على بعد 15 كيلومترا جنوب مدينة الخليل، ووسط جبال صفراء، تقع قرية سوسيا المكونة من خيام وكهوف تضم في جنباتها حوالي 300 نسمة، هم سكانها منذ القرن التاسع عشر على الأقل.

في عام 1983 أقيمت مستوطنة إسرائيلية على أراضي القرية، سميت أيضا سوسيا، ومنذ ذلك الحين صