث بمساعدة أبنائه والجيران، مرت أول أربعة أيام عمل بهدوء، في اليوم الخامس وصل المستوطن حاييم من تل رُمَيْده – جابر لا يعرف اسمه الكامل، لكن صورته محفوظة في المحمول – جاء مع ضابط الإدارة المدنيّة، علاء حلبي. أمروه بالتوقف عن العمل، وإزالة مواد البناء من مكانها،. وهددوا بإحضار جرّافة لهدم كل البيت.

توجّه جابر إلى قيادة التنسيق الفلسطينية وقدم طلبا لترخيص بناء من إسرائيل. ألْحَقَ بطلبه مستندات مِلْكية ورخصة البناء من بلدية الخليل. قالوا له في قيادة التنسيق إنه حسب معلوماتهم لن تكون مشكلة في البناء، وأيضا محاميه فكر كذلك. جدد البناء بتاريخ 28 آب. جاء حاييم من تل رميده بنفس اليوم، وخلال دقائق وصل موظفو الإدارة المدنيّة. وغادروا بعد وقت قصير. بدأ بصبِّ السطح يوم الجمعة الماضي، جاء حاييم برفقة مستوطن آخر، وبعدهما وصلت قوّة من ج.د.ا.، والإدارة المدنيّة والشرطة. وأخبروا جابر أن بيته منطقة عسكريّة مُغْلَقَة. يُسْمح بالدخول إلى البيت فقط لساكنيه، ويُمْنع الجميع من الصعود إلى السطح.

يقول الناطق العسكري "ثمّة أقسام من مدينة الخليل تحتاج لمصادقة قوات الأمن للبناء إلى الأعلى، وحسب اتفاق الخليل لسنة 1997 ولأسباب أمنيّة واضحة. نُفِّذت في هذا المبنى أعمال بناء مخالفة لهذه التعليمات. ومن أجل المحافظة على الأمن، صدر مؤخرا أمر بمنع البناء غير المرخص، والهدف منه منع دخول عمال لاستكمال أعمال البناء. وذلك بعد أن قام صاحب المبنى بأعمال تخالف التوضيحات التي تلقّاها" وأضاف أيضا "يجوز لصاحب البيت وأبناء عائلته بالدخول إلى البيت بحريّة" ستواصل سلطات الأمن اتصالاتها مع الأجهزة الفلسطينية ذات العلاقة بالأمر".

في الأسبوع الأخير يقف الجنود على الشارع من الصباح وحتى ساعات المساء. في الليل يُتْرَك البيت لقَدَرِه." وقد يتغيّر هذا بأمر من الضابط اللواء. وعندما هدد الجنديان أبناء الكيبوتس من كتيبة 50 باعتقال ابن جابر، أمير ابن أل – 12 سنه عندما صعد إلى السطح، قال لهم أبوه بلغته العبرية الركيكة: "هذا طفل صغير، وهذا بيته" حاول الجنديان أن يوضِّحا له"أمر اللواء" وقال لي أحدهم بعد ذلك: "هذه هي الأوامر".

هآرتس 2016/9/9 ترجمة: أمين خير الدين
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com