يتهدد الجفاف والدمار منطقة غور الأردن، والتي تعد سلة الغذاء للفلسطينيين، وهي منطقة يتصارع عليها الفلسطينيون والإسرائيليون، باعتبارها منطقة خصبة، ملائمة لمعظم المحاصيل الزراعية كما أنها وفيرة بالمياه.

لكن ومنذ أن تعرض نهر الأردن لنقصان حاد في مياهه بسبب موجات الجفاف التي ضربت البلاد وحرارة الصيف العالية، أضحت حياة المزراعين الفلسطينيين في تلك المنطقة مهددة بالخطر، فهو بالنسبة لهم شريان الحياة للاستمرار بالعيش في أقصى شمال الضفة.

تغير المناخ يؤدي بخسائر فادحة

وسيطرت إسرائيل على منطقة غور الأردن في العام 1967، وذلك بعد احتلالها لباقي الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما ان هذه المنطقة كانت وما تزال نقطة أساسية في محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمتوقفة حالياً.
كما تعتبر هذه المنطقة بالنسبة للإسرائيليين جزءاً مهما لهم لتعزيز قدراتهم الدفاعية والاستخباراتية، وهذه هي الحجة التي تستخدمها في استمرار احكام السيطرة عليها، أما الفلسطينيون فيؤكدون من جانبهم بأن احتلال هذه المنطقة الحيوية لا يتعلق بالأمن، بل من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية فيها.

ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، فإن الفلسطينيين يتكبدون خسائر سنوية بقيمة 700 مليون دولار وربما أكثر، بسبب القيود الإسرائيلية التي تضعها على الفلسطينيين للوصول إلى أراضيهم الزراعية.
على صعيد آخر، تشهد الأغوار تغييرات مناخية منذ عدة سنوات، فمعدل هطول الأمطار وارتفاع درجة الحرارة تزيد من حدة الصراع بين الجانبين على موارد المياه.

ففي السنوات القليلة الماضي، جفت عشرات الآبار الجوفية التي تقع على انخفاض ما بين 100-450 تحت سطح البحر، الأمر الذي يضعها في احتمالية تحولها إلى صحراء قاحلة إذا تم استنزاف مصادر المياه فيها بشكل تام.
وبحسب آخر التقرير صادر عن سلطة جودة البيئة الفلسطينية، فإن صيف هذا العام كان الأشد حرارة على البلاد منذ عقود. فالحرارة ارتفعت عن المعدل السنوي بحدود 10 درجات مئوية، خاصة في منطقة أريحا والأغوار والتي وصلت خلال فصل الصيف الماضي إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

هذا الأمر أثر وبشكل سلبي على المزارعين الفلسطينيين، فالمياه بالنسبة لهم أصبحت سلعة نادرة، والكثير منهم يقولون بأن المياه المتوفرة حالياً لا تكفي حتى لتلبية الضروريات الأساسية، ناهيك عن الاحتياجات الأخرى المتعلقة بالماشية والزراعة.

من جانبه، يقول المزارع، محمد صالح سليمان (64 عاماً) من قرية فصايل شمال منطقة الأغوار، بأنه ومنذ عشرين عاماً مضت، كانت الزراعة في قريته مزدهرة جداً، بل وكانوا أهل القرية مكتفون ذاتياً، لكن خلال السنوات القليلة الماضية، أحوال الزراعة تغيرت لعدة أسباب منها انحباس الأمطار.

ويضيف: "خلال الأعوام الخمس الماضية، بدأت مصادر المياه تجف تدريجياً لأسباب عدة، من هذه الأسباب التغير الحاصل على المناخ خاصة في فصل الصيف، والتي هي مرتفعة جداً كما أن الآبار الجوفية ومصادر المياه بدأت بالجفاف".
على صعيد متصل، تقول رئيسة سلطة جودة البيئة، السيدة عدالة الأتيرة، بأن التغيرات المناخية بما فيها الجفاف كان له أثر كبير على الزراعة والحياة في كل الضفة الغربية، الأمر الذي أثر وبشكل سلبي على قطاع الزراعة والغذاء.

