على مرارة الآلام الذي يشق على النفس والذي يحدثه الاحتلال كجراحات في القلب، وحيث لا يبدي هذا العدو بعد اية دلائل او إشارات عن استسلامه.

الا اننا نتلقى مع ذلك أخبارا للمرة بعد المرة من المحيط الخارجي، تثلج الصدر وفي هذه المرة التالية من القارة الأوروبية العجوز غرب المتوسط، ونحن شرقه والذي طالما ارتبطنا معا بهذه العلاقة الفريدة في التاريخ ولكن المزدهرة أبدا بالمنافسة او الصراع، كما في التلاقح الحضاري والثقافي. حتى لكأننا في هذه الأطوار التاريخية المتعاقبة كنا بمثابة الواحد للآخر مرآته يرى الواحد منا ذاته فيها.

أهلا يا أورورا الوردية آلهة الفجر تلقي علينا بهذا السلام علينا نحن الفلسطينيين، وكم هو جميل ان نرى الغضب والحنق والانكسار على وجه الغاصب والمحتل، والمسألة واضحة كل قصة العناد كما الخداع والمراوغة كما القتال في الضفة الغربية، انما يجري حول سباق الزمن للتمدد الاستيطاني في المكان وزرع الأوتاد التي تحول دون حل الدولتين على ارض فلسطين.

واليوم لم يعد وقتا للتردد او التأجيل فأما ان يتدخل العالم لوقف هذا المخطط الذي يخلخل الكيان الاستراتيجي في جنوب المتوسط، او هو التهديد الفعلي للأمن الأوروبي الجماعي، وهذا هو فحوى القرار الأوروبي بوسم المنتجات الصادرة او المصنعة في المستوطنات وتمييزها بإشارات تدل على مَنشئها. وهو إجراء غير مسبوق له ما بعده. لكن هل لاحظنا في الإخراج والتوقيت ان أوروبا أرسلت بهذا القرار في نفس الوقت الذي كان فيه نتنياهو يجري لقاءاته في واشنطن.

وهل نخاطر بالقول ان تبادلا او توزيعا ماكرا للادوار بين أوروبا واميركا قطبي الغرب الرأسمالي الكبير هو ما يحدث في السنوات الأخيرة بقصد حشر هذا الرجل غير المحبوب وغير المحتمل؟ كما في المكالمة الشهيرة والمسربة بين أوباما وساركوزي. أوروبا التي تمثل دور العصا وأميركا من يستطيع تقديم الحماية او الغطاء.

وقالت المفوضية الخارجية للاتحاد الأوروبي: سوف نواصل الطريق والعمل لاجل بلوغ حل الدولتين، ويا للإهانة في الاستقبال الذي جرى له في عشرة داونينغ ستريت حين التقاه كامرون على العشاء ثم تركه وغادر الى موعد ثانوي بعد ساعة.

هيا نتأمل اذن ما وراء الصورة التذكارية والتصريحات في اللقاء الذي جرى في البيت الأبيض، اللقاء الذي سمى بلقاء المصالحة فمن ذا الذي قدم التنازلات للآخر بنيامين نتنياهو ام باراك أوباما؟ والجواب واضح لقد كان هذا لقاء أشبه بالاستسلام فالى جون كيري أيها الأحمق سوف يتقرر مصيرك.

واستبق اللقاء جو بايدن نائب الرئيس الأميركي بالتصريح الناري الشهير بعد الآن بالنقاط الأربع، ممنوع إهانة رئيس الولايات المتحدة او أي موظف ومسؤول اميركي من لدن هذا التابع الصغير إسرائيل نقطة وكررها اربع مرات. الى جون كيري اذا «الذي لا يتجاوز وعيه العقلي طفل عمره 12 عاما»، وهكذا الى هذا الذي يظن انه المخلص المسيح كما قال له في السابق موشي يعالون «حل عنا» اتركنا وشأننا اتركنا وحالنا. ولكن ها هو كيري يقول في اجتماع داخل مقر الأمم المتحدة لمحدثيه: هل تذكرون العام 1975 حينما صدر من هذه المنظمة القرار باعتبار الصهيونية ايديولوجيا عنصرية؟ وانه وحده حل الدولتين من يجنب إسرائيل هذا المصير بوصمها بالعنصرية.

وطوني بلير نفسه هو أيضا قام بقرع الجرس في المؤتمر الذي نظمته صحيفة هآرتس من اجل السلام، قبل أيام حين قال انه لا يرى حلا او مخرجا غير العودة الى حدود 4 حزيران 1967واقامة الدولة الفلسطينية، وزاد على ذلك بالمصالحة بين فتح وحماس فيما يبدو تراجعا عن فكرته في وقت سابق عن حل الدولة الانفصالية في غزة.

هل بدأت الانتفاضة وهي لا تزال في شهرها الثاني تحرك الماء الراكد وتهز الأرض والسماء ؟ والجواب هكذا يبدو الحال حتى وان كان نتنياهو يعرف ما هو المطلوب أميركيا وأوروبيا وهو تغيير الحكومة المتطرفة التي يقودها والتحالف مع هيرتسوغ ومع ذلك يواصل المناورة.

والمناورة ربما هذه المرة العودة الى مشروع ايهود أولمرت العام 2006 بالانفصال من جانب واحد اقتداء بما فعل شارون في غزة. ولكن حتى هذا التوجه في التفكير هو تعبير على ان الأحداث التي جرت بدءا من شهر تشرين الأول لن تعيد الوضع السابق الى ما كان عليه وانها استطاعت بتكلفة بشرية واقتصادية متواضعة وزهيدة نسبيا تقديم عقارب الساعة الكبيرة الى الأمام، الساعة الكبيرة التي ان تحركت عقاربها للأمام لا تعود الى الوراء. وما يحدث ان هذا الصراع يدنو من نهايته كضرورة ومصلحة جامعة في وعي العالم وما يجري هو تلكؤ المحتل والتاريخ أحيانا في التماهي مع هذه اللحظة ليس الا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com