قالت أمي شيئاً عن الجولان، في حزيران العام 1967، وقال نتنياهو شيئاً في نيسان العام 2016. ماذا قالت أمي إلى لاجئي الجولان في مخيمات حقول الزيتون ببلدة دوما قرب دمشق؟ «عزّرتهم وأنّبتهم: ويلكم قدامكم، ليش هجّيتوا من دياركم.. ما تعلّمتم منّا.. يمكن بدكم 100 سنة تتعودوا إلى بلادكم»! آنذاك، كان عمر أمي ـ رحمها الله ـ (66 سنة)، وفي عام «النكسة» كان عمر نتنياهو (17 سنة)، وعندما صار له من العمر (66 سنة) ذهب إلى الجولان، وعقد فيها للمرة الأولى جلسة لحكومته، وقال: إلى الأبد سيبقى الجولان جزءاً من إسرائيل.

السنة «الجاي»، سيمرّ نصف قرن على احتلال الجولان وسيناء والضفة الغربية، وفي العام 1982 ذهب إلى النسيان قول بطل إسرائيل في حرب الاحتلال 1967، موشي دايان، قبل معاهدة «كامب ديفيد»: شرم الشيخ بلا سلام، أحسن من سلام بلا شرم الشيخ! حسناً، في العام 2005 ذهب إلى النسيان قول أريئيل شارون: «حُكم مستوطنة نتساريم مثل حُكم تل أبيب» يعني: إلى الأبد! أخلت إسرائيل في 21 نيسان 1982 فخر أكبر مستوطناتها في سيناء، وكانت تخطط لتصير «ياميت» ثالث المدن بعد تل أبيب ويافا، ليصير سكانها ربع مليون نسمة.

صيف العام 2005 أخلت إسرائيل مستوطنة «نتساريم» وأربع مستوطنات أخرى، ومعسكرات جيش الاحتلال. في نقاش إسرائيلي صحافي، بعد تصريح نتنياهو عن «الأبد» في الجولان كانت هناك بضع نقاط أبرزها: هل يوجد احتلال إلى «الأبد» حتى بعد نصف قرن عليه؟ والثانية وهي الأهم: الفارق بين احتلال الضفة واحتلال الجولان هو أنه لا يوجد فلسطينيون (أي سوريين) في الجولان.

بعد أيام من إعلان نتنياهو «تأبيد» احتلال الجولان (المقسوم 1250 كم تحت الاحتلال و550 كم تحت السيادة السورية) ذهب إلى موسكو، وقيل إنه أثار مع بوتين وجود تشابه بين الاحتلال الروسي لجزر الكوريل اليابانية، بعد الحرب العالمية الثانية، والاحتلال الإسرائيلي للجولان! إذا كانت موسكو ترفض إعادة الجزر اليابانية المحتلة، حتى بعد السلام مع اليابان، فلماذا تعيد إسرائيل الجولان إلى البلد الأم؟. لا أعرف إن كان هناك، الآن، يابانيون في جزر الكوريل، أم أن روسيا مارست التطهير العرقي، الذي فشلت إسرائيل في ممارسته تماماً بعد إقامتها، ثم بعد احتلالها الضفة الغربية.. ولكنها تحلم به.

لماذا وقّت نتنياهو تصريحه حول مستقبل الجولان في نيسان؟ هل لامتحان دور موسكو في المفاوضات الدولية حول مستقبل سورية المفككة، وتطوير التنسيق معها لتلافي صدام بين البلدين في الأجواء السورية؟ الجولان المحتل شبه خال من سكانه السوريين، لولا آلاف من السوريين الدروز، لكنه لأسباب أخرى شبه خال من الاستيطان اليهودي، الذي يتركز في مستوطنة «كتسرين»، حيث تخطط إسرائيل لرفع سكان المستوطنة، التي أقيمت فوق خراب قرية «قصرين» السورية، من 8 آلاف حالياً إلى 20 ألفا العام 2020. يريد نتنياهو القول للمستوطنين، إن مصير مستوطنة «كتسرين» لن يكون كمصير مستوطنة «ياميت» في سيناء، أو مستوطنة «نتساريم» في غزة.

تأخّرت موسكو أياماً، بعد لقاء بوتين ـ نتنياهو، لتعلن أن موقفها من احتلال إسرائيل للجولان لم يتغير، وسبقتها أوروبا والأمم المتحدة والولايات المتحدة في الإعلان أن مستقبل الجولان سيحلّ في مفاوضات لاحقة، كما هو حال مستقبل «القدس الموحدة للأبد» ومستقبل الضفة الغربية و»الحل بدولتين» الذي تقضمه إسرائيل شيئاً فشيئاً! يشكل إعلان «تأبيد» الاحتلال الإسرائيلي للجولان، أيضاً، رداً على مؤتمر دولي موسع ستنظمه فرنسا، آخر أيار المقبل لاستئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، على قاعدة المشروع السعودي/ العربي للسلام 2002، وتطبيع العلاقات العربية والإسلامية مع إسرائيل، إذا انسحبت من الأراضي العربية المحتلة، في الضفة والجولان! إسرائيل تقول، الآن، إنه مهما كانت نتيجة المؤتمر الدولي، الذي ستنضم إليه فلسطين وإسرائيل لاحقاً، فإن الضفة الغربية ستبقى، إلى أمد غير محدّد، تحت السيادة الأمنية العليا الإسرائيلية، بل وأن «حصانة» المنطقة السيادية الفلسطينية من التغلغل والإغارات الإسرائيلية ستبقى معلقة في الوقت الراهن. هناك في القانون الدولي فوارق بين استيطان إسرائيل، الذي انتهى في سيناء، واستيطان إسرائيل في الجولان، الذي لن يكون «إلى الأبد» والاستيطان اليهودي المتمادي في الأراضي الفلسطينية، لأن سيناء والجولان كانتا أرضاً عربية لدولتين ذات سيادة.. ولم تكن هناك فلسطين سياسية أو سيادية.

الشعار العربي والدولي: «الأرض مقابل السلام» تم تطبيقه في سيناء، ولم يطبق في الجولان، لأن دمشق رفضت قبول نموذج «كامب ديفيد» المصري ـ الإسرائيلي في علاقتها بإسرائيل، التي تقول إن سورية بادرت إلى الحرب وخسرتها، وعليها أن تدفع ثمن الخسارة، كما دفعت ألمانيا ثمن خسارتها في حرب بادرت إليها، أو اليابان التي خسرت الحرب وجزر كوريل، أيضا. بإعلانها «تأبيد» احتلال الجولان تلتقي سياسة إسرائيل مع الحركات الإسلامية الجهادية التي تسعى إلى إعادة النظر في خرائط سايكس ـ بيكو. العالم يشنّ حرباً ضد «إرهاب» الحركات الإسلامية للحدّ منها أو اجتثاثها، لكن دول سايكس ـ بيكو ستخضع لإعادة هندسة داخلية. في هذه الفوضى الخلاقة ـ غير الخلاقة، انتهزت إسرائيل الفرصة لتعلن أنها معنية بإعادة رسم خارطة سايكس ـ بيكو مع سورية. ماذا عن فلسطين؟ صارت حقيقة سياسية دولية حيّة لا يمكن إلغاؤها، لكن المشوار طويل قبل صيرورتها حقيقة سيادية حيّة.. وترزق!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com