مع ولادة طفل جديد لأسير يمضي أحكامًا عالية خلف قضبان السجون الإسرائيلية، تولد حياة جديدة ويتعزز الأمل بالحرية المنشودة، في تحدٍ مستمر بين أسير يتوق للحرية، وسجان يسعى جاهدًا لجعل السجن مقبرة لأحلامه وأمله بالحياة.

وبعد سنوات طويلة من الجدل والنقاش، حسم الأسرى أمرهم بالإنجاب عن طريق نطف يهربونها بأساليب إبداعية تتحدى إجراءات الاحتلال، لتصل أخيرًا إلى زوجاتهم، بعد أن حالت بينهم أسوار السجون والأحكام العالية.

أكثر من 52 طفلا أنجبهم نحو 40 أسيرًا بواسطة النطف المهربة على مدى أربع سنوات، بحسب الدكتور سالم أبو خيزران مدير مركز رزان لأطفال الأنابيب والعقم في نابلس.

ويشير أبو خيزران في حديثه لوكالة "صفا" إلى أن الإقبال على زراعة أطفال الأنابيب عبر النطف المهربة تراجع بعض الشيء مؤخرًا، لكنه مستمر.

ويعزو هذا التراجع إلى تحقق هدف الكثير من الأسرى بالإنجاب من جهة، وصعوبة التهريب بسبب تشديد إجراءات الاحتلال، من جهة أخرى.

ومنذ نجاح أول عملية زراعة أطفال أنابيب بالنطف المهربة، يتكفل مركز رزان بإجراء عمليات الزراعة لزوجات الأسرى مجانًا، ويعتبر ذلك جزءًا من مسؤوليته المجتمعية تجاه الأسرى وزوجاتهم.



أرقام ودلالات

عدد الأطفال الذين أتوا من النطف المهربة، وغيرهم العشرات في أرحام أمهاتهم بانتظار الولادة، وعشرات النطف المجمدة بانتظار عمليات الزراعة، يحمل دلالات هامة، كما يرى رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة.

ويعتبر فروانة في حديثه لوكالة "صفا" أن ابتداع الأسرى لهذه الطريقة يشير إلى أن الأسرى لم يستسلموا للواقع المرير داخل السجون، وأنهم رغم العراقيل التي تضعها إدارة السجون يصرون على مواصلة حياتهم الطبيعية وممارسة حقوقهم الإنسانية.

كما إنها تشكل انتصارًا آخرًا يضاف لانتصارات الحركة الأسيرة على السجان الذي يحاول تحويل السجون إلى محطة لتدمير حياة الأسير، وتحيي الأمل لدى الأسير بأن السجن ليس نهاية المطاف، وعلى الجانب الاجتماعي فهي تعزز الاستقرار داخل الأسرة.

ويشير فروانة إلى أن إنجاب الأسير بات يحظى بحاضنة اجتماعية ووطنية، بخلاف ما كان عليه الحال قبل 20 سنة، وهذا يشكل برأيه تطورًا على مستوى التعاطي الاجتماعي مع هذه القضية، بسبب إدراك الجميع لأهمية الإنجاب للأسير.

لكن فروانة يرى أن الإنجاب عبر النطف المهربة ليس بديلا عن حرية الأسير، وإنما هو حل مؤقت إلى حين الحل الشامل المتمثل بحرية جميع الأسرى، شأنه شأن تحسين الأوضاع المعيشية للأسرى داخل السجون.

أبواب السعادة

تشعر دلال الزبن، زوجة الأسير عمار الزبن من مدينة نابلس، بالفخر كونها أول زوجة أسير تخوض تجربة الحمل عبر النطف المهربة من خلف أسوار السجون، لتفتح بعدها الباب على مصراعيه أمام الأسرى وزوجاتهم لتكرار التجربة.

وتقول الزبن لوكالة "صفا": "أشعر بالسعادة أنني فتحت أبواب السعادة على بيوت الأسرى، وعندما أرى السعادة على وجوه زوجات الأسرى، أحمد الله الذي أكرمنا بهذه النعمة".

في عام 2012 أنجبت الزبن ابنها الذكر الأول "مهند" وأتبعته بعد عامين بشقيق له هو "صلاح الدين"، لينضما إلى شقيقتين ظَفَر بهما الأسير الزبن المحكوم بـ 27 مؤبدًا، قبل اعتقاله عام 1998.

وتقول الزبن: "بعد ولادة مهند ثم صلاح الدين، تغيرت حياتنا للأفضل، ودبّت الحياة في بيتنا من جديد".

وتشير الزبن إلى السعادة الكبيرة التي بات يشعر بها زوجها، وتنقل عنه قوله لهم: "كنت أشعر أنني في قبر، أما الآن فأشعر أنني أعيش معكم ولست في السجن".

الطفل مهند، الذي لم يكمل عامه الرابع بعد، يحفظ سيرة والده عن ظهر قلب، ويباهي بها أقرانه الأطفال، رغم أنه لم يلتق بوالده سوى مرتين وهو في شهوره الأولى.

ولا ترى الزبن أي أثر سلبي لإنجاب أطفال بغياب آبائهم إلى أجل غير مسمى في السجون، طالما كانت الأم إلى جانبهم وقادرة على منحهم ما يحتاجونه من عطف وحنان.

وتقول: "عندما اعتقل عمار كان عمر ابنتي "بشائر" سنة واحدة، وكنت حاملاً بابنتي الثانية "بيسان"، ورغم ذلك فهما تكنّان محبة لا توصف لوالدهما".

محاولات إفشال

وأمام إرادة الأسرى، وبعد نجاح العشرات منهم بتهريب نطفهم، شرع الاحتلال بوضع العراقيل لإفشال عمليات التهريب بشتى الوسائل، تارة بمعاقبة الأسير بالعزل الانفرادي والغرامات، وتارة بمعاقبة زوجته بحرمانها من تصاريح الزيارة، وتارة أخرى بعرقلة إصدار شهادة ميلاد لطفله.

وتبدي الزبن استغرابها لإصرار الاحتلال على حرمان الأسير من الإنجاب، وتقول: "لا أدري ما هو الخطر الذي يشكله طفل رضيع على أمن الاحتلال!".

وتعتقد أن الاحتلال يريد إحباط الأسير، وسدّ كل الأبواب في وجهه، ودفعه لفقدان الأمل، وتضيف: "يريدون أن يقولوا للأسير إننا سجناك، وسنقضي على حياتك".

يتفنن الاحتلال في ابتكار أساليب وممارسات تجعل من السجون جحيمًا لا يطاق، وينجح الأسرى بالمقابل وباستمرار في ابتداع الأساليب التي تعينهم على مواجهة سياسات الاحتلال، فهي حرب سجال لن تنتهي إلا بأن ينال الأسرى حريتهم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com