تسيدت أوروبا السلطة الأعلى في كرة القدم منذ تأسيس الاتحاد الدولي، وكان على رأس طيلة 87 عاماً من أصل 111 ممكنة رجلٌ أوروبي ولم يتم الخرق سوى بواسطة البرازيلي جواو هافيلانج، كذلك فإن ديكتاتورية الفيفا ليست وليدة جوزيف بلاتر، فالرجل السويسري وإن كان قد قضى 17 عاماً في رئاسة الفيفا فإن الفرنسي جول ريميه الذي أُطلق اسمه على كأس العالم قضى في الموقع نفسه 33 سنة متتالية.

شارفت اليوم حقبة بلاتر على الانتهاء، والأشهر التي ستسبق الانتخابات التي ستُقام في فبراير 2016 تُعد آخر أيام فساد بلاتر وفريقه في الفيفا الذي أحيل بمعظمه إلى التحقيق. إلّا أن ذلك لا يعني ابتعاد الرئاسة عن القارة العجوز، فأوروبا تُمثل اليوم حوالي 53 من 209 أصوات قادرة على انتخاب الرئيس موزعة على 6 قارات، كذلك هي تمثل القوة المالية في عالم كرة القدم وبالتالي تُعدّ الدول الأوروبية أقل دول يُمكن شراء أصواتها أو اجتذابها بمساعدات مُحددة، فرغم أن لآسيا 46 صوتاً وأفريقيا 54 صوتاً (أكثر من أوروبا) إلا أن هاتان القارتان تظهران عاجزتان أمام المد الأوروبي، ويلعب فسادهم الداخلي من جهة ومركز اوروبا القيادي للعبة فنياً وتقنياً ومالياً من جهة أخرى دوراً أساسياً في إمكانية خضوع هذه الدول في تحالفات معينة وقبولها بمناصب ثانوية.

واعتمد بلاتر في حقبته طويلاً على هذه اللازمة، فكانت أصوات الدول الضعيفة في كرة القدم الرافع الأساسي له في التصويت. فطريقة توزيع الفيفا للأموال تشرح الأسلوب الذي اعتمده بلاتر، فمهما كان عدد اللاعبين الممارسين لكرة القدم في بلد معين سيكون لهذا البلد صوت واحد في الانتخابات، كذلك سيتلقى هذا البلد النسبة ذاتها من الأموال التي يتلقها بلد يكون فيه عدد الممارسين للعبة أقل، وتبدو ألمانيا التي تضم 6 مليون لاعب كرة قدم أفضل مثال حيث تحصل على 3 ملايين دولار أي ما معدله 50 سنتاً للاعب الواحد وهو المبلغ نفسه الذي تحصله عليه غينيا الاستوائية في الوقت الذي يُمارس اللعبة 700 ألف لاعب فقط.

كذلك، تردد فشل آسيا بالحصول على رئيس مرتين، وظهرت الأولى حين ترشح بن همام لرئاسة الفيفا بعد أن كان نائباً للرئيس، حيث تم فتح تحقيق بملف شراء أصوات جزر الكاريبي مقابل 40000 ألف دولار وبناء على ذلك منعت لجنة أخلاقيات الفيفا بن همام من الترشح في مواجهة بلاتر ليفوز الأخير بحصوله على 17 صوتاً فقط، تلاها إيقاف بن همام مدى الحياة وتم بعدها إلغاء هذا الإيقاف لعدم توافر الأدلة. وفرض الأمير علي بن الحسين بالحصول على 73 صوتاً في مواجهة بلاتر (133 صوت) جولة ثانية بعد أن تلقى الدع، إلا أنه انسحب بعد ذلك أمام قوة تمدد بلاتر في كل من آسيا وأفريقيا.

تعتبر اليوم القارة الاوروبية الأكثر قدرةً على قيادة الفيفا، خاصةً بعد اعتراضها على مسيرة بلاتر، ويُعد رئيس الاتحاد الاوروبي ميشال بلاتيني هو الأوفر حظاً اليوم بين المرشحين لاستلام المنصب، فالرجل الذي ساهم بتطوير دوري أبطال أوروبا بشكل كبير حتى باتت تقارن بكأس العالم، والذي تطورت في حقبته الكثير من البطولات الأوروبية المحلية تدعمه ثلاث قارات من الست وهي الكونكاكاف وأميركا الجنوبية وأوروبا بالإضافة إلى العديد من الدول في قارة آسيا، لذلك يبدو لاعب الوسط الفرنسي التاريخي الأقرب لاستلام رئاسة الفيفا في فبراير القادم، خاصةً وأنه كان له دوراً رئيسياً في حملة التصويت ضد بلاتر في الانتخابات الأخيرة. كذلك فإن المرشحين القويين في مواجهة بلاتيني وهما رجل الأعمال والسياسي الكوري الجنوبي تشونغ مونغ جون الذي كان نائب رئيس الفيفا لمدة 17 عاماً والأمير حسين بن علي المتوقع أن يعلن ترشحه غداً سيشكلان انقساماً حاداً على الأصوات الآسيوية التي لن تختار بلاتيني كونهما يتحدران من القارة ذاتها.

يتنوع المرشحون لانتخابات رئاسة الفيفا القادمة فمنهم البرتغالي لويس فيغو، و ورئيس الاتحاد الهولندي ميكايل فان براغ، بالإضافة إلى أسماء مطروحة كالبرازيلي زيكو وأسطورة ميلان الليبيري جورج ويا، إلا أن الأسطورة الفرنسي يبقى الأوفر حظاً والأكثر تنظيماً ودعماً وهو من يحمل البرنامج الأوضح، إضافةً إلى أن بلاتيني ليس آسيوياً أو أفريقياً، فالرئيس القادم هو إبن موطن جول ريميه، موطن الديوك.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com