لعلّ أكبر الاخطاء المتبعة في سوق المال، انه من أجل كسب الربح-يجب ان تشتري بسعر منخفض، وان تبيع بسعر عالٍ. هذه بلا شك اكذوبة ضارة. فمن الصعب جداً علينا ان نشتري بسعر منخفض.ولعلّ أبلغ مثال على ذلك ما يحصل في مجال اسعار النفط: فليس بمقدورنا شراؤه بسعر منخفض، وكذلك لأنه على الرغم من أننا نرغب في ان تنخفض الاسعار، فهنالك أسعار ادنى .
فقد انخفضت أسعار النفط من مستوى يزيد عن مئة دولار الى مستوى أقل من ثلاثين دولاراً للبرميل الواحد. انه هبوط ساحق. فما الذي سيحدث غداً؟ هل يهبط السعر أم يرتفع؟ وبعد سنة من الآن – هل يكون السعر اقرب الى العشرين دولاراً، أم الى الستين دولاراً؟
ان مصير سعر النفط مرهون بالتراجع في العرض في السوق: فعندما يتوقف الامريكيون- الذين بدأوا ينتجون فربحوا كثيراً من الأموال عندما ارتفع سعر البرميل الى مئة دولار – (عندما يتوقفون) عن انتاج زيت الصخور، وعندما تعود دول منظمة "أوبك" الى التصرف على انها "كارتيل" وعندما تقع الحرب بين السعودية وايران، وعندما يجري اغلاق خليج المكسيك، فان كثيراً من الأمور قد تؤدي الى تخفيض العرض.
وما قد يحدث لسعر النفط، مرهون على الوجهين، بالزيادة في الطلب:مثل ان يعود اقتصاد الصين واقتصاد الهند الى النمو بنسب عالية، وأن تتسع التجارة العالمية، وان تؤتي اجراءات اشفاء وتنجيع الاقتصادات الاوروبية ثمارها، فترتفع نسب النمو والنماء.
ان قسماً من هذه السيناريوهات يبدو خيالياً، والقسم الآخر يبدو معقولاً جداً- لكن أياً من هذه السيناريوهات، بحدّ ذاته، لا يمكن أن يتحكم لوحده بمجريات الأمور فيحدّد سعر النفط. ولعل الاكثر تعقيداً ان نفهم ما هي المعادلة التي يمكن ان يسفر عنها تطور الأمور والأحداث في المستقبل.
واضح اننا لا نعرف، ولا نستطيع أن نعرف ما الذي قد يحدث غداً صباحاً. وهذا قطعاً احد أسباب الصعوبة في ان تشتري بسعر منخفض، وتبيع بسعرعالٍ.
ما الذي نريد له ان يحدث؟
في اسرائيل، لا يُترجم التراجع في اسعار النفط الى تراجع في غلاء المعيشة(ولا يترجم حتى الى تراجع اسعار الوقود في المحطات)، لان المركّب الاساسي في التكلفة في محطة الوقود- هو المركّب الضريبي. لكن معظم السائقين في العالم مسرورون جداً لأن اسعار النفط منخفضة، وقد هبط المستوى السنوي لصرفهم على الوقود، وكذلك الأمر بالنسبة للسياح الذين يتنقلون من دولة الى اخرى، وكذلك مستهلكو مادة البلاستيك.
نحن لا نريد حقاً ان يتوقف المنتجون الامريكيون عن الانتاج، أو ان تموت قبل أوانها صناعة زيوت الصخور التي وُلدت للتّو. هذا ليس في صالح اسعار الطاقة للمدى البعيد، وليس في صالح الاقتصاد الامريكي – بل هو في صالح السعوديين والايرانيين.
بالمختصر، افترض اننا نتفق في أن من الأفضل لنا ألاّ يحدث مثل هذا الأمر. وافترض ان غالبيتنا يفضلون اقتصاداً بلا كارتيلات وبلا حروب، ولذا نفضل ألا تعود دول الأوبك الى التصرف ككارتيل، وألا تتفاقم وتتصاعد التوترات والصدامات العسكرية في الشرق الأوسط .
عندما يكون سعر النفط متدنياً اكثر من المعتاد، فمن الصعب جداً ان تقوم دول العالم بالاستثمار في الطاقة المتجددة وفي التطوير الاقتصادي الدائم الذي تحتاجه الصين وافريقيا اكثر من غيرها – أو ان تستمر في تنفيذ الوعود والتعهدات التي أسفر عنها المؤتمر الأخير في باريس (مؤتمر البيئة).
وحتى ان كنا لا نرى حتى الآن تراجعات في الاستثمارات في المجالات والأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالبيئة – فمن الواضح انه كلما كانت التكلفة البديلة ادنى، فان تكلفة "الاقتصاد الاخضر" (البيئي) – تكون اعلى. اننا نرغب في ان تكون اسعار النفط منخفضة – لكن ليس ادنى من اللازم. تكلفة المحادثات الهاتفية الخليوية كانت ادنى من اللازم، فكان ان اختفت من السوق مقومات تطوير البنى التحتية والتقنيات اللازمة في هذا المجال، وكذلك المنافسة . كذلك، فأن رسوم ادارة صناديق التوفير والتقاعد وصناديق الاستكمال ارخص من اللازم، فكان ان اختفى عن الأنظار كل ما يتعلق بتطوير المصالح والأعمال، وكذا المنافسة.
اننا نرغب في ان تكون اسعار النفط رخيصة، لكن ليس الى حدّ بعيد. فهل كل ما نريد ونتمنى ان يكون قادر على التأثير على تقديراتنا بخصوص الأمر الذي نفكر في انه سيحدث، ومن ذلك نعرف كيف نوجه ونزين اعتباراتنا قبل الاستثمار؟ربما!
لا تتوفر فرص كثيرة من هذا النوع
بإمكانكن اليوم شراء منتج أو سلعة بثلاثين شيكل، بينما كان سعرها بالأمس مئة شيكل، وليس من المستبعد ان يعود السعر في المستقبل الى مئة شيكل، او ان يرتفع الى اكثر من ذلك . لكننا لا نستطيع ان نعرف بشكل مؤكد ان هذا سيحدث، وفي هذه الاثناء يمكن ان يهبط السعر الى عشرين أو حتى عشرة شواقل . ومثلما هي الحال في اليانصيب – عندما يُصيب المتكهن الأرقام الصحيحة، فأنه يربح مالاً وفيراً، لكن الميزة الاكبر في سوق المال هي انك اذا خسرت، فأنك لا تخسر كل شيء. واكثر من ذلك-فاذا أحسنّا التمعّن في العلاقة الطردية بين المخاطر والاحتمالات عند الاستثمار في النفط، عندها يمكن شراء شيء ما بثلاثين شيكل او دولار، ربما تصل لاحقاً الى مئة شيكل او دولار، فنربح سبعين- وقد يصل الى عشرة فنخسر عشرين. واذا ارتفع سعر النفط ليبلغ مئة دولار، فان ارباحنا في التقرير السنوي ستكون بنسبة 233%، بينما اذا تراجع السعر ليبلغ عشرة دولارات، فان الربح سيكون سلبياً بواقع مينوس 67%. ومع كل هذا، فان الأمر الأصعب عمله في سوق المال هو الشراء بسعر متدنٍ منخفض، وخاصة عندما تكون جميع شاشات البورصة حمراء، وتبدو المخاطر اكثر حضوراً من الاحتمالات.
لا احتمال بلا مخاطرة!
يا للخسارة!
(ترجمة:غسان بصول-بكرا)
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق