سادت حياة البساطة والعفوية أجواء الأعياد في فلسطين قبل 60 عامًا، وكانت مختلفة عما يعيشه الفلسطينيون هذه الأوقات، ولاسيما بخصوصيتها الديني، والعطاء لأهالي القرى والأرياف، وفق من عاصر تلك الفترة.

واعتاد المسن محمود ادغيش منذ كان فتى في قرية "برير" جنوب فلسطين المحتلة قبل نكبة عام 1948 على الخروج مع عائلته لزيارة أقاربه في اليوم الأول من عيد الفطر؛ لتبادل الهدايا والحلويات، بعيدًا عمّا يعرف بـ"العيدية النقدية".

ويستعرض ادغيش (81 عامًا) في حديثه لمراسل "صفا" شريط ذكرياته عن أجواء عيد الفطر في قريته قبيل احتلال "إسرائيل" لفلسطين التاريخية وتهجير أهلها.

ويذكر أن أهالي القرى كانوا يستعدون لاستقبال العيد منذ العشر الأواخر من رمضان؛ عبر اللجوء إلى تزيين جدران البيوت، والنظافة، وجلب الصوف والسجّاد لتزيين مجالس غرف الضيافة.

عيد "الحِلُو"

وبابتسامة واسعة، يقول ادغيش إن عيد الفطر كان يسمى بعيد "الحِلُو"؛ لما تمثله الحلويات من ظاهرة سائدة لدى القرى والأرياف الفلسطينية؛ عبر صنع الكعك والمعمول و"الملاتيت" لتوزيعها على الأقارب.

وكانت تتسم الحياة في قرية "برير" بالبساطة والمحافظة، إذ إن جميع سكانها مسلمون، وكانوا يرتبطون فيما بينهم بروابط القرابة والمصاهرة.

ويقول ادغيش: "تصبح القرية منذ اليوم الأول للعيد كخلية نحل لكثرة المارة بالشوارع بين القرى، وكان أهل القرى بحكم النظام القبلي أو العشائري يخرجون مع بعض كل عائلة على حدا مع مختارها للتفاخر واستعراض قوتها".

وحول طقوس "عيد الفطر" في قريته، يلفت إلى الطعام والحلويات كانا يقدمان بشكل مجاني للمواطنين الذين يقدمون من القرى المختلفة؛ وخاصة "المستجيرين" الذين يلجؤون إلى مضافات العائلات.

وكانت القرى الفلسطينية وقرية "برير" على وجه الخصوص تضم مضافات للعائلات المعروفة بالقرية؛ لتقديم واجب الضيافة للزوار والقادمين من القرى المختلفة.

وعن قضاء الأوقات في العيد، يشير ادغيش إلى أن القرى كانت بمثابة المسكن والملجأ والمتنزه لأهالي، إذ يلجأ العديد من القرويين إما إلى البساتين "الحقول" أو إلى البحر لقضاء وقت السمر.

اليوم أكثر تكلفة

ويرى اللاجئ الفلسطيني أن الأعياد اليوم باتت أكثر تعقيدًا وتكلفةً على الأسر، في وقت لم تكن تكلف فيه المواطنين أي شيء يذكر؛ لاعتمادهم على المنتجات اليدوية والزراعية الطبيعية بعيداً عن العيدية النقدية.

ويضيف "كان أهل القرية يتزاورون بكل شيء ينتجونه، وكان لدينا نظام تعاوني بكل معنى الكلمة بين جميع الأسر؛ حتى وصل بنا الحال إلى أنه لم نجد فقيرًا بالقرية لقوة التكافل بيننا".

وبحكم الحياة القروية، فإن هدايا الأهل والأقارب في الأعياد كانت بنظام "المقايضة"؛ وتجود كل أسرة على الأخرى بما تملك من الخير "الأطعمة بأنواعها، والتمور، والحلويات، والمطرزات اليدوية".

ويوضح ادغيش أن النقود كانت في عهدهم (زمن الانتداب البريطاني) قليلة وشحيحة، ولا يعتمدون عليها؛ لأن أهل القرى كانوا حين يلجؤون إلى الأسواق يتبادلون أيضًا السلع بنظام "المقايضة".

رحيل لا ينسى

وبعبارات ممزوجة بالشوق لقريته التي هُجّر منها، ألقى ادغيش بيتين من الشعر تعبران عن حنينه للماضي، وعشقه لدياره التي سلبها الاحتلال، قائلاً "برير عروس خواطري ومشاعري.. مالي عليك من الزمان عتاب، أنا لست بالباكي ولكن من الأسى.. جالت دموع واشتكت أهداب".

ويتابع "ولدت في برير عام 1935، وعشت حياتي الأولى بين حقولها الواسعة الخضراء، وتنفست من هوائها وشربت من مائها؛ ولذلك هي مرسومة في قلبي وعقلي ولن أنساها مدى حياتي".

وعمل ادغيش لمدة 40 عامًا مدرسًا لمادة الجغرافيا إلى أن تقاعد، ولديه العشرات من الخرائط الفلسطينية التي توضح معالم قرية "برير" بالإضافة لعدد من القرى الفلسطينية.

ويشير إلى أنه ألّف كتابين يسردان هموم القضية الفلسطينية يحمل الأول عنوان "من القرى الفلسطينية التي دمرها الاحتلال قرية برير" وسينشر قريبًا، وكتاب "هكذا ضاعت وهكذا ستعود" يضم أسباب النكبة الحقيقية للشعب الفلسطيني، والطرق الأمثل لاسترداد أرضه وحقوقه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com