رحل اليوم الأربعاء عن العالم العربي، الكاتب الصحافي المخضرم محمد حسنين هيكل، رفيق الزعيم جمال عبد الناصر وصاحب الموقف الواحد، وكان المرحوم هيكل قد أطل قبل نحو الشهرين على مشاهديه، مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج «مصر أين وإلى أين» على قناة «سي بي سي»، محللا الأوضاع الراهنة، وكيفية نفاذ البلاد العربية إلى المستقبل، وسط صراع محموم لم ينقطع على مقدرات العالم العربي، الذى شدد على أنه يعانى التمزق والتشتت، وأنه آن الأوان للقوة القادرة فيه للاجتماع على وضع رؤية يمكن من خلالها الانطلاق إلى المستقبل.

وبعد تحدثه عن الأمور المصرية تطرق هيكل للشأن الدولي واعتبر أن هناك حالة واحد يمكن من بعدها للرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل، تتمثل في إيجاد شخصية واحدة في الوطن العربي أفضل من الأسد، معتبرا ان التركيز على سوريا يعود لاعتبارها الجائزة الكبرى في العالم العربي. داعياً للتنسيق والحوار بين مصر وسوريا برئاسة الأسد

الخريطة للعالم العربي في 2016
وعلى سؤال كان كالتالي: كيف تتوقع شكل الخريطة للعالم العربي في 2016، بعد ما حدث في 2015 من ارهاب وسقوط دول وصراع في سوريا والاتفاق مع ايران والمتغيرات في المنطقة، أجاب هيكل: ــ أعتقد أن المشرق العربي معرض لخطر كبير جدا، ليس خطر ايران لأنه آخر خطر قد يقلقني، لكن أعتقد أن هناك أسبابا للضعف، بعضها قد يكون مقصودا، هي منطقة أحلام ومطامع، إسرائيل ليس لها مطامع في جنوب سيناء، لكن الصراع على منطقة الهلال الخصيب وفى قلبها سوريا، وتذكري أنه حتى في عهد العثمانيين كانت سوريا قلب الصراع على مستقبل الوطن العربي، وقد تركناها بمفردها، وأخطأنا في تقديرها وحقها، وقد رأيت هذا بنفسي حتى في حرب أكتوبر 1973، وقت قبولنا بوقف إطلاق النار، وذهبت رجوت الرئيس أنور السادات «لا أستطيع وقف إطلاق النار هنا حتى يتم إبلاغ السوريين»، فقال لي وقتها أبلغهم عبر السوفييت، فقلت اتفقوا معنا على الحرب وتوقيتها ووقت خروجنا علينا ابلاغهم، ولم يكن مستعدا واعتقد أن الوطن العربي سيظل اليوم وغدا وفى الفترة القادمة متأثرا بهذا الموقف الذى انفردنا فيه ودخلنا مع الجميع في قرار الحرب، وخرجنا بمفردنا في قرار السلم، وهذا لم يصنع سلما، والعالم العربي الآن أعتقد أنه ممزق، حيث يشعر داخله في لحظة تقرير مصير أنه لم يكن على مستوى المسئولية وهناك دول تصورت أنها تستطيع أن تخرج بمفردها بثمن أعلى ولم يحدث.

وننشر لكم جزء من الحوار حول الشأن السوري والعربي
- عودة لسوريا مرة أخرى في 2016 الصراع الامريكي ــ الروسي عليها هل هذا الصراع موجود؟

ــ باستمرار هناك صراع دولي على سوريا فهي مدخل شبه الجزيرة العربية والمدخل للعراق وايران.

● هل تتوقع بعد قرار مجلس الأمن الأخير أن يحدث نوع من التوافق المؤقت بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية في المرحلة القادمة، وأن يتم التوصل إلى حل أم أن الوجود العسكري الروسي هناك يؤجج الصراع في سوريا؟


ــ سوريا باستمرار تعكس قلق المنطقة، ولا يطمئنها إلا بإحساسها بأن مصر معها أولا، وأن الخليج ليس ضدها وما حصل لأسباب كثيرة جدا لن ندخل فيها أشعر سوريا بقلق فتصرفت بعصبية، لأنه لا الخليج مهتم ولا مصر حاضرة، وهذا أشعر سوريا بالقلق فأصبحت هي الاخرى تحدث مشاكل، وهذه المشكلات استغلت بواسطة قوى للنفاذ إليها، فهي شاطئ البحر المشرقي كله وهى بوابة ايران والعراق كلها.

● كيف أكون مع سوريا؟ هل مع بشار أم المعارضة السورية؟

ــ مع الشعب السوري أي أمن سوريا.. هناك قصور من جانبنا، نحن لا نبادر، نحن ننتظر أن يتصل الآخرون بنا، ونسينا أن دور القيادة أن تبادر ومصر تحتل مكانة معينة في العالم العربي وهذا يقتضى أن تكون هي المبادرة وعندما ترى أن سوريا في خطر علينا أن نطمئن سوريا حتى لا ترتكب مزيدا من الاخطاء.

● نطمئن من نظام بشار الاسد ام المعارضة؟

ــ لا أستطيع أن أفرض سلطة معينة على بلد معين، لكنى مضطر للتعامل مع بشار والاوضاع في سوريا، لا أملك شيئا آخر ولا أحتاج فيها لإذن من أحد، ولكن خطابك للشعب السوري على مدى سنوات منذ أحداث سوريا لم يطمئن أحدا.

● هذا في النهاية تصريحات.. ما هو الفعل الواجب على الارض تجاه سوريا؟


ــ ليس شرطا أن تكون جزءا من أحداث سوريا أن تكوني موجودة على ارضها، ومن يتصور أن نفوذ أي طرف في صراع معين مرهون بوجوده على مساحة معينة من الارض يكون مخطئا، ونحن في مصر نستطيع أن نؤثر فيما حول سوريا وفى إعطاء سوريا الطمأنينة دون أن يكون هناك حماقات عندها.

● هل نفتح حوارا مع بشار الاسد؟

ــ ولما لا؟ اذا كنت وصلت لفتح حوار مع إسرائيل، ما يمنعنا أن نقدم على هذا؟ نتفاوض مع بشار وغير بشار.

● فكرة التفاوض مع كل الاطراف؟

ــ تفاوضي مع الجميع، عندما نتحدث عن مصر، فنحن نتحدث عن أنها طرف ينظر إليه من جميع الاطراف في المنطقة العربية على أنها الشقيق والسند الحقيقي حتى قبل عام 1952، كل النضال في هذه المنطقة قد بدأ من القاهرة أو جاء اليها، فهي عاصمة دولية موجوده في البحر المتوسط، مسموعة في العالم كله، وكل الناس طرحت قضاياها للعالم من القاهرة.

● هل تعتقد أن 2015 سيكون نهاية لحكم بشار الاسد؟

ــ أنا أعتقد أن بشار الاسد يسقط فورا إذا ظهر في العالم بديل أفضل منه فورا، لكن تعالى ننظر للوطن العربي كله في أوضاع سيئة نحن نركز على سوريا لأن الغرب يركز عليها ولأنها الجائزة الكبرى في قلب البحر المتوسط.

● ماذا عن جماعة داعش التي ظهرت لنا في العام الاخير والعالم كله ليس بوسعه أن يقف أمامها؟


ــ أولا نحن نبالغ جدا فى خطر داعش ومرات الناس في عجزها تتوارى أمام ظواهر تجمع الناس حولها، داعش ليس لها تواجد حقيقي إذا وقف العالم العربي بشكل حقيقي ليس بتناقضاته أو بالطريقة التي نسير عليها. داعش تظهر لأن الثغرات كبيرة في الصفوف العربية الحقيقية.

● هل القضاء على داعش من الداخل؟

ــ وقت أن يقوم العالم العربي بسد ثغراته وتوحيد صفوفه، أو يتكلم لغة واحدة على الاقل، نحن ليس لدينا والخليج يريد بمفرده لكى لا يضغط عليه، والشام لديه ضغوط تركية ومن إسرائيل، ومصر بعيدة بشكل آخر ومصر موجودة بمفردها؛ لأن مشاكلها كبيرة مثل مياه النيل وغيرها، فالحلم أن نكون ضمن كيان اكبر أو قوى فاعلة ومؤثرة لكن المسألة أن كل القادرين على التأثير في الوطن العربي كلٌ يمشى في اتجاه.

● هل نسينا إسرائيل في الازدحام؟


ــ نحن نسيناها بالفعل.

● هل اصبحت أمرا واقعا؟

ــ وهذا كان قصدها.. تذكري أن ديان قال «إن قوة جيش الدفاع الإسرائيلي جيدة لمواجهة العرب، لكنها قوة ردع، لكن ما يمنع العرب عنى وأطمئن أنهم بعيدون عنى أن أشعر أنهم دخلوا فى تناقضات رئيسية مختلفة عن الصراع العربى الإسرائيلي» بمعنى أن نظرية الأمن الإسرائيلي هو أن يدخل الوطن العربي في بعضه ويقاتل في بعضه ويترك إسرائيل وهذا ما حدث .

● كيف وهى تقتل عميد الأسرى اللبنانيين السابق سمير قنطار وغيره؟

ــ القتل لا يصنع قوة، أي واحد في الصعيد يقتل «خط الصعيد» مثلا لكن القتل ليس المعيار.

● لكنها ثبتت اركانها كأمر واقع؟


ــ أمر واقع في هذه اللحظة التاريخية، هذا التشرذم العربي والانفكاك العربي في الوقت الحالي أعطاها بعض القوة، لأن القوة العسكرية عقيمة بوسعك قمعي اليوم لكن لن يستمر هذا.

● لكن القضية الفلسطينية توارت الآن؟


ــ لأن الوطن العربي الآن كل بلد فيه دخل في قضية تشبه القضية الفلسطينية، وكل بلد في العالم العربي مهدد لانقسامات في الداخل وغارات في الخارج ومخاوف أمنية.

● هل العالم العربي مستعد لعودة مصر للقيادة؟


ــ القيادة تولد حيث يوجد دور ما، فإذا وجدت دورك وجدت جوهر القيادة، لأنها تختلف عن الرئاسة، فالرئاسة تراتبية، أما القيادة فهي تمثل الإمساك باللحظة، وإذا أمسكت باللحظة فأنت تقود اللحظة، ومصر ينبغي أولا حتى تقوم بدورها العربي والآسيوي والإفريقي، لابد أن تجد نفسها، بتعبيرها عن الطموحات الحقيقية لما ينبغي أن تكون عليه أحوالها، فنحن دخلنا وراء أوهام كثيرة جدا مشابهة لأوهام الخديوي إسماعيل، وهى ليس لها أساس من الصحة، نحن نحتاج للعودة لقياس قدراتك وتحديد مكانتنا بمقدار ما نقدم من قدرات، ونعرف أهمية العمل الداخلي والربط الداخلي والبحث عن إجماع على شيء داخلي، ثم اطرحي نفسك وأنتِ تمثلين شيئا.

الغلطة التي نرتكبها دائما، هي أننا نتصور أننا نقود. لا يمكن لأحد أن يقود بحجمه ولا بعدد سكانه، أو يقود لأنه يريد أن يقود فقط. الصين طول الوقت كانت أكبر الدول في عدد السكان لكنها لم تقد إلا عندما وجدت الإرادة من غير التمني.. فالإرادة هي الأرض الحقيقية التي تقف عليها، ونحن الآن نحتاج العودة للعالم ليس بالاستجداء أو الانكسار، كما نحتاج إلى أن تظهري للعالم من منطق أنا جزء منك وجزء من قضاياك، وأنا في منطقة أستطيع أن أؤثر فيها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com