طوت رهام دوابشة سجل حياتها بعد أن أتمت 27عامًا بالتمام والكمال، ويممت وجهها لتلتحق بزوجها "سعد" ومن قبله طفلها الرضيع "علي"، تاركة ابنها البكر "أحمد" ناجيًا وشاهدًا وحيدًا على واحدة من أبشع جرائم العصر.

37 يومًا صارعت فيها رهام الموت، وتشبثت في الحياة بكل ما أوتي جسدها المحترق من قوة، وفي كل يوم كانت تنجو بمعجزة إلهية إلى اليوم التالي، وهكذا إلى أن استسلمت لقدرها في عيد ميلادها السابع والعشرين.

ففي فلسطين تختلط مناسبات الفرح بمناسبات الحزن والألم لكثرتها، فكما كان تاريخ استشهاد سعد مميزًا بمصادفته ليوم زواجه السادس من رهام، تميزت رهام هي الأخرى بتاريخ استشهادها الذي صادف يوم ميلادها.

وبعد أن اطمأن أهالي دوما إلى أن وضعها الصحي آخذ بالتحسن يوم الأحد، حلت ليلة ثقيلة وطويلة عليهم، بعد أن نعى إليهم الطبيب المرافق للعائلة محمد دوابشة، نبا استشهادها.

خبر صادم

في بلدة دوما جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، كان الحزن والوجوم باديًا على وجوه كل أهالي البلدة وكل من حضر من خارجها لمواساتهم والوقوف إلى جانبهم باستشهاد ابنتهم.

لم يكن أهالي دوما ليحتملوا مصاب إعلان استشهاد الثلاثة دفعة واحدة، رغم أن كل المؤشرات كان تقول بأن وضع الوالدين ميؤوس منه حتى قبل نقلهما إلى مستشفيات الداخل المحتل، فكان خبر كل واحد منهم يأتي منفردًا ليأخذ نصيبه من دموع الأهل والأحبة.

وبقدر ما كان خبر استشهاد رهام متوقعًا منذ اليوم الأول، وبرغم توقف جميع أعضائها عن العمل قبل 24 ساعة وسريان إشاعة استشهادها، بقدر ما كانت الصدمة هي سيدة الموقف.

فكل من تابع فاجعة عائلة دوابشة المكلومة كان يمني النفس أن تكتب لرهام الحياة ليس فقط لكي تستأنف حياتها من جديد، بل لتكون إلى جانب ابنها أحمد الذي لا زال ينتظر زيارتها له في المستشفى، ولا يدري ما حل بها ولا بأبيه وبأخيه من قبل.

حفصة دوابشة شقيقة الشهيد سعد، ألهجت بالدعاء فور سماعها خبر استشهاد رهام، وتضرعت إلى الله أن ينتقم ممن أحرق رهام وأخيها وابنهما الصغير، وترك أحمد يكابد حياة وذكريات قاسية لن تفارق مخيلته.

أما بسام دوابشة، أحد أقرباء رهام، فيحمد الله على قدره، ويقول لوكالة "صفا": "نؤمن أن الله قد اختار لها الأفضل، فلقد ارتاحت مما كانت تعانيه من عذاب وآلام".

لحظات تراجيدية

في غرفة مجاورة لغرفة رهام بمستشفى "تل هشومير" الإسرائيلي يرقد طفلها أحمد، سجلت لحظات تراجيدية لن تسجل مثلها حتى في الأفلام، بطلاها والد رهام المحترق قلبه على ابنته، وابنها الذي ورغم صغره إلا أن إحساسه كان يخبره بما يخفيه عنه جده.

ويقول والد رهام لوكالة "صفا": "بعد أن عدت من عند رهام إلى غرفة أحمد، كنت أنظر في عينيه.. رأيته يسألني بعينيه: أين أمي؟ أين أبي؟ أين أخي؟".. يصمت الجد قليلًا ليلتقط أنفاسه، ويكمل: "ما قدرت أرد عليه".

ويشير إلى أن أحمد أمضى ليلته بالبكاء على غير عادته، طالبًا حضور أمه، رغم عدم علمه بما حل بها.

تطورات متلاحقة

وكانت رهام دوابشة حديث الساعة على المدار اليومين الأخيرين بعد أن استدعت إدارة مستشفى "تل هشومير" عائلتها على عجل صباح السبت، ليطلعهم الأطباء على خطورة وضعها الصحي.

ونظرًا ليأس الأطباء من إمكانية نجاتها، سمحوا لأفراد عائلتها بدخول غرفتها للمرة الأولى منذ دخولها لها، علّهم يلقوا عليها النظرة الأخيرة قبل توقف قلبها عن الخفقان.

وقبيل منتصف ليل ذلك اليوم نشرت القناة الإسرائيلية العاشرة نبأ استشهاد رهام، لكن العائلة سارعت لنفي الخبر مع تأكيدها على خطورة وضعها ودخولها مرحلة اللاعودة، بعد أن تعطلت كل أجهزتها عن العمل باستثناء القلب.

حاول الأطباء محاولة أخيرة لإنقاذها، بإجراء عملية لتخليصها من الجراثيم والميكروبات التي دخلت جسدها نتيجة احتراق 92% من الجلد، واستقرت حالتها لساعات معدودة قبل أن يحين موعد الرحيل.

وفي مقبرة دوما يرقد الشهيد سعد بسلام، وعن يمينه زوجته رهام، وعن شماله طفله علي، عائلة فلسطينية منكوبة اجتمع شملها تحت الأرض بعد أن ضاق بها مستوطنون أغراب قرروا في ليلة دهماء قبل أكثر من شهر سلبها حقها في العيش فوق أرض الآباء والأجداد.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com