كانت أياماً متوترة وفيها مدٌ ثوري، عندما قررت لجنة المتابعة إعلان الاضراب في الأول من اكتوبر تضامناً مع القدس والاقصى الشريف والشهداء الذين سقطوا في باحاته. وتوالت الاحداث عندما قمعت قوات الامن الاسرائيلية مظاهرات الاحتجاج والتضامن بالرصاص الحي، قاتلة بذلك بين الاول والثامن من اكتوبر 13 شهيداً، إلى جانب جرح واعتقال العشرات من المتظاهرين والمتظاهرات

تمر علينا هذه الأيام ذكرى انتفاضة القدس والاقصى " الانتفاضة الثانية " وسط انتهاكات متعددة ومتجددة لحقوق المجتمع العربي على كل المستويات، أوامر هدم بيوت بالجملة، مخططات ترحيل في النقب، ملاحقة للنواب العرب وتضييق مستمر عليهم، قوانين عنصرية تؤكد الهوية اليهودية للدولة، وسقوط اخر معاقل "العدالة الليبرالية" الاسرائيلية بتعيين ايليت شكيد وزيرة للقضاء. من هنا، يُحيي فلسطينيو الداخل هذا العام، ذكرى هبّة القدس والأقصى، وسط ظروف شبيهة بتلك التي أطلقت شرارة انتفاضة عام ٢٠٠٠.

في هذه الأيام الصعبة، لا بد من تصويب بعض الأفكار التي تتعلق بالانتفاضة الثانية خصوصاً فيما يتعلق بدور الشباب، كي لا تتحول الذكرى إلى مجرد مناسبة حزينة نجتر فيها ذكرى الشهداء الأبرار، دون أن نستخلص العبر التي قد تحول بيننا وبين تكرار عدوانية الاحتلال التي يراق فيها الدم بلا ثمن أو قصاص. عبر من شأنها أن تمنع انطفاء لهيب الانعتاق من الظلم.

لعلّ الأسباب التي أدت الى هبّة القدس والأقصى، لا تزال قائمة، وربما باتت أشد وطأة، إذ ان الخطر على المسجد الاقصى تحديدا بات أكبر، في حين نشهد انتهاكات متكررة لحرمته. هذا وقد بات من الواضح أن هناك نيّة مبيّتة لتطبيق تقسيم زماني ومكاني للأقصى، وهو أمر صار جلياً في محاولات منع المسلمين من الصلاة فيه، مقابل السماح لليهود والمستوطنين باقتحامه، عدا عن الحفريات المستمرة تحته. كما ان لاعتداءات الشرطة الإسرائيلية على المرابطين والمرابطات في الاقصى واستهدافهم مدلولات خطيرة. خلاصة القول أن احتمالات التصعيد وتفجر الوضع السياسي هي مسألة وقت.

لا يختلف اثنان في أن هبة عرب الداخل في الانتفاضة الثانية اكتوبر 2000 كانت شعبية وعفوية بامتياز. كما لا يختلف اثنان أيضا على الدور المركزي الذي لعبه الشباب في اندلاع الهبة، حيث حطّموا الصورة النّمطية التي ارتسمت حوله، ومفادها أنه شباب مؤسرل مستسلم للواقع وغير معنيّ بتغييره. في هذا السياق، كان خروج الشباب الى الشوارع ليس فقط احتجاجا على انتهاك شارون للحرم الشريف، بل ايضا تعبيرا اصيلا عما تراكم في نفوس الشباب من مشاعر الغضب والاستياء والنفور من الدولة والرغبة في التغيير. لكن للأسف الشديد تراجع الشباب وسرعان ما فقدوا زمام المبادرة بعد أيام قليلة من الهبة. تراجعوا وبرزت العقلية القديمة وتصدّرت المشهد الاعلامي والسياسي.

كتب د.مهند مصطفى في كتابه " الفلسطينيون في اسرائيل " ما يلي "تمكنت هبة القدس والاقصى من تفكيك الخطاب السياسي القديم المتمحور حول تحقيق المساواة من خلال إنهاء الاحتلال في الأراضي عام 67" كما كتب د.عزمي بشارة في مداخلته " فصل جديد في تاريخ الجماهير العربية في الداخل" بأن " هبة القدس والاقصى اسقطت الخطاب السياسي القديم كليا وأنشأت خطاب سياسي جديد صدامي مع يهودية الدولة وأن حل القضية الفلسطينية لا يشمل ولا يؤكد المساواة للمواطنين العرب في إسرائيل."

لكن ما هو هذا الخطاب السياسي الجديد؟ ما هي ثوابته ؟ وما هي احداثياته؟ اسئلة بحاجة لإجابات. اسئلة بحاجة لأن يكون للشباب دور في صياغة مشروع وطني جديد يتعاطى معها. والأهم، علينا أن نتسآل أي دور للشباب الآن بعد 15 عام ؟ هل سيظل حائرا، واقفا على ضفة النهر يراقب الماء؟ أم سيندفع ويسبح عكس التيار ان لزم الامر من جديد لاستعادة الحلم الذي استشهد من اجله الشهداء.

لا ابالغ اذا قلت ان قضية القدس والاقصى هي قضية الشباب الأساس. وهي المنارة النضالية لجيلنا، الجيل الثالث والرابع بعد النكبة، نحن أبناء أكتوبر الذين شكلت الانتفاضة الثانية مفصلاً أساسياً في وعينا السياسي وصقل توجهاتنا الوطنية. إن فتح قضية ضعف الضغط الجماهيري لمحاكمة القتلة هو مسؤوليتنا جميعا . لذلك علينا الضغط على الاجسام السياسية باقرار الاول من اكتوبر يوم اضراب عام دون الحاجة لإقراره كل عام. كما أن المطالبة بمعاقبة المجرمين ينبغي أن تظل على رأس سلّم أولوياتنا السياسية والجماهيرية.

إن تاريخ 1.10 هو يوم مفصلي لذكرى اخوتنا الشهداء الذين لبّوا نداء القيادات العربية. إكراما ووفاء لهم كان حري بأن تعلن لجنة المتابعة عن إضراب شامل في هذا التاريخ، وذلك بموازاة حملات توعية وتثقيفية لجيل الشاب ليتعرفوا على هذه القضية التي تعتبر مرحلة هامة في تاريخ فلسطيني الداخل.

اخيرا، اخوتي الشهداء: نلتم الشهادة وهم حصدوا العار. أنتم منارة الطريق وارث ابنائنا النضالي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com