تتعدد أشكال وأوجه التضييقات وتزوير وتشويه التاريخ التي تشنها حكومة نتنياهو (بنيامين نتنياهو) على الجماهير العربية في فلسطين الـ48، وفي مقدمتها حملات التضليل التي تمارسها المؤسسة الإسرائيلية بكافة أذرعها، سواءً الأمنية أو التربوية، لتشويه الحقائق التاريخية المتصلة بالصراع، وبالظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني، وفي هذا الإطار اعتمدت وزارة التعليم الإسرائيلية برئاسة الوزير المتطرف نفتالي بينت، زعيم حزب ( البيت اليهودي )، الطبعة الجديدة من كتاب ( المدنيات – أن نكون مواطنين في دولة إسرائيل)، الذي يلاحَظ فيه حضورًا بارزًا لمفاهيم ومواقف أقطاب الصهيونية الدينية واليمين في إسرائيل، وتمت الصياغة النهائية للكتاب تحت إشراف أكاديمي واحد يدعى د. افيغاد بكشي المقرب من دوائر اليمين في إسرائيل، ويتحدث الكتاب عن ما يسميه بــ "الحق التاريخي لليهود على أرض إسرائيل"، ويدعي بأن قيام دولة إسرائيل "جاء ترجمة للوعد الإلهي وإستجابة لتطلعات الأنبياء"، وأنّ "علاقة وحق اليهود في أرض إسرائيل هما مطلقان"، ويشوه الكتاب في فصوله المختلفة صورة العربي الفلسطيني إلى حد كبير، ويتلاعب بحقائق تاريخية مرتبطة ببدايات الصراع، ولم يأت الكتاب على ذكر المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق البلدات والقرى والمدن الفلسطينية، التي أسفرت عن سقوط آلاف الشهداء، وأدت إلى تهجير أبناء شعبنا من أرضهم، كما لم يتطرق الكتاب إلى المستوطنات الإسرائيلية ولو بكلمة واحدة، بالإضافة إلى عشرات الأكاذيب والإدعاءات الباطلة والروايات الملفقة التي يزخر بها الكتاب، الأمر الذي دفع إلى مطالبات بعدم تبنيه وتدرسيه في مدارسنا العربية. 

الاتحاد القطري للجان أولياء الأمور العرب يدعو لمقاطعة كتاب المدنيات الجديد

وفي هذا السياق، وجه الاتحاد القطري للجان أولياء أمور الطلاب العرب دعوة لجميع الطلاب الثانويين العرب لإعلان مقاطعة كتاب المدنيات، لما يحتويه من مغالطات وتزييف للحقائق وتحريض على المواطنين العرب في البلاد.

وقال رئيس الاتحاد، المحامي فؤاد سلطاني لـ "بكرا": إن الكتاب هذا، الذي بدأ إعداده في زمن الوزير السابق، جدعون ساعر، وانتهت صياغته زمن الوزير الحالي، نفتالي بينت، تتويجٌ لأجندات سياسية يمينية متطرفة وتوجهات عنصرية، تهدف لتكريس فكرة الدولة اليهودية على حساب الدولة الديمقراطية، وأنه لا تناقض بين كون الدولة يهودية وكونها ديمقراطية، وهذا يتنافى مع أسس الديمقراطية الحديثة.

وأضاف سلطاني: أن الكتاب يتجاهل وجود العرب في البلاد، ويشوّه صورتهم ويفرض الرواية الصهيونية الدينية وعلاقة اليهود وحقهم الديني والتاريخي في البلاد منذ آلاف السنين.

وانتهى سلطاني إلى القول: علينا عدم السماح بتشويه وعي أبنائنا وبناتنا، لذا، أدعو جميع الهيئات الفاعلة في المجتمع العربي، وعلى رأسها لجنة المتابعة، للعمل على إعلان موحد برفض هذا الكتاب الخطير مهما كلّف الثمن.

"دراسات" نعمل على خلق منهاج بديل 

بدورها انضمت دالية حلبي، مديرة مركز دراسات المركز العربي للحقوق والسياسات، إلى المطالبين بعدم تبني هذا الكتاب، وقالت لـ "بكرا" في السياق: كتاب المدنيات بصيغته الجديدة يؤكد على الجوانب القومية والاثنية اليهودية لدولة إسرائيل بروح طروحات اليمين السياسي الحاكم على حساب الجوانب الديمقراطية والليبرالية وهو يعكس بالمجمل التوجهات اليمينية الانية التي تسود البلاد والتي تتميز بتوجهات قومجية معادية للعرب.

وأضافت: الكتاب الجديد ينطوي على قصورات عدة هدفها تصميم وعي التلاميذ باتجاه قومي يهودي لدى الطلاب اليهود ومحو وطمس الهوية العربية الفلسطينية لدى الطلاب العرب. يتعامل الكتاب مع الأقلية العربية الفلسطينية في البلاد وفق توجهات متقادمة ويعتبرها مجموعة من الطوائف الدينية خلافا للكتاب في مرحلة سابقة الذي تبنى طروحات أكاديمية وتنظيرية تتحدث عن أقلية عربية فلسطينية في إسرائيل. يفعل الكتاب ذلك من خلال تضمنه لمعلومات تاريخية وتفاصيل غير صحيحة البتة فيما يتصل بالأقلية الفلسطينية. بل يحاول الكتاب بوضوح التشكيك بوجود أقلية فلسطينية أصلانية. ففي الفصل الثامن مثلا، هناك معلومات غير صحيحة عن هجرات عربية إلى فلسطين تزامنت مع هجرات يهودية من أوروبا.

وأوضحت: يؤكّد الكتاب الجديد على الأبعاد الإثنية والقومية لفكرة المواطنة بحيث أن رسالته الواضحة تنص على وجود نوعين من المواطنين: الذين ينتمون للدولة تبعا لهويتهم اليهودية والذين ينتمون بدرجة أقلّ ـ وهم غير اليهود. ومن الجدير ذكره هنا انه لم يُشارك في وضع الكتاب الجديد أي أكاديمي أو مرب عربي علما بأن الكتاب مشترك للمدارس العربية واليهودية. بل أن جميع من كانوا شركاء في مشروع الكتابة انسحبوا بسبب إملاءات وزارة المعارف المتصلة بمضامين الكتاب الاشكالية. والأمر صحيح بالنسبة للمستشارين الاكاديميين الذين لم تؤخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار فرفضوا أن تُدرج أسماؤهم على الكتاب.

وانهت بقولها: في ضوء إفراغ موضوع المدنيات من رسائله التربوية وحصرها في رسائل تخدم اليمين في إسرائيل نعكف في مركز دراسات في الأشهر ألاخيرة على تطوير مضامين بديلة في موضوع المدنيات. ويُشار إلى أننا أسسنا مشروعنا هذا على نتائج استطلاع رأي في أوساط العديد من مدرسي ومدرسات موضوع المدنيات. وقد أجمعوا على وجود إشكاليات في المنهاج التعليمي في المدارس العربية في أساسها تغييب مواضيع تتصل بانتماء التلميذ العربي وهويته وروايته التاريخية.

الفلسطينيون العرب في اسرائيل من التغييب الی التشويه 

 المربي عمرو اغبارية والذي سبق واستقال من اللجنة المهنية لموضوع المدنيات باعقاب إصدار ملف المصطلحات واليوم يرأس لجنة صياغة المصطلحات البديلة لمصطلحات كتاب الوزارة، قال لـ "بكرا": وان كانت الرواية الفلسطينية حاضرة شكليا فقط فهي مغيبة جوهريا وفعليا. فالكتاب الجديد يورد انصاف حقائق عن الصراع العربي الاسرائيلي وعن الايام التاريخية والقومية الهامة للاقلية الفلسطينية في اسرائيل، فهو يتبنی بالكامل الرواية الصهيونية مع تغييب ملحوظ للرواية الفلسطينية لا سيما في ظل التغييب الفعلي للمعلمين، المرشدين والاكاديميين العرب من المشاركة في كتابة مضامين الكتاب الجديد.

وأوضح اغبارية:  لدينا الكثير من الملاحظات على كتاب الوزارة، الذي لا زال يتوجه للطلاب العرب والمعلمين العرب بشكل عدائي جدا، بمعنى يتم تجاهل الرواية الفلسطينية في كل ما يتعلق بالأحداث التاريخية، النكبة الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي، مرورا بيوم الأرض وانتهاء بأحداث انتفاضة الأقصى، الكتاب يحمل في كثير من الأحيان اتهاما للعرب بأنهم أسباب الصراع، يتم الإشارة إليهم برفض قرار التقسيم على المستوى التاريخي، وإشارات تلمح إلى ان العرب هم المذنبون بأحداث انتفاضة الأقصى والتي يطلق عليها الكتاب اسم "أعمال شغب أكتوبر" ويتم مصطلحات عديدة عدائية، مثل تعريف المسيحيين على أنهم "مسيحيين ناطقين بالعربية"، وكذلك يصنف الدروز كدين منفصل عن الإسلام، ويتم التعامل مع تعريفات لا يمكن قبولها مثل "محمد مؤسس الإسلام" بدون أي احترام للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وهذا فيه مس كبير لمشاعر المسلمين.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com