منذ اثنين وثلاثين يوما ، يضرب خمسة من الاسرى الاداريين عن الطعام ، وبمحاذاتهم في مخيم الدهيشة ، نعتصم نحن عدد غير قليل من اهالي المخيم والعديد من اصدقائه نساء ورجالا ممن اسهموا في صياغة زماناته الجميلة بما فيها انتفاضته الاولى التي سبقت انتفاضة الحجارة بخمس سنوات تقريبا . وتحظى الخيمة بزيارات ووفود من كل مكان تقريبا ومن كل الوان الطيف السياسي الفلسطيني .

واذكر على سبيل التوضيح النائبين الحمساويين خالد طافش وانور زبون ، والقائد الفتحاوي المخضرم صلاح التعمري ومدير المخابرات ماجد فرج ومعه رئيس القضاء العسكري اسماعيل فراج والاب عطا الله حنا ، وعبلة سعدات زوجة الاسير امين عام الشعبية احمد سعادات ومعها المناضل الكبير احمد قطامش ووالدة الاسير سامر العيساوي و عشرات الاسماء النضالية الذي لا يتسع المقال لذكر اسمائهم ، فكيف لمحطات نضالهم ، وانا اخص اسماء نسوية ممن اسهمن اسهاما عظيما في تفجير الانتفاضة الاولى ، لكن الخيمة لم تتسع لهن ، فتم تخصيص مكان جانبي لهن للحفاظ على حرمة الانفصال وعدم الاختلاط .

منذ يومين ، عبر كهل تجاوز السبعين من عمره ، اعتاد ان يجلس الى جانبي ، عن مدى غضبه مما فعله افراد في الشرطة ضد احد الفتية في منطقة مخيم العزة ، لم يكن يتحدث معي عن السياسة ، ولا عن فتح او حماس ، بل عن وحشية هؤلاء الذين لم يكن بينهم شرطي واحد يقول للآخرين : كفى ، اتقوا الله في هذا الفتى . وانهم انما اساءوا الى كل فلسطيني وعربي وانساني ، وانه لم يهمه ان كان الحادث فرديا ام "قرديا" ، بل سلوكا مهينا لا يستوي مع اي مستوى اخلاقي او تربوي او حتى بوليسي كان .

بالامس عاد وجلس الى جانبي ، وهمس في أذني على نحو يوحي بالخوف والسرية ، انهم في الجامع ، ومنذ عشرة ايام ، "سطلونا" وهم يحدثوننا عن الاضاحي ، وانه عبر السبعين سنة من حياته كانت الاضحية وما زالت شأنا "لمن استطاع اليه سبيلا" . فسألته : لماذا يتحدث بهذا الهمس الشديد ، مقارنة مع ضرب الفتى على يد الشرطة ، فقال : ان السلطة الدينية اكثر رهبة من السلطة البوليسية . ضحكت .

لكن امهات الاسرى المضربين عن الطعام ، نضال وغسان وشادي وبلال ، لا تجد شفاههن طريقها الى الضحك والابتسام ، فقط صور فلذات اكبادهن الذين لم يجد الطعام طريقه الى افواههم منذ اثنين وثلاثين يوما. صحيح انهن يتمتعن بإرادة فولاذية مقدودة من عزيمة هذا المخيم ، وصلت بإحداهن استعدادها تقديم خمسة من ابنائها العشرة عند مذبح هذا الوطن ، ولكن الوطن الجميل ، الذي لا يضرب فيه افراد شرطته (حماته) أطفاله على النحو الذي رأينا في العزة ، ويستطيع الاغنياء ذبح الاضاحي في حين بالكاد يستطيع الفقير ذبح دجاجة.

ولهذا قررت هذه الام ان تكون الى جانب ابنها المضرب عن الاضحية والدجاجة معا ، وان تمضي العيد في الخيمة ، وانا الى جانبها .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com