انتشر مؤخرًا بين صفوف المراهقين والبالغين هوس جديد، اخترق حدود العالم الافتراضي ودمج بينه وبين حياة الواقع.

ابتكار متجدد أدى الى انبهار عالمي سببه البحث عن "بوكيمون"، تلك الشخصية الكرتونية التي تابعها الأطفال- المراهقين اليوم- والشباب خلال طفولتهم، وأصبحت اليوم، مع التطورات التكنولوجية، لعبة يركضون ورائها ويتسابقون من هو الأول الذي سيحظى بها.

عن اللعبة والهوس بها، التعلق والإدمان عليها، وكيفية الوقاية منها، أجرينا هذا اللقاء مع د. سهراب مصري عودة الله – وهي مرشدة ومستشارة تربوية، وحاصلة على لقب دكتوراه في موضوع الذكاء العاطفي والعلاقات بين مجتمعية، ومحاضرة في كلية سخنين في قسم الاستشارة التربوية للقب الثاني، التي تحدثت في البداية عن الدوافع التي أدت إلى انتشار لعبة البوكيمون بين الفئات الشبابية المختلفة..

لماذا هذه اللعبة بالذات ؟

وردًا على سؤالنا، قالت د. سهراب: باعتقادي ان الأسباب عديدة ومتنوعة التي أدت إلى انتشار لعبة " البوكيمون غو" بين الفئات الشبابية المختلفة، ولكن واضح جدًا ان شركة إنتاج اللعبة اليابانية عملت بشكل ذكي على استغلال الجانب النفسي للأشخاص في عملية تسويق وطرح اللعبة في فترة قصيرة، أي أنها استعملت الحيل النفسية للترويج لها عبر الانترنت، مما أدى إلى حدوث جدال ونقاش حول التطبيق وبالتالي تسويقه بشكل أكبر.

وقالت: طريقة استخدام هذه اللعبة أثارت بداخل اللاعبين حب الاستطلاع والتشويق وعززت روح المغامرة، وخاصة أنّ اللعبة تعتمد أيضًا على تشغيل نظام وتقنية "جي بي إس" وعملية البحث تكون في الأماكن القريبة والمجاورة لمكان سكناهم.

وأضافت: لكن، أبرز ما أثر في سلوك الأفراد في لعبة "البوكيمون غو" هو دمج العالم الافتراضي بالواقعي، وهي فكرة حديثة أخرجت رواد الألعاب من النمط السابق المعتمد على العالم الافتراضي وحده، وهو ما ساهم في حدوث انبهار لديهم ما أدى إلى هذا الإقبال الكبير.

وتابعت: إلى ذلك، استطاعت اللعبة مخاطبة اللاوعي للأشخاص، مبينة أن "الألعاب الإلكترونية" بشكل عام تتميز بأنها تدخل مباشرة إلى اللاوعي لدى الأفراد، حيث يستقبلونها دون التفكير بمحتوياتها وأثرها، أو محاولة وضعها في جانب (الوعي) للتفكير بأثرها.

الحنين إلى الطفولة احد أسباب انتشار " البوكيمون غو "

وأضافت معددة اسباب انتشار اللعبة والهوس بها: عامل اخر ارغب في تسليط الضوء نحوه هو الحنين للطفولة، ان الأشخاص الذين عاصروا شخصيات لعبة البوكيمون من خلال برامج كرتونية للأطفال أصبحوا كباراً في العمر، وبالتالي فإن ظهور الشخصيات مرة أخرى أعاد لهم الحنين للطفولة فتوافدوا على استخدامها ضمن اللعبة الجديدة.

الإدمان على اللعبة

وردًا على سؤالنا حول الإدمان على اللعبة قالت، د. سهراب: البوكيمنيون لا زالوا بمرحلة التجربة والتعلم، ولكن قسم منهم يدخلون لمرحلة الإدمان للعبة البوكيمون بشكل خاص او لغيرها من الألعاب التكنولوجية، واخرون يتمتعون بالرقابة الذاتية والتي تحميهم من الادمان وهذا يعود لشخصية الفرد وعوامل أخرى متعلقة به والبيئة التي يتواجد بها، كالحالة النفسية والاجتماعية والوضع الاقتصادي والسياسي.

وأوضحت: اود ان اشير الى ان ظاهرة الإدمان على الألعاب التكنولوجية والانترنت تعود الى عصر التكنولوجيا والحوسبة، الخضوع للتطورات، مغريات اللعبة والاثارة التي ترافقها منها؛ السرية-لا توجد حاجة للتعريف بالتفاصيل الشخصية، والراحة-لا يتطلب بذل جهد والخروج من المنزل او على العكس. في لعبة البوكيمون غو والأولى من نوعها في العالم التي تحتم على مستعملها النشاط الجسدي والمشي والخروج من المنزل للبحث، الهروب-الهروب من الواقع وخلق واقع خيالي جديد والذي يبث الأمان والسكينة او الراحة النفسية للشخص.

الفراغ العاطفي والاجتماعي...

وأشارت: طبعا إلى ما ذكر لا يمكننا تجاهل مشكلة الفراغ العاطفي والاجتماعي الذي يعيشونه أطفالنا وشبابنا وانعدام الأطر البديلة لممارسة الهوايات والنشاطات الاجتماعية والتي بإمكانها ان تحد من ظاهرة الادمان الانترنت والشبكات التواصل، وبطبيعة الحال هذا يعود لأطراف وهيئات مسؤولة على مستوى البلد والدولة.

