يحيي أبناء شعبنا الفلسطيني اليوم الذكرى الـ40 ليوم الأرض الخالد، اليوم الذي هبت فيه الجماهير العربية رافضةً لمخططات المصادرة العنصرية وتهويد الجليل ومعلنة الإضراب العام والشامل والاحتجاج الواسع، الأمر الذي قوبل حينها اجتياح اسرائيلي لعدد من البلدات العربية مما أسفر عن ارتقاء 6 شهداء وإصابة العشرات. (الفيديو لفيلم تقريري أعدته قناة الجزيرة عن يوم الأرض).

وأعلنت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الإضراب الشامل اليوم، كذلك تقام اليوم في سخنين وفي النقب، عند الرابعة عصرًا مظاهرات مركزية تنظمها لجنة المتابعة ويشارك بها الآلاف، الكبار والصغار، فالصغار في شعبنا لم ولن ينسوا أبدًا، على عكس ما ظنه قادة إسرائيل ومؤسسيها.

 

الاستطلاع .. والنتائج الكارثية
يحيي أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل هذا العام يوم الأرض، في ظل عنصرية باتت متفشية بشكل وقح ضده، في فترة بات المواطن العربي يواجه الخطر في كل مكان وكل زمان داخل دولة إسرائيل، في فترة صار الشارع العربي يعلن بشكل واضح أنه بات يخاف الخروج حتى للتنزه أو التسوق، فقد أظهر الاستطلاع الذي أجراه موقع "بـُكرا" مؤخرًا، أن 78% من أبناء المجتمع العربي بالداخل باتوا يخافون أن يخرجوا للتنزه أو التسوق، وأن 86% منهم أن الاعتداءات العنصرية ضدهم بالشارع الإسرائيلي متوقعة، إضافة للمعطيات حول تأثير الأمر على وضعهم الاقتصادي وحول الوضع الاقتصادي بشكل عام للمجتمع العربي، ومعطيات أخرى مقلقة اثارت ضجة واسعة في الشارع، بين السياسيين العرب وحتى اليهود اليساريين، حيث أكدوا جميعًا ان هذه المعطيات الخطيرة يجب ان تشكل هزة في الحكومة الإسرائيلية، ولكن .. لا حياة لمن تنادي.

انتفاضة الإعدام الميداني
يحيي أبناء شعبنا الفلسطيني هذا العام يوم الأرض، في أوج الانتفاضة الثالثة، التي اسفرت حتى الآن عن استشهاد 209 فلسطينيًا بينهم 128 أعدموا على خلفية تنفيذ عمليات طعن أو دهس أو اشتباه بأيهما، منهم 70 على حواجز ونقاط عسكرية، وقسم كبير من الشهداء الـ209 هم أطفال دون سن الـ18 ونساء، هذا بالإضافة إلى إصابة المئات من الفلسطينيين، انتفاضة بدأت على اثر الانتهاكات المتكررة للمسجد الأقصى وللقدس الشريف من قبل قطعان المستوطنين الذين تحميهم قوات الأمن الإسرائيلية، واشتعلت أكثر بسبب الاستيطان والضغط والإذلال بالتفتيش وأمور كثيرة اخرى، انتفاضة أظهرت للعالم أكثر وبسبب التطور التكنولوجي النهج الذي تتصرف به القوات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وعمليات الإعدام بدم بارد التي تحصل وآخرها كان ما حصل يوم الخميس الأخير حينما قام جندي إسرائيلي بقتل شاب فلسطيني ملقى على الأرض اثر إصابته من قبل برصاص الجنود بدعوى محاولة الطعن، قتله بدم بارد وهو مصاب وملقى منذ دقائق، أطلق النار فجأة على رأسه، جندي عنصري قرر أن يعدم هذا الشاب بسهولة، فاعدمه، وقد قامت القوات الإسرائيلية باعتقال الجندي وتمديد اعتقاله بالأمس، إلّا أن قوى عديدة ومنها أعضاء كنيست خرجوا ليدافعوا عنه ويحللوا الإعدام الميداني للفلسطيني، عنصرية وحشية لا ندعي أنها لم تكن موجودة من قبل، ولكن على الأقل هي الآن أصبحت معلنة وأصبحت رأي الأغلبية في الشارع الإسرائيلية. 

يحيي أبناء شعبنا الفلسطيني هذا العام يوم الأرض، ويدهم ممدودة كما كانت دائمًا للسلام وللتوصل للحل العادل، ولكن اليد الأخرى، التي ما زالت تحتل وتقتل ترفض هذا السلام بل وتزيد من الاحتلال والظلم لتتسبب أكثر بثوران الشباب الفلسطيني، لتقتله وتقول أنها تدافع عن نفسها، وتلقى تأييدًا كبيرًا من الشارع، الشارع الذي بات يخوّن ويهدر دم اليهودي اليساري أو المعتدل إذا طالب بالسلام أو بالمساواة.

أكبر المصائب
ورغم أن الأمور التي ذكرت أعلاه كلها مؤسفة ومحزنة، كلها مصائب، إلّا أنها لا تساوي شيئًا بجانب المصيبة الأكبر، وهي أن القضية الفلسطينية ما عادت قضية العرب الأولى، حيث أن الشعب الفلسطيني يحيي هذا العام الذكرى الـ40 ليوم الأرض الخالد، وقضيته الفلسطينية التي كانت قضية العرب الأولى والأهم، ما عادت كذلك، فالعالم العربي غارق بأزماته وفتنه الخطيرة، بدءًا من سورية التي كانت دائمًا حاضنة للقضية الفلسطينية والمقاومة والتي تعيش حربًا قاتلة منذ 5 أعوام، رغم أن الغمامة بدأت تزول والحل السياسي بات ممكنًا. مرورًا بالعراق الذي دمره الاحتلال الأمريكي منذ 2003 وما زال ينزف جراح الإرهاب والدمار، وصولًا إلى مصر التي لم تعرف الاستقرار منذ أن اعلن ما يسمى "الربيع العربي" ووصولًا لدول المغرب العربي الذي يضربها الإرهاب من حين الى آخر .. يحيي شعبنا الفلسطيني يوم الأرض في وقت ضاعت فيه بوصلة العرب، أو قسم كبير من العرب، فصار العدو صديقًا، حيث أن بعض الدول العربية وخصوصا دول الخليج باتت تغازل إسرائيل بشكل علني وحتى جهات أخرى، آخرها كان زعيم تيار الغد السوري المعارف، أحمد الجربا الذي غازل اسرائيل وراسلها بشكل علني، وبنفس الوقت بات بعض العرب يكفّر ويخوّن ويصف المقاوم الحقيقي بالإرهابي ويصمت عن إرهاب الإرهابي الحقيقي، بل ويدعمه. يحيي أبناء شعبنا الفلسطيني هذا العام الذكرى الـ40 ليوم الأرض في اسوأ فترة تعيشها الأمة العربية منذ مئات السنين، ويحارب شعبنا السياسات العنصرية وحيدًا، ليثبت لنفسه قبل العالم (الذي ما بات يعرف العدل)، أنه شعب الصمود والقوة والإصرار، الرحمة لشهداء يوم الأرض، ولكل شهداء شعبنا الفلسطيني، بدءًا من اولئك الذي حاربوا منذ البداية ضد احتلال شعبهم من قبل كل محتل مر على هذه الأرض، وصولًا للذين لم تجف دمائهم بعد. يوم الأرض. 

يوم الأرض .. الخلفية التاريخية
تعود أحداث يوم الأرض الفلسطيني لعام 1976 بعد أن قامت السلطات الإسرائيلية بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذو أغلبية سكانية تحت غطاء مرسوم جديد صدر رسمياً في منتصف السبعينات، أطلق عليه اسم مشروع "تطوير الجليل" والذي كان في جوهره الأساسي هو "تهويد الجليل" وبذلك كان السبب المباشر لأحداث يوم الأرض هو قيام السلطات الإسرائيلية بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها في منطقة الجليل في فلسطين التي احتلت عام 48 (وهي القرى التي تدعى اليوم مثلث الأرض) وتخصيصها للمستوطنات في سياق مخطط تهويد الجليل علماً بأن السلطات الإسرائيلية قد صادرت خلال الأعوام ما بين 48-72 أكثر من مليون دونم من أراض القرى العربية في الجليل والمثلث إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولت عليها عام 48 (وهي القرى التي تدعى اليوم مثلث الأرض) وتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطط تهويد الجليل ، عِلماً بأن السلطات الإسرائيلية قد صادرت خلال الأعوام ما بين 48 – 72 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولت عليها عام 48 . وعلى أثر هذا المخطط العنصري قررت لجنة الدفاع عن الأراضي بتاريخ 1/2/1976 م عقد اجتماع لها في الناصرة بالاشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية وفي تم إعلان الإضراب العام الشامل في 30 آذار (مارس) احتجاجاً على سياسية المصادر وكالعادة كان الرد الإسرائيلي عسكري دموي إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية والبلدات العربية وأخذت بإطلاق النار عشوائياً فسقط الشهيد خير ياسين من قرية عرابة، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم التالي 30 آذار انطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين وعشرات الجرحى.

شهداء يوم الأرض هم: خير ياسين، خضر خلايلة، خديجة شواهنة، رجا أبو ريا، محسن طه، رأفت الزهيري .. أشرف الناس هم، في جنات الخلد هم.

ونختم بما قاله الشاعر الفلسطيني الكبير محمود دوريش:

وعلينا ،نحن، ان نحرس ورد الشهداء
وعلينا ،نحن، ان نحيا كما نحن نشاء

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com