تشق الطالبة ليندا كامل دراغمة بخطواتها المتثاقلة وبصوتها الخافت دربها نحو المستقبل، فتطيح بالمرض وتبطل أوجاعه، وتتنفس العلم والأمل. وبخلاف الأدوات الطبية التي تشاركها حياتها قسراً، وبعكس جهاز التنفس الاصطناعي الذي حكم عليها الشراكة مدى الحياة، إلا أنها تحجز مقعدها الدائم في كلية العلوم الإدارية والاقتصادية بجامعة القدس المفتوحة.

تقول: "نجحت في بناء صداقة متينة ومتناقضة تجمع الكتب الجامعية بالأجهزة الطبية، فلا استطيع الاستغناء عن المعدات التي لا تفارق جسدي، وألتصق بالورق الذي يمدني بقوة الأمل، ويشعرني بأهمية أنجاز واجباتي ودروسي، لأحقق ذاتي واعبر نحو المستقبل، دون النظر إلى ما يشارك جسدي من أنابيب وحقن وأدوات إنعاش ".

أول الأوجاع

بدأت الشابة رحلتها المرة مع المرض بفعل المثانه الارتدادية التي أدت إلى فشل كلوي واستئصال إحدى الكليتين، فتعايشت مع مرضها ونجحت في امتحان الثانوية العامة، وحصلت على معدل 84 في الفرع الأدبي .

تروي: كانت أيام "التوجيهي" فتره ذهبية رغم المتاعب الصحية، وكنت أتمنى زرع كلية في جسدي، وأن لا أصل إلى غسيل الكلى المؤلمة، لكن قدري قادني إلى الوقوع رهينة الغسيل الأسبوعي ثلاث مرات في المستشفى الوطني بنابلس، ووقتها بدأت التنقل بين أسرة المستشفيات ومقاعد الدراسة في فرع الجامعة بنابلس بكل هدوء.

توالي بثت أحزانها: تطور وضعي، ووقعت رهينة انسداد الوريد الرئوي، وأجريت لي أكثر من عملية قسطرة لم يكتب لها النجاح، ما أجبرني على التعايش مع التنفس الاصطناعي اليومي. وبعد فترة انتقلت للعلاج داخل فلسطين المحتلة، ومكثت في المستشفيات الإسرائيلية قرابة الشهرين، وعدت متحررة من جهاز الأوكسجين، إلى أن تعرضت لانتكاسة أخرى جراء حادث سير في طريقي لغسل الكلى.

متاعب دائمة

ووفق دراغمة، فإن وجعها المستدام يكمن في تجمع المياه في البطن والرئتين، ما يؤدي إلى متاعب يومية إضافية، بفعل تجمع المياه أكثر من مرة يوميًا، عبر فتحة دائمة في البطن. وتتنازع على عوالمها أكثر من عشرة أنواع أدوية تصل جوفها كل يوم، فيما يجاور سريرها كتبها وتعينانها وسلاح الإرادة الذي يجعلها تبتسم في أحنك الظروف.

تلخص أوجاعها وأحلامها فتقول: أمنيتي استنشاق الهواء دون أجهزة، فالأكسجين هو أكثر شيء موجود ومجاني وهبه الله لنا، لكنني أفتقده، وأعجز عن الوصول إليه.

تعيش دراغمة مع عائلتها ذات العشرة أفراد كلهم يعملون على راحتها، فأمها ترافقها في رحلات العلاج، ويساعدها شقيقها الصغير عبد الله داخل المنزل بشكل دائم ويومي، وتتمنى لو تستطيع مد يد العون لعبد الله في دروسه.

أحلام جامعية

تروي: لم أدخل الحرم الجامعي منذ ثلاثة أعوام، وأتاح لي نظام التعليم المفتوح فرصة إكمال تعليمي الجامعي، وأنا الآن على أبواب التخرج. وأتمنى أن جلس بين زملائي وزميلاتي لتأدية الامتحانات، والاستماع للمحاضرات. ولا تغيب عني رغبة التجول مع زميلاتي داخل حرم جامعتي، التي تساعدني في توفير كل ما احتاجه، فالامتحان يصلني إلى البيت والمستشفى، بالإضافة إلى ألمساعده في الرسوم الدراسية وهذه خدمات لن أنساها مدى حياتي.

تسكن في لائحة أحلام ليندا بعد التخرج، الحصول على وظيفة مناسبة، وتحقيق أمنيات الطفولة بقيادة سيارة، لكن الجلوس وراء المقود يبدو بعيد المنال؛ لما يحيطني من آلام في ساقي. ولا أنسى حال عائلتي المادي، فوالدي لا يعمل، ويعيلنا أخي، وتضطر العائلة لدفع تكاليف علاج إضافية لا يوفرها التأمين الصحي، أثناء تواجدها في مستشفى النجاح الوطني الجامعي، كالتصوير والمراجعات الأخرى، ما يشكل عبئًا إضافيًا، لم يكن موجودًا في المستشفى الوطني الحكومي.

نداء ليندا

تختتم دراغمة: أحلامي المستعجلة بسيطة، وتشكل حقا طبيعيا لكل أقراني، وأتمنى من وزارة الصحة تبني علاجي حيثما وجد. ووفرت لي الوزارة أثني عشر ألف دولار لزراعة كلية في الهند، لكن المبلغ لم يكن كافيًا، وأقفل الملف؛ لأن العملية تجرى في المستشفيات الفلسطينية في حال توفر متبرع. وأتمنى أن أجد يدًا تساعدني لعبور محنتي المضاعفة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com