اللعبة تحتاج الى مهارات معينة وإجهاد ذهني وربما اصابات جسدية

وعن ارتباط الفئات العمرية المختلفة بالإدمان للعبة، وخاصة بين طلاب الجامعات والمراهقين، قالت د. سهراب: باعتقادي ان هذه اللعبة تسود عند طلاب الجامعات والمراهقين اكثر من الأطفال بحكم ان ممارستها يتطلب مقدرة تحكم ومهارات عليا كما الخروج من المنزل التجول والتنقل من مكان لآخر، احتمال اخر هو التفرغ وعدم المسؤوليات والالتزامات الكثيرة عند هذه الفئات العمرية.

وردًا على الاستفسار حول تأثير اللعبة على العامل الحسي والحركي والشعوري لرواد اللعبة قالت، د. سهراب : الإدمان على مثل هذا النوع من التطبيقات الالكترونية يسبب الاجهاد الذهني والبدني نظرا لحالة الشد والانتباه التي تسيطر على لاعبي البوكيمون غو، من الممكن ان يتعرض لاعب البوكيمون غو الى شد عضلي بسبب الحركات المفاجئة والقيام بصورة سريعة خاصة اذا اكتشف بوكيمون في محيط المكان المتواجد خلاله (كم بالحري اذا كان يلعب اللعبة خلال سياقة السيارة! نستطيع ان نتخيل باي حالة هستيرية يدخل بها...!).

وقالت: اللعبة ايضًا تزيد من مخاطر واصابات جسدية، وهذا حدث مؤخرًا في أكثر من مرة، كالوقوع او الدهس في الشارع او الاصطدام بأجسام صلبة، او الكدمات والتواء الكاحل نظرا لان تركيز الشخص ينصب في القبض على البوكيمون فقط.

الأضرار النفسية والاجتماعية

اما عن الاضرار النفسية والاجتماعية فقالت: قد يعاني لاعبو البوكيمون من القلق التوتر والاكتئاب بسبب قضاء وقت طويل امام الهاتف الذكي والبحث عن البوكيمونات، كما ومن المحتمل أن يتحولوا إلى اقل ابداءً للمشاعر تجاه الآخرين، ويصيبهم توتر في العلاقات الاجتماعية وصعوبة في تكوين علاقات او المحافظة عليها.

وأكملت معددة: كما أنّه من المحتمل ان يكونوا أقل تعاون، ولهم حساسية مفرطة واندفاعية مبالغ بها، كما ومن المحتمل أن يطوروا ميول للعنف والعدوان والتمرد والعصبية.

العزلة الاجتماعية، على مستوى اللعبة وعلى مستوى الأفراد

وعن تأثير اللعبة على الجانب الاجتماعي على مستوى الأفراد قالت د. سهراب: أود ان اشير الى وجهتا نظر مختلفتين لهذه اللعبة، فصحيح أن لعبة " بوكيمون غو" تدفع مستخدميها إلى الخروج للشارع، ولكنها تبقيهم في إطار العزلة التي تدفع إليها التكنولوجيا، بخلاف الألعاب التقليدية التي يكون الشارع مسرحا لها والتي تدفع المشاركين فيها للتفاعل الاجتماعي. وجهة نظر ثانية التي تدعي ان اللعبة تفتح المجال لمستخدميها بالخروج الى الشارع والتعامل مع مستخدمين اخرين والتواصل معهم بهدف البحث عن البوكيمونات, بالرغم من ان هذا التواصل ليس بالتواصل الاجتماعي انما لهدف اللعبة لا غير.

وأوضحت: اعطي مثالا؛ في هذا الصدد عن التواصل في الشبكات الاجتماعية، إن التواصل ليس فقط بالكلمات، الكلمات لا تصنع تواصلاً، الكلمات تنقل المعلومة، معلومة جافة، فهي لا تنقل الأحاسيس والمشاعر المصاحبة لتلك الكلمات ولا النظرات أو حتى تقاسيم الوجه، لذلك فتلك الشبكات الاجتماعية وسيلة سيئة للتواصل الإنساني (مثلاً نشهد تعليقات متشابهة لتعزية شخص ولكن بأسماء مختلفة عكس صوت الإنسان المليء بالمشاعر والأحاسيس عندما يتصل لصديقه ويعزيه)، لكنها طبعاً قد سهلت لنا كثيراً في مجال التواصل العملي والمهني ولها إيجابيات في هذا الجانب من زوايا أخرى.

وعن العزلة الإجتماعية أكملت موضحة: جانب اخر من مسيئات لعبة " البوكيمون غو" هو حدوث مشاكل تتعلق بصعوبة التفرقة بين الواقع والخيال، خاصة لدى الأطفال الذين لم يصلوا بعد لمرحلة التفكير المجرد، والبالغين الذين يعانون من مشاكل في التفرقة بين عالم الواقع ودنيا الخيال وهذا يزيد من الصعوبة فيحال الإدمان على اللعبة.

العنف الذي ينتج عن اللعبة، وخاصة انها تقوم بعملية البحث عن الأشرار..

وأخيرًا تطرقت د. سهراب إلى هذا الجانب وقالت: "بوكيمون غو" والألعاب الشبيهة بها التي تتضمن مفاهيم الحرب أو المطاردة والصراع للوصول للأهداف، قد تؤدي كثرة التعرض لها إلى زيادة التوتر والضغط النفسي، الإحباط والقلق، وتصبح سببا في ظهور اضطرابات القلق واستخدام العنف. ميول للعنف والعدوان والتمرد والعصبية بسبب تقليد الشخصيات وطريقة اللعب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com