تعتبر هبة أكتوبر 2000، والتي سقط فيها 13 شهيدًا من فلسطيني الـ 48، حدثًا هاما ومفصليًا في مكانة فلسطيني الـ 48 السياسية والقانونية. فبعد سقوط الشهداء تشكلت لجنة تحقيق حكومية برئاسة القاضي ثيودور أور، سميت بلجنة "اور"، أصدرت تقريرا تسامح بشكل كبير مع المسؤولين في الحكومة والشرطة والتي أدت أوامرهم، المباشرة وغير المباشرة، إلى سقوط الشهداء وعشرات الجرحى، في المقابل فأن التقرير ذاته إعترف بحق المواطنين العرب في المساواة.

نتائج هذا التقرير لم يجري تبنيها وتطبيقها بل تم تمييعها وإجهاضها بواسطة لجنة لبيد التي ضمت أعضاء عنصريين، والتي شُكلت لاحقًا لفحص إمكانية تطبيق توصيات لجنة "اور" برئاسة القاضي يوسيف تومي لبيد، مما يؤكد أن السلطات الإسرائيلية ما زالت بعيدة عن التعامل مع المواطنين العرب كمواطنين في الدولة وما زالت ترى بهم جسما غريبا يهدد الدولة ويجب ضبطه.

في "بكرا" وبعد 15 عامًا من أحداثِ أكتوبر تحدثنا إلى مختصين في القانون متسائلين إذا ما تغير شيء على المكانة القانونية للمواطنين العرب في ظل تنامي العنصرية في الشارع الإسرائيلي والتي قد تنذّر بإنتفاضة ثالثة، وهل تم استخلاص العبر من نتائج لجنة "اور"؟!  

سهاد بشارة: نهج المؤسسة الإسرائيلية بعد احداث أكتوبر ليس فقط استمرار في العنصرية بل تصعيد ايضا

سهاد بشارة محامية في مركز عدالة والقائمة باعمال المدير العام عقبت لـ"بكرا" في هذا السياق قائلة: بدون شك السياسات العنصرية في تصاعد بجميع الأصعدة، التي تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. في الأعوام الأخيرة هناك قوانين عنصرية سنتها الكنيست الإسرائيلية تستهدف فلسطيني الدولة في شتى المجالات مثل قانون النكبة، الفصل العنصري في السكن، والسياسات لتهجير البدو العرب للقرى غير المعترف بها في النقب والتي تؤكد على هذا التصعيد والتضييق على المواطنين العرب قانونيًا أكثر وأكثر. 
.
وتابعت: مؤخرا كان هناك تعليمات تناقض بشكل واضح توصيات لجنة اور بكل ما يتعلق باطلاق النار على المتظاهرين حيث ان اور اوصت بمنع اطلاق النار بشكل عشوائي إضافة الى فتح تحقيق جنائي ضد المسؤولين بينما اليوم نرى تغيير للاسوأ وتوسيع اطلاق النار في القدس الشرقية وبدو النقب.

وأضافت: استعمال الشرطة للاسلحة بشكل عشوائي ومفرط ضد المتظاهرين في الدولة يؤكد بان المسألة ليست استمرارا لاحداث اكتوبر فقط وانما نحن بإتجاه تصعيد أيضا.

وعن الطرق لمحاربة ومناهضة هذا التصعيد الذي بدأ بقتل 13 شهيدا بدم بارد قالت: نحن نعمل أساسا في المجال القانوني ونتابع السياسات على المستوى القانوني، حيث نتواصل مع المستشار القضائي للحكومة، ونعمل بصورة جدية في المرافعة وايضًا في مسار التحشيد الدوليّ، حيث نحاول مواجهة هذه السياسات بمساندة القانون الدولي والدول الأوروبية.

ونوهت بشارة الى انه ومنذ أكتوبر 2000 لم توفر "عدالة" أي جهود لتغيير أي سياسة، في أي مجال، من اجل احقاق الحقوق للفلسطيني، مؤكدة ايضًا أن هنالك تضييق من ناحية الحقوق الأساسية الدستورية مثل السكن، التعليم، البنى التحتية والمشاركة السياسية، للمواطنين العرب بخلاف ما أوصت عليه لجنة أور.

عوني بنا: الدرس الوحيد الذي حفظته الشرطة جيدا من احداث اكتوبر 2000 هو كيفية التنصل من المسؤولية

وفي تعقيبه قال المختص في الحقوق والأقلية الفلسطينية، المحامي عوني بنا لـ "بكرا": تقرير لجنة اور اشار الى عنف وعدائيّة الشرطة واستعمالها للقوة الفتاكة وغير المبررة خلال المظاهرات الاحتجاجيّة التي انطلقت في الجليل والمثلّث في اكتوبر 2000 على خلفيّة اندلاع الانتفاضة الثانية. تقرير اور اوصى الدولة بالعمل على تغيير توجهات الشرطة العدائية والعنصرية اتجاه العرب. وفي اعتقادي هذا التوجه يعتبر السبب المركزي للنتيجة الدموية وشبه الحتمية المتمثلة بمقتل او اصابة مواطنين عرب في أي لقاء او مواجهة او صدام مع الشرطة، وذلك على عكس مواجهات مشابهة بين الشرطة وبين مواطنين يهود والتي نادرا ما تفضي الى نتيجة مماثلة.

وأضاف: واقع الحال في أكتوبر 2015 يشير الى أنّ شرطة إسرائيل لم تعمل اطلاقا بموجب هذه التوصية. منذ أكتوبر عام 2000 خضعت الشرطة لامتحانات كثيرة في التعامل مع أحداث شارك فيها مواطنون عرب، بما في ذلك نشاطات احتجاجيّة جماهيريّة. من تصرفات الشرطة في هذه الأحداث ومن تصرفاتها مع المواطن العربي حتى في السياقات الجنائية، يُستدَلّ أنّها لا زالت تتعامل مع العربيّ كتعاملها مع عدوّ يشكّل خطرًا وجوديًّا ومباشرًا يبرر استخدام القوّة الفتاكة تجاهه.

وأضاف: منذ اكتوبر 2000 وحتى الان قامت الشرطة بقتل العشرات واصابة المئات من المواطنين العرب في حوادث متفرقة نذكر منها مؤخرا قضية قتل الشبان سامي الجعار وسامي الزيادنة من رهط وكذلك حادثة مقتل الشاب خير حمدان من كفر كنا وهنالك غيرها الكثير من الحوادث التي لم يحظى الكثير منها بتغطية اعلامية والتي لم يكن في أي منها مبررا لاستخدام القوة المميتة من قبل الشرطة. وهنا تجب الاشارة الى نية الحكومة والتي اعلن عنها في الاسابيع الاخيرة فيما يتعلق باستعمال سلاح القناصات في التعامل مع متظاهرين عرب في النقب (وفي القدس الشرقية)، وهو ما يتناقض كليا مع توصية لجنة اور بعدم استخدام هذا السلاح خلال التعامل مع مظاهرات لمواطنين.

وقال: لا بد ان نذكر ايضا تطورا خطيرا في تعامل الشرطة مع العرب في السنوات الاخيرة وهو ظاهرة استدعاء ناشطين اجتماعيّين وسياسيّين عرب من قبل الشرطة لأجراء تحقيقات معهم، وذلك بغية “تحذيرهم” وردعهم عن تنظيم النشاطات الاحتجاجيّة والنشاطات السياسيّة المشروعة وعن المشارَكة فيها، وكذلك نستطيع ان نقول اذا ان الدرس الوحيد الذي حفظته الشرطة جيدا من احداث اكتوبر 2000 هو كيفية التنصل من المسؤولية عن القتل وعدم المحاكمة والمسائلة الجدية عندما يكون الدم عربيا . كما لم يتم تقديم أيّ من الشرطيّين المتورّطين في قتل 13 شخصًا وجرح المئات خلال احداث اكتوبر 2000 للمحاكمة كذلك لم تتم محاكمة ومعاقبة الغالبية العظمى من افراد الشرطة المتورطين في حوادث القتل والعنف اللاحقة وحتا يومنا هذا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com