بدأت حكاية المربية المتقاعدة منتهى عبد الله أبو محسن في بيت عائلتها الذي طوقته بالورود والأشجار في قلب طوباس، حتى صار مضربًا للمثل في مدينتها.

وترعى أبو محسن التي ولدت عام 1955 تجربة أختها ختام، التي حوّلت منزل الأسرة إلى بيت تلوّن عشرات الأزهار كل ركن فيه، وتمنحه لقب "البيت الأخضر"، فيما توزع صاحبته إرشادات حول مواعيد الري، ولا تبخل في منح الفسائل للراغبين في زراعتها.

تروي: بعد وفاة شقيقتي عام 2011 شعرت بحزن شديد، فقد كانت قريبة من الأزهار، ومع انتهاء بيت العزاء، رحت أراقب الحديقة، وأحسست بأنها تتألم لغياب ختام، فقد كانت تمضي غالبية نهارها في الزراعة والري والتقليم وإزالة الأوراق الجافة وغرس المزيد من الفسائل.

حدائق عطرة

وبحسب الراوية، فإنها تفرغت لرعاية الأزهار التي بدأت أختها بغرسها قبل أكثر من أربعين سنة، وأصبحت اليوم خبيرة بالورود وما تتطلبه من عناية واهتمام يومي، ولا تستطيع أن تغيب عنها.

تضيف: لدينا اليوم أكثر من 40 نوعًا ينتشر في كل زاوية ببيتنا، وفي كل موسم أضيف للحديقة المزيد، وأخذت أصنع أوعية الزراعة من البلاستيك والأواني التي تذهب عادة إلى مكبات النفايات، وفي كل أرجاء منزلنا ما يسعد النظر ويريح النفس.

وتلوّن مدخل البيت أزهار الخبيرة المخملية، والزعمطوط، والزيزفونة، وتتشابك في ساحة داخلية نباتات ليلة القدر، والخنشار، والريحان، والمكحلة، والذهبية، والفضية، والسجاد، والدفلة. وتشغل الحديقة الخلفية للمنزل فسائل الميرمية، والنعناع، وغيرها. أما الممرات الجانبية فمزروعة بشجرة زيتون تتجاوز المئة عام، والإسكدنيا والبرتقال.

أسرار ورعاية

تتابع أبو محسن، التي أنهت درستها عام 1973: حين تجلس مع الورد فإنك تفرغ طاقتك السلبية كلها، وتعيش في جو جميل بكل حواسك. وشخصيًا لا أستطيع أن ابتعد عن بيتي، وأشعر بالضيق إذا أجبرت على الخروج من المنزل، فالورود تعطيك السر للتأمل.

ووفق الراوية، التي عملت مدرسة تاريخ وجغرافيا طوال 36 سنة، فإنها إذا شاهدت زهرة تذبل من العطش في الصيف، فإنها تسرع لسقايتها أولاً قبل أن تشرب، مهما كانت في حاجة إلى الماء.

توالي: يبدأ نهاري صباحًا بتفقد الأزهار، فأجمع أولاً الأوراق المصفرة والمتساقطة، ثم أزيل الغبار عن الأوراق، وأسقيها في المساء أو الصباح الباكر، وبين الفترة والأخرى أضيف للحديقة المزيد من الأزهار، ولا أحب مشاهدة زوايا فارغة منها. وأحب كثيرًا نبتة الخنشارة التي زرعتها أختى ختام.

حرية وألوان

تحتاج حديقة أبو محسن إلى نحو 20 متر مكعب من المياه كل شهر، وتتطلب من حارستها ملاحقة الأشكال الجديدة من أوعية الأزهار، فيما لا تتوقف عن إدخال تعديلات عليها، كالزراعة المعلقة، والزرعة دون تربة، ولا تفرط بأي وردة، وإذا ما جفت إحداها تحزن عليها.

تزيد: أضفنا للحديقة نباتات برية مثل الفيجين وعصا الراعي، ونزرع عدة أصناف وألوان من النبتة نفسها، ولا نحبذ النباتات التي تحتوي على أشواك كالورد الجوري، وغرس والدي نبتة غريبة قبل رحيله، وصارت اليوم شجرة ضخمة في مدخل بيتنا. ونشعر في هذا الصيف بالحر الشديد، فكميات المياه المطلوبة صارت في ازدياد، وبعض النباتات أصبحت تجف أو تصّفر.

تنهي أبو محسن: الأزهار عالم جميل، والبيوت دون ورود لا تصلح للعيش، وسيشعر من يسكنها بشيء ثقيل يهبط على صدره، أما من يُكحل عينه بوردة في الصباح والمساء، أو يشم رائحة عطرة كل لحظة في بيته وجنته الصغيرة، فسيشعر بأنه كالطائر الحر، الذي يحلق في السماء، ولا يوقفه شيء عن الوصول إلى أي جهة يريدها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com