20% من الامطار ستقل بحدود 2020

وتضيف الأتيرة: "لتصدي هذه المشكلة نحن نتبني أسوأ سيناريو ممكن أن يحدث، والتي نتوقع فيه أن تقل نسبة الأمطار بين 10-20 بالمئة في العام 2020، وذلك كنتيجة لتغير المناخ الحاصل على العالم ككل، ولا بد من العمل على إيجاد حلول والتكيف مع هذه التغيرات".
إلا أن الأتيرة تشير في الوقت نفسه، بأن أي حلول لمواجهة هذا الأمر لن يحدث في حال تم تجاهل الواقع السياسي والمعقد الحالي.


هذا ويعيش في منطقة الأغوار حوالي 80 ألف فلسطيني، لكن الإجراءات الإسرائيلية الصارمة تمنعهم من الوصول إلى 94% من أراضيهم الزراعية.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" للعام 2015، فإن إسرائيل سيطرت على 86% من هذه الأراضي لصالح المجلس الإقليمي للمستوطنات في شمال الضفة الغربية والذي يبلغ عددهم 9.5 ألف مستوطن.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن كل مستوطن يحصل على 300 لترا من المياه يومياً، بما معدله أربع أضعاف حصة الفلسطيني في الضفة الغربية.

آبار لا ترمم

هذا وتعاني القرى في منطقة الأغوار من استمرار جفاف الآبار الجوفية فيها، كما أن الكثير من مياهها الجوفية يتم تحويلها لصالح المزارعين من المستوطنين القريبة من قراهم. كما أن الآبار الموجودة في هذه القرى، بحاجة إلى ترميم، فهي قديمة جداً، لكن الأمر يتطلب تصريحاً من إسرائيل والتي لا توافق عادةً بحجة ان هذه الآبار تقع داخل المناطق المصنفة "ج"، والتي تحتفظ إسرائيل بالسيطرة عليها.

ففي قرية فصايل مثلاً، والذي تحدث منها المزراع سليمان، فإن أكثر من 95% من سكانها وعددهم 2000 نسمة هم من المزراعين، لكن وبسبب قلة الموارد المائية، فإن الانتاج الزراعي في هذه القرية توقف تماماً، والكثير من مزارعي هذه القرية يعملون داخل مزارع المستوطنات القريبة منهم، ورغم اضرارهم للعمل هناك، إلا أنهم يتعرضون للكثير من الانتهاكات وذلك بحسب مجموعات حقوقية إنسانية والتي انتقدت مرارا ظروف عمل المزارعين الفلسطينيين لدى المستوطنين.

هذا ويشير المزارع سليمان إلى مشكلة أخرى يعاني منها هو وأفراد قريته بالقول: "على الرغم من أن عدد سكان القرية قد تضاعف خلال العشرين عاماً الماضية إلا أن حصتنا في المياه لم تتغير، فنحن مضطرون الآن إلى شراء المياه لتلبية احتياجاتنا اليومية، فضلاً عن الاحتياجات الزراعية، وكلفة المياه بشكل عام باهظة".

شراء المياه بأسعار مضاعفة

من جانبه، يقول الخبير البيئي ومدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، د. عبد الرحمن التميمي، بأن استمرار العجز المائي وانخفاض نسبة المياه لدى الفلسطينيين دفعتهم لشراء المياه من الجانب شركة المياه الإسرائيلية بأسعار مبالغ فيها.
ويضيف: "استفاد الإسرائيليون من طلب الفلسطينيين لشراء المياه، فاقموا ببيعهم إياها ب25 شيكلاً لكوب الماء المربع، خاصة في منطقة الخليل والأغوار، حيث أصبح سكان تلك المناطق ينفقون ما نسبته 12% من دخلهم الشهري على شراء المياه فقط".
وبحسب د. التميمي، فإن عوامل التغييرات المناخية والسيطرة الإسرائيلية المستمرة على مصادر المياه، عملت على تخفيض نسبة استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه يومياً من 80 لترا إلى 40 لتراً فقط، وتقل هذه الكمية في مناطق أخرى.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن حصة الفرد اليومية من المياه يجب ألا تقل عن 100 لتر يومياً، لكن في الضفة الغربية الأمر مختلف وهنا يضيف التميمي: "في بعض قرى الخليل، تصل حصة الفرد اليومية هناك إلى 10 لترات من المياه فقط، مما يضطرهم لشراء المياه لسد حاجاتهم اليومية".

البحث عن زراعة لا تحتاج لكميات مياه

على صعيد آخر وفي قرية محاذية لقرية فصايل، يقول المزراع يوسف صوافطة، وهو مزارع من قرية بردلة في أقصى الضفة الغربية ويمتلك فيها عدة دونمات، بأنه وخلال الثلاث سنوات الماضية، حدثت العديد من الظواهر الطبيعية التي أثرت على المنطقة التي يعيش فيها، وتسببت في نقص كميات المياه وأثرت بالتأكيد على قطاع الزراعة والموارد المائية.
وعلى الرغم من محاولته وهو المزارعين في قريته بتجنب زراعة المحاصيل التي تحتاج لكميات مياه كبيرة، إلا ان النتاج الزراعي قليل جداً ويضيف: "على مدى أكثر من عام، كنا نحاول بكل الطرق لزراعة المحاصيل التي لا تحتاج للكثير من المياه، مثل الشعير، فبالكاد لدينا ما يكفي من المياه للاستخدام اليومي دون الزراعة".

هذا ويضيف صوافطة، بأن القيود المفروضة على استخدام الفلسطينيين لمصادر المياه المتاحة من اجل الزراعة، يجعل من الأمور أسوا ويقول: "في السابق كان يسمح لنا بسحب ما يزيد عن الـ400 كوب مياه في الساعة الواحدة فقط لصالح الزراعة، لكن الاحتلال قلص هذه الكمية المسموحة والآن لا يسمح لنا سوى سحب 80 كوب متر مربع في الساعة، وهذه الكمية غير كافية لزراعة أي نوع من أنواع الخضار."

400 ألف شيكل فاتورة سنوية للمياه

وفيما يتعلق بكلفة الزراعة، يشير يوسف صوافطة بان فاتورة المياه السنوية تتجاوز الـ100 ألف شيكل، وبالعادة يعتمد كبقية المزراعين على المساعدات المقدمة من الممنظمات الدولية والتي تغطي بالعادة هذه الفاتورة، والتي يعد هذا المبلغ مرتفع جداً على منطقة سكانها من الفقراء والذي لا يتجاوز دخلهم السنوي ال200 دولار فقط.
ومنذ العام 2000، قلصت السلطات الإسرائيلية كمية المياه المسموح باستخدامها في قرية بردلة وذلك لصالح المستوطنات المحيطة بها. فعلى سبيل المثال هناك بئرين قد شيدا في القرية قبل العام 1967، لكن الآن إسرائيل تضع عليها عدادات مياه لاحتساب كمية المياه المستخرجة من قبل الفلسطينيين.
كما ان هناك حارس على هذه الآبار، لمنع أي شخص من الاقتراب منها، إضافة لذلك قامت شركة المياه الإسرائيلية "مكروت" ببناء آبارا قريبة منها".

مكروت: السلطة لم تفكر في حلول لحل أزمتها

من جهته، يشكك مدير شركة المياه الإسرائيلية "مكروت، أوري شاني، من أن إسرائيل هي السبب في عجز المياه والجفاف الذي يعاني منه الفلسطينيون.
ويضيف: "التغير المناخي الذي أثر على الضفة أثر على إسرائيل أيضاً والدول المجاورة، كما أن بعض فصول السنة أصبحت أطول من غيرها، إضافة لذلك هناك ينابيع ظهرت وأخرى جفت بسبب هذه الظاهرة"

إضافة لهذه العوامل هناك عوامل أخرى يقول شاني: "هناك بعض الظواهر المرئية، مثل انخفاض منسوب بحيرة طبريا مما أثر سلباً على الموضوع، كما أن على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إيجاد حلول للأمر، إلا أن السلطة الفلسطينية تهمل هذا الموضوع وفي ايجاد نهج لحل الأزمة".
هذا ويتهم شاني السلطة بعد بذل الجهد للحد من استهلاك الفلسطينيين من المياه، واتهمها أيضاً بالفشل في تنفيذ مشاريع لمعالجة مياه الصرف الصحي لأغراض الزراعة، الأمر الذي يعمل على تخفيض استهلاك المياه بنسبة 30%، تماما كما فعلت إسرائيل، وذلك بحسب قوله.

هذا ويشير مدير "مكروت" بان انخفاض كميات المياه في القرى ليست المشكلة فيها هو التزويد بها بل الطلب، ويضيف: "نحن نزود الفلسطينيين بضعف كمية المياه المتفق عليها في اتفاقية السلام الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما ان كمية المياه المزودة للمناطق داخل الخط الأخضر هي أكثر بكثير من تلك التي تزود للمستوطنات".

هذا وتقدر المنظمات الإنسانية، بان أكثر من 100 ألف دونم زراعي في منطقة غور الأردن يعاني من عجز في المياه، مما يضطر بالعديد من المزراعين كل عام إلى مغادرة قراهم وأرضهم.

30 لتراً في اليوم واحد مقابل 500 للمستوطن

من جانبه، يقول رئيس سلطة المياه الفلسطينية، المهندس مازن غنيم، بأن تغير المناخ لعب دوراً مهماً في زيادة معدلات الجفاف وتجفيف المياه الجوفية.
ويضيف: "لكن في الوقت نفسه بالإمكان تقليص حجم هذه الأزمة في حال أوقفت إسرائيل سيطرتها على إمدادات المياه في هذه المنطقة".

ووفقاً للتقديرات سلطة المياه الفلسطينية، فإن معدل حصة الفرد في الأغوار من المياه يوميا يقدر بـ30 لترا، فيما تتجاوز حصة المستوطن اليومية من المياه بـ500 لتراً.
وحول الطرق والوسائل التي يسعى الفلسطينيون تنفيذها لحل الازمة يقول غنيم: "هناك خيارات محدودة منها، شراء المياه مرة أخرى من الإسرائيليين بأسعار مبالغ فيها، أو العمل على ترميم الآبار التي عفا عليها الزمن والتي تعاني من الصدع والخراب، وهو خيار صعب كونه بحاجة إلى موافقة الحكومة الإسرائيلية".

على صعيد آخر، اتهم أوري شاني الفلسطينيين بالتململ في تنفيذ المشاريع التي تحل ازمة المياه من بينها ترميم الآبار قائلاً: "خلال اجتماعاتنا في اللجنة الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة الخاصة بالمياه، وافقنا على ترميم 60 بئراً في الضفة الغربية ، لكن السلطة الفلسطينية حتى الآن لم تبدأ في أي مشروع".

فلسطين ضحية مرتين

هذا ومن الواضح بانه لا يوجد أي حل بسيط او سريع لتخفيف مشاكل المياه في الأغوار، فعلى الرغم من انخفاض انبعاث الكربون الصادرة عن الفلسطينيين، إلا انهم غير قادرين على التحكم بالتغييرات المناخية الحاصة أو انبعاث الغازات التي يقول العلماء بأنها السبب في ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية والمساهمة في حدوث الجفاف لفترات طويلة، الامر الذي يجعل الفلسطينيين، وبحسب رئيسة سلطة جودة البيئة، ضحية مرتين قائلةً: "الانبعاثات التي تنجها فلسطين تكاد تكون صفر، ففلسطين ليست بدولة صناعية، على جانب آخر لا تسمح إسرائيل للفلسطينيين باستخدام المياه الجوفية التي تقع داخل أراضيهم، مما يجعلهم ضحية مرتين".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com