أعاد المسن محمد خليفة العمل بماكينة لف الدخان الشامي (العربي)، التي تركها منذ أكثر من عشرين عامًا، بعد الارتفاع "الجنوني" في أسعار السجائر بقطاع غزة.

خليفة (67 عامًا) والذي يعمل سائق أجرة، يُدخن منذ نحو نصف قرن، وكان اشترى تلك الماكينة للف التبغ منذ بدء عمله كسائق قبل أربعين سنة، لكنه اضطر مؤخرًا لاستخدامها بسبب ارتفاع أسعار السجائر الجاهزة.

ورغم معرفته بالأضرار الصحية للدخان العربي، وما يسببه له من سُعال طوال الليل، إلا أنه يدّعي أن جسده بحاجة للنيكوتين الموجود بالدخان ولا يستطيع تركه، وهو موفر اقتصاديًا أيضًا لجيب المدخن.

ويقول لوكالة "صفا": "الإقبال الأكبر على الدخان العربي يأتي من المدخنين الكبار، أما الصغار فلا يحتملونه"، مضيفًا "شباب اليوم مش قدّه. الدخان العربي بده رجال".

ويصل سعر الكيلو غرام من الدخان العربي إلى 150 شيكلًا (40 دولارًا)، ويُعِّد منه المدخن نحو 70 علبة، في وقت وصل فيه سعر علبة السجائر الواحد هذه الأيام إلى 20 شيكلًا(5 دولارات) بعد قرار جمارك غزة زيادة الضريبة على العلبة من 2 إلى 5 شواكل.

وبلغ سعر علبة السجائر قبل الأزمة نحو 14 شيكلًا.

وكانت شهدت أسعارها انخفاضًا ملموسًا إبان فترة عمل الأنفاق الحدودية مع مصر عام 2011، حتى وصلت إلى خمسة شواكل للعلبة.

زيادة الضريبة

وفي الوقت الذي يرى فيه مدخنون أن الارتفاع ناجم عن زيادة الضريبة، يقول مدير عام الجمارك بغزة رائد رجب إنه يرجع لمُحاربة مِصّرية لمهربي السجائر ومشتقاتها.

وكان الجيش المصري دمر منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي أكثر من ألفي نفق على الحدود مع قطاع غزة، وحفر قناة مائية بذريعة تأمين الحدود، وهو ما ألقى بظلاله على إدخال الدخان ومشتقاته على القطاع.

ويذكر رجب في حديثه لوكالة "صفا" أن "الضريبة الجمركية المفروضة على السجائر هي تفعيل للنظام الضريبي المالي المعمول به في الأراضي الفلسطينية والمقر من قبل المجلس التشريعي منذ تشكيله".

ويبلغ سعر الجمرك المفروض على علبة السجائر حسب قانون الجمارك نحو 15 شيكلا ويضاف له ضريبة القيمة المضافة، لكنها تُحصّل من تلك التي تدخل عبر المعابر الرسمية، وفق رجب.

ويضيف "أما جمرك الدخان الذي يدخل عبر الأنفاق؛ فأصبح خمسة شواكل للعلبة، يتم دفعها إلى دائرة الجمارك، والدخان غير المجمرك تتم مصادرته مع تغريم صاحبه".

وقدَّر المسئول حجم استهلاك القطاع من السجائر بنحو 7 مليون علبة شهريًا، إما عبر المعابر الرسمية أو الأنفاق، ويصل جمرك تلك السجائر نحو 35 مليون شيكل شهريًا (9 مليون دولار).

وتُحصّل الجمارك بغزة 60 شيكلًا على كل كيلو من الدخان العربي الذي يدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي.

محاربة الجيش و"الدولة"

ويشتكي تجار السجائر من الضريبة التي تفرضها الوزارات بغزة، ويعتقدون أنها تقلل من شراء بضاعتهم، لكنهم أرجعوا ارتفاع سعرها لأسباب أخرى أيضًا.

ويقول أحد تجار السجائر من غزة- والذي يتواصل مباشرة مع مهربين مصريين- إن أحد أهم أسباب ارتفاع ثمنها هو ملاحقة الجيش المصري للمهربين، بالإضافة لتنظيم الدولة حديثًا.

ويلفت التاجر- الذي رفض الكشف عن اسمه- إلى أن تعامل تنظيم الدولة مع المهربين يختلف اختلافًا كليًا عن الجيش، "فالجيش قد يسجنك، ومن ثم يخرج، لكن التنظيم تعامله فظ وقد يُرديك قتيلًا بدون تفاهم".

وتظهر تسجيلات وصور نشرتها معرفات مقربة من تنظيم الدولة على "تويتر" مؤخرًا إحراقه مجموعة كبيرة من علب السجائر والمواد المخدرة، متوعدًا من يتعامل بها.

ويوضح التاجر في حديثه لـ"صفا" أن هناك تراجعًا في كميات السجائر المهربة إلى القطاع، فقديمًا كان يدخل في الأسبوع الواحد من 1200 إلى 1500 كرتونة، أما اليوم فلا يصل إلا نحو 100 كرتونة.

ويرى أن أسعار السجائر اليوم "معقولة"؛ "فالمهرب والتاجر يتكبدون مخاطرة قد تودي بحياتهم، وهذا ثمن بخس مقابل تعبنا".

وتعد نسبة التدخين بقطاع غزة من أعلى النسب في العالم على الرغم من وجود قانون فلسطيني لمكافحة التدخين (رقم 25/ 2005) والذي يتضمن 17 مادة لمكافحته، وقدّرت إحصائية رسمية في العام 2013 عدد المدخنين بالضفة وغزة بنحو 700 ألف مدخن بنسبة تبلغ 20.5% من مجموع السكان.

ويتسبب التدخين بكثير من المشاكل الصحية، بسبب ترسب المواد المسرطنة في الفم والحنجرة والرئتين، وتعتبر الأمراض الناجمة عن التدخين من أكثر الأسباب المؤدية للوفاة في العالم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com