يهوى الخمسيني عوني الظاهر منذ نعومة أظفاره جمع الأدوات القديمة بكافة أنواعها وأشكالها ويحتفظ بها في منزله المتواضع الذي تميزه أشجار الكينا العتيقة التي تستقبل زوار البيت بحفاوة ،لتكون حلقة وصل بين جيلي الماضي والحاضر خوفا على التراث الفلسطيني من الاندثار ،يحتوي بيته على الأواني الفخارية القديمة وصواني القش التي يزيد عمرها عن مئة عام والبابور والسراج والمحراث الخشبي ،وأثوابا شعبية وأدوات نحاسية ومعدنية مختلفة .


نضال شعبي


ويقول الظاهر مفتخرا بينما كان يشرح لنا عن مقتنياته التي جمعها عبر ما يزيد على 40 عاما " كنت أجمع ما كان يستخدمه الناس في الماضي من أدوات المطبخ والزراعة والحرث وما كانوا يرتدون من ثياب ،وأضعه في بيتي للحفاظ عليه ،وليكون عنوانا لأجيال الحاضر والمستقبل ولإثراء معرفتهم بالتراث القديم ويعتبر ما يقوم به هو نوع من أنواع النضال الشعبي ".

ويضيف وهو يشير إلى طبق كبير من القش "في الماضي لم يكن بيت في القرية يخلوا من أطباق وصواني القش هذه ،أما اليوم فبالكاد تجد مثلها في منزل أو اثنين وطبق القش هذا عمره تجاوز المائة عام وهو من صنع جدات العائلة ".

ويستغل الظاهر كل الفرص لشراء كل ماهو اثري وبأي ثمن يطلبونه فهو من عشاق الأسواق الشعبية ،يرتادها كل سبت باحثا بين الأكوام عن كل ماهو اثري ومن التراث ليضيفها إلى مخزون مقتنياته .



الكاميرا ... رفيقة دربه


يلتقط صورا لكل لحظة ويرسم تفاصيلها ،وينقلها للمشاهد عبر مواقع التواصل الاجتماعي ،ولم تكن تفارقه الكاميرا حتى في مهام عمله الرسمية فمزج بين موهبته وعمله من خلال توثيق أنشطة مديرية التربية والتعليم ،يقول عوني الظاهر " الكاميرا عين سحرية توثق لي كل الأحداث أولا بأول ،وساعدتني في عملي وصقل شخصيتي وزادت من احترام المجتمع لي ،من خلالها أوثق السار والضار ،الفرح والحزن ،واستطيع إخراج أي صورة ثابتة من أي مقطع فيديو بواسطة طابعة سطح الشاشة وتجهيز الصور على برنامج البوربوينت ".

في ذاكرته مليون صورة


يتابع "حتى اللحظة صورت قرابة مليون صورة ،وعشرة آلاف مقطع فيديو عن كل ما يعترض طريقي وفي شتى المجالات ،وأنتجت وسجلت آلاف أشرطة الفيديو لأغراض تعليمية ووثائقية ،مشيرا إلى أن هذه الأشرطة بطريقها إلى الاختفاء شيئا فشيئا لاختفاء جهاز الفيديو بسبب التطورات المتلاحقة للتكنولوجيا وبالتالي فهي بحاجة ماسة إلى التفريغ على حافظات الكترونية ".

ويوضح انه يملك في بيته مكتبة تضم بين رفوفها قرابة ألف كتاب وكتيب وقصة ومجلد وموسوعة متنوعة ،ووسيلة تعليمية وقارئ اسطوانات لازال يعمل ،ومعه عشرات الاسطوانات السوداء محفورا عليها أغان قديمة " .


وثائق وتواريخ


يعود الفضل للأستاذ الظاهر بإنقاذ مئات الوثائق القديمة عام 2002 من التلف ،والتي يعود بعضها إلى عام 1921،حيث رممها وارشفها وأعاد لها الحياة ،بالرغم من الحصار الذي كان يطوق نابلس لكنه اجتاز الحواجز وحرص على المبيت في مقر المديرية لينجز مهمته على مدار شهر كامل .

ووفقا لظاهر" في بيتي وثائق عن التعليم والأوضاع الاجتماعية في فلسطين ،ولدي البومات من الصور ترسم تاريخ فلسطين ،وبعض العادات والتقاليد والمقدسات والطبيعة والزهر والنوار ونفحات من سيرة حياتي ".

من بين الوثائق التي وقعت بين أيدينا مخطوطات قديمة خلال الاحتلال البريطاني أو الحكم الأردني أو الاحتلال الإسرائيلي ،ووثيقة أخرى تظهر فيها مدرسة بلدة سلفيت عام 1947،إذ كانت مدرسة وحيدة وتتكون من صفين ،وعلى احد الجدران ترى خارطة فلسطين بين الانتداب والانتهاب ،وهي من الخرائط التي كانت تصادرها السلطات الإسرائيلية من المدارس حتى مطلع عام 1994 ،وتظهر الخريطة تقسيم فلسطين إلى 17 محافظة .

ويتحدث الظاهر عن إحدى الوثائق "أن مدرسا من عصيرة الشمالية كان يعمل في جنين ،وغضب من قرار المعارف عام 1936 بتوزيع القماش على أساتذة المدينة فقط فكتب احتجاجا بخط يده على ذلك ،ووثيقة رسمية أخرى تتحدث عن رفض تربية نابلس طلب معلم بتحديد سنه ،وفقا لشهادة ميلاد أخيه ".



التابوت لحفظ الوثائق


يقول الظاهر بنبرة صوت حزينة " بعد تقاعدي منذ شهرين ونصف صنعت صندوقا يحاكي صندوق الجدات من الخشب ،ولكنه كالتابوت الفرعوني بأبعاده فطوله ثلاثة أمتار ،وعرضه وارتفاعه أربعين سنتيمترا،لتستقر به وثائق وصور تؤرخ للتربية والتعليم وفلسطين وما يجري بها من أحداث وما فيها من مناطق سياحية ومقدسات ،ونماذج خاصة بعائلتي ،كعقود الزواج وحجج أراض وشهادات ميلاد ،قد جمعتها في عشرات الألبومات مختلفة الأحجام والأشكال والمضمون " مبينا أن هذه الوثائق قد كتبت بخط اليد والطابعة القديمة ،وقلم الرصاص الكوبي ،معلنا أنها ستبقى في هذا التابوت حتى يأتي من ينقذها ،وسيتيح "الظاهر" للناس والطلبة والمؤسسات الاطلاع عليها ،والاستفادة منها بشكل لائق مع مراعاة عدم لمسها حتى لا تتمزق وتذهب دون فائدة ،وينوي تحويلها إلى صفحات الكترونية حرصا على نشرها لاسيما أنها تؤرخ لمائة عام ".

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com