استيقظت ليان، صباح اليوم الاثنين 21 مارس، وطلبت من والدها نقودًا لشراء هدية لعيد الأم، لكنها لن تحتفل فيه مع من حملتها في بطنها وهنًا على وهن وسهرت ليالي من عمرها لأجلها.

وبالرغم من عدم تقبل الطفلة ليان الفرا ابنة السبعة أعوام، لفراق أمها الشهيدة، إلا أنها تصرّ على الاحتفال بهذه الذكرى مع من أسمتها "ماما الثانية"، وقلبها الصغير يتألم بصمت على أمها التي "ذهبت إلى الجنة".

وبعد عام ونصف على استشهاد أم ليان في قصف اسرائيلي لمنزلهما بالعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014، بدأت الطفلة مؤخرًا بالخروج من صدمتها لفقدانها أمها "عواطف" وشقيقيها لُجين وعبد الرحمن.

وحينما سألها والدها عن هديتها قالت "سأشتري هدية لماما الثانية، وهدية ماما عواطف سأشتريها عندما نذهب إليها في الجنة".

استشهدت وهي تحملها

ويقول والدها باسم الفرا لوكالة "صفا"، إن ابنته عانت على مدار أكثر من عام بعد إصابتها بشظايا صاروخ إسرائيلي أطلقته طائرات الاحتلال على شقتهما بمدينة خانيونس جنوبي القطاع، وأصيبت خلالها بجراح خطرة.

ويضيف "استشهدت زوجتي في الأول من أغسطس 2014، وهي تمسك بيد ليان وشقيقها عبد الرحمن، وكانت تحمل طفلتي لُجين في حضنها، أثناء استهداف الشقة الساعة الثانية بعد منتصف الليل".

وخلال عدوان "اسرائيل" على غزة صيف عام 2014، دفعت النساء فاتورة عالية، حيث استشهدت 489 أنثى، وشكلنّ 22% من إجمالي شهداء العدوان، وفق إحصائية لوزارة شئون المرأة والمرصد "الأورومتوسطي".

ويستحضر الفرا ذكرى استشهاد زوجته، قائلًا "إن صاروخ استطلاع أصاب زوجتي وأبنائي وتطايرت أجسادهم في الشارع، واستشهدوا، وبقيت لي ليان مصابة بجروح خطيرة برقبتها ويدها وركبتها".

انتظار اللقاء

ومنذ تماثل ليان للشفاء في الفترة الأخيرة، بدأت معاناة الأب بسبب فقدانها لأمها وتعلقها الشديد بها، وذلك بعد انتهاء مأساة إبلاغها باستشهاد والدتها وشقيقيها.

ويقول والدها "طوال فترة مكوثها في المستشفى كنت أكذب عليها كلما سألتني عن أمها وإخوتها، وأقول لها إنهم يتعالجون مثلك، إلا أنها مرة عن مرة اتهمتني بالكذب، وطلبت مني باكية أن أخبرها أين هم".

واضطر والد ليان أن يبلغها باستشهادهم بتلك العبارة التي يستخدمها الكثير من أهل غزة عن الشهداء، قائلًا لها "ذهبت ماما وعبد الرحمن ولجين إلى الجنة".

وهناك كان الوالد أمام سؤال مؤلم من طفلته التي ردت بالقول "ولماذا لم نذهب معهم، ومتى؟"، فقال لها: "حينما يريد الله سنذهب إليهم".

ومنذ تلك اللحظة تنتظر ليان ذلك اليوم الذي تذهب فيه إلى الجنة لرؤية أمها، وهي في عيد الأم الثاني بدونها، تقول "سأحضر لها هدية حينما أذهب إلى الجنة".

وبلغ عدد النساء الشهداء في عدوان الاحتلال عام 2014، ممن هنّ من عمر أقل من 18 عاما نحو 195 امرأة، فيما كان عدد النساء اللواتي تراوحت أعمارهنّ ما بين (18-59) عاما، 251 امرأة، بينما استشهدت 43 امرأة، كانت أعمارهن تزيد على 60 عاما.

وقبل نحو شهر تزوج والد ليان بفتاة أصرّ قبل أن يتزوجها أن تراها ليان وتخبره برأيها فيها، وبدأت الطفلة بمناداة زوجة أبيها بـ "ماما"، قائلة إنها تريد "أن يكون لها أمًا".

وبألم يصف الأب مشاعرًا حزينة في قلب طفلته يشعر بها حتى وإن لم تعبر عنها، ويقول "ليان كتومة عنيدة، في قلبها ألم كبير وكبت ونار منذ فراق أمها وإخوتها".

ويتابع بصوت مهتز "هي فقدت الأمان وبقيت متعلقة بي، حتى أنني في بداية العام الدراسي الحالي داومت معها في نفس معقد الدراسة بسبب رفضها الشديد لفراقي وإصرارها وبكائها لكي أبقى معها على مدار الساعة".

ورفقًا بطفلته، اضطر الوالد أن يبقى معها يوميًا في مدرستها مدة 51 يومًا، وبشكل تدريجي انسحب من صفها إلى ساحة المدرسة ثم إلى غرفة الإدارة، حتى استطاع بمساعدة فريق الدعم النفسي إقناعها بأنه "لن يتركها وسيأتي لأخذها للمنزل".

وخلّف العدوان الإسرائيلي 51% من أيتام الحرب من الإناث، إذ فقدت 37% منهن الأم، فيما فقدت 13% الأب والأم معًا.

حياة أخرى بقلبها

وتحتفظ ليان بما تبقى من ألعابها وألعاب إخوتها الشهداء وهدايا أمها لها في حقيبة خاصة مغلقة، وترفض أن يمسّها أو يأخذها أحد.

ويقول الأب: "ليان تعيش حياة خاصة بها منذ فقدانها والدتها، حياة داخلها في قلبها ترفض أن تحكي تفاصيلها لأحد، وهي في نفس الوقت تحاول أن تعيش هذه الحياة، حتى أنها ملّت البكاء والحزن".

واليوم تعيش الطفلة أجواء "عيد الأم" بين ما تبقى من ذكريات والدتها، وبين زوجة أبيها التي اطلعت على حالتها، وأخذت على عاتقها أن تحاول تعويضها عن المآسي التي سببها لها الاحتلال، بقتله أمها وأشقاءها وهدم منزلهم.

المصدر: صفا

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com