لا تتوانى الكنيست الإسرائيلية عن سنِّ قوانين لا تمت للديمقراطية باي صلة، تحاول من خلالها المساس المتعمد بحقوق الانسان وحريته، وهذه المرة ارتأت ان تضع بصمتها السلطوية على عمل المحاكم الشرعية بما يتعلق بالنزاعات العائلية تحت غطاء تخفيف العبء عليها والبحث عن المصلحة العامة، حيث قدمت مجموعة من المحامين والقضاة الشرعيين مؤخرا بالتماس ضد قانون تنظيم التقاضي في الخلافات العائلية - חוק הסדר התדיינויות בסכסוכי משפחה - والذي من الُمقرر ان يدخل الى حيز التنفيذ يوم السادس عشر من الشهر القادم بعد ان تم تأجيله سابقا.

يدور الحديث حول قانون سنته الكنيست الإسرائيلية وكان من المقرر ان يبدأ العمل به في الأول من أيلول العام السابق الا انه تم ادخال بعض التعديلات على بنوده من قبل نقابة المحاميين التي حتى اللحظة لم تستطع منع العمل به، حيث ان القانون يجبر المواطن الا يتقدم بدعوى الى المحكمة في الشؤون العائلية قبل ان يتوجه الى وحدة شؤون اجتماعية قضائية مساعدة وهناك يقابلونه بأربع جلسات وبعدها فقط يستطيع المواطن التوجه الى المحكمة.

من الواضح وحسب ادعاءات عدة محاميين وقضاة شرعيين منهم من وقعوا على العريضة المناهضة للقانون، ان القانون يمس بصلاحيات المحاكم الدينية في الشؤون العائلية والنزعات العائلية ويحد من حرية التقاضي للأطراف ويمنع الطلبات المؤقتة التي تساعد الأطراف المختلفة في النزاعات العائلية، كما ان القانون يجبر المواطن بالتوجه الى مسار توفيق او وساطة ما يسمى بـ "الجيشور" قسري قبل البدء بجلسات المحكمة علما ان هناك حالات لا تسمح بذلك، الى جانب ان الوساطة يجب ان تكون عن طيب نية وخاطر، ويمس بعمل المحاميين وحرية توجههم وحلهم للنزاع.. الى جانب أمور أخرى.

القاضي احمد ناطور: توجه القانون هو توجه قسري يعيق العمل القضائي ويؤثر على القضاة ويحد من صلاحياتهم

سيادة القاضي احمد ناطور عقب قائلا على القانون وخطوة العريضة: هذه العريضة التي تم التوقيع عليها ضد القانون تؤكد على ان هذا القانون غير دستوريّ ويحول دون استخدام المواطن لحقوقه الأساسية بالتوجه الى المحكمة، لان توجه القانون يحول دون وصول المواطن الى المحكمة بصفتها المفروضة كملجأ للعدالة وتحقيق العدل، كما انه لا يتوجه لاستخدام المسار القضائي بل يتوجه للمحكمة بإصدار قرار من اجل فض النزاع بينه وبين غريمه وبالتالي عندما يجبر جبرا وقسرا بان ينتظر أربعة اشهر على الأقل او أربعة جلسات لا ندري كم من الوقت ممكن ان تمتد دون ان يستطيع ان يصل الى صرح العدالة هذا بطبيعة الحال مساس بحقه الأساسي الذي ينص على استخدام المحكمة ملجأ لاقامة العدل او بصفتها هيئة او جهة لاقامة العدل واحقاق الحق.

وتابع ناطور موضحا لـ"بكرا": الوساطة او ما يسمى بجلسات الجيشور، هي مسار طوعي وليس اجباري، يستطيع الانسان ان يختار ان يذهب الى الوساطة او التحكيم ولكن عندما يتوجه الى المحكمة فانه يطلب ان تقوم المحكمة بصفتها درجة قضائية بان تقضي بنزاعه فتقرر ان كان لديه حق او عليه، انا أتصور ان هذا التوجه الذي يأتي به القانون هو توجه قسري يعيق العمل القضائي ويؤثر على القضاة ويحد من صلاحياتهم، لان هذا الامر ينبغي ان يكون من صلاحيات القاضي حيث عليه ان يوزان الأمور ويقدرها اما ان تحل القضية التي امامه بواسطة الوساطة او انها بحاجة الى قرار قضائي، القاضي يرى كيف ينبغي ان يتم التعامل مع القضية او النزاع المطروح امامه، ولكن لا يجوز ان يأتي القانون وان يجبر الشخص ان ينتظر حتى تقرر الوحدة القضائية المكونة من موظفي شؤون اجتماعية ان تقرر له ماذا يفعل.

ونوه قائلا: أرى ان من خلال سن هذا القانون يكون هناك تداخل بين السلطات، أي ان السلطة التشريعية تحول دون عمل وومارسة السلطة القضائية لعملها وتمنع المواطن من التوجه للسلطة القضائية وتعطي صلاحية استثنائية لموظفي الشؤون الاجتماعية بان يقوموا باتخاذ قرارات قد تكون مصيرية، وبطبيعة الحال عندما يمنع المواطن من ان يستطيع ان يستفيد من التدابير المؤقتة كالنفقة المؤقتة او أي تدبير مؤقت مثل السفر وغيره وهذا أيضا يعتبر وضع حاجز امامه لبلوغ العدالة.

القانون يمس بحقوق الانسان ويؤثر نفسيا على المواطن..

وعن حيثيات سن القانون قال ناطور: القانون يعتبر سوء فهم لمسار التوفيق او الجيشور، حيث ان هذا المسار يعتبر مسألة ثقافة ويشير الى كيف ممكن للمجتمع ان يتعامل مع نزاعات تنشب في داخله، وقد ورد في القرآن الكريم ايات تشير الى الصلح والتحكيم، الصلح هو خير لان الأطراف يتوصلون الى الحلول وليس القاضي، في حين ان بروفيسور بوساندا من جامعة هارفرد طور فكرة الصلح والتحكيم وادخل عليها تجديدات وتحديثات ثم قارنوها بالمحكمة وسموا المحكمة باسم "المحكمة متعددة الأبواب"، حيث يتقدم المواطن بدعواه للمحكمة ويكون هناك موجه للدعوى الى الجهة التي راها مثل التحكيم او التوفيق والصلح او القضاء او المفاوضات، لذا جعلوها جزء من العمل القضائي.

وأضاف ناطور قائلا: يحاولون من خلال سن هذا القانون تخفيف الضغط عن القضاة والمحاكم، ولكن يأتون بالحل الذي يشكل مشكلة، يحاولون حل المشكلة بخلق مشكلة أخرى لانها تضع حاجزا امام المواطن بالوصول الى الدرجة القضائية ونيل حقوقه بالعدل، والعدل يجب ان يكون سهل المنال وان لا يكون منوطا بدفع مصاريف كثيرة وان يمر المواطن من خلال انفاق طويلة. القانون ممكن ان يرسخ الخصومة والنزاع ويؤخر حله مما يضيف ويزيد من معاناة الشخص ويتسبب بمعاناة نفسية أيضا، نحن نضع على الناس أعباء لا يستطيعون ان يحملوها.

واختتم قائلا بما يتعلق بنجاح عريضة الاعتراض على القانون حيث اكد بانه ممكن ان تمر هذه العريضة حيث ان هناك أساس للادعاءات الموجودة في العريضة مثل المساس بحقوق المواطن مثل رفضه الانتظار والتوجه الى الوساطة والتحكيم.

اميمة حامد: القانون كارثة بكل المقاييس لانه يمس من حرية التقاضي للأطراف.. وحريات أخرى..

بدورها، المحامية اميمة حامد قالت معقبة على القانون لـ"بكرا": قانون خطير جدا حيث انه يؤكد من جهة انه على المواطن قبل التوجه الى أي جهة قضائية عليه ان يمر بمسار اجباري عبارة عن أربع جلسات تحكيم او وساطة بينه وبين الطرف المخاصم، من ناحية مناسب جدا وامر جيد ان يكون هناك توفيق او تحكيم بين الأطراف المتخاصمة في العائلة ولكن هذه المسألة لا تناسب جميع الحالات او النزاعات، كما انه ممكن ان يشكل هذا القانون خطر من خلال تداخل الصلاحيات، حيث انه سيحد من التوجهات الى المحكمة الشرعية او أي جهة يختارها المواطن الامر الذي يمس بحرية التقاضي، كما انني لا استطيع ان اقدم توجهات مستعجلة عبارة عن مسارات قبل الوساطة او التحكيم، حيث ان هناك حالات تحتاج الى تصرف آني ومسارات آنية وهذا القانون لا يسمح استعمالها.

وتابعت حامد لـ"بكرا": كانت الكنيست قد قررت سابقا تمرير هذا القانون بدءا من أيلول الماضي ولكن تم تأجيله، علما ان نقابة المحامين قامت بإدخال بعض التحسينات والتغييرات في بنود القانون، وانا انضممت للعريضة لانني اعتقد انه كارثة كما انه يشكل ضغط كبير على العاملين الاجتماعيين لانهم لا يستطيعون القيام بهذا العمل كله.

ونوهت: القانون موجه للمس بصلاحيات المحاكم الشرعية، لانه يمنع التوجه للمحاكم الدينية كما انه يحد من حرية التقاضي للأطراف ويمنع الطلبات المؤقتة مثل الحضانة وغيرها، ويجبر التوجه الى وساطة وتحكيم قسري حيث انه ينص على اربع جلسات وساطة اجبارية قبل بداية جلسات المحكمة، كما يمس بحرية عمل المحامي حيث ان المحامي لا يستطيع ان يتواجد في جلسات الوساطة الأولى فقط بعد انتهاء الجلسات وفي المحكمة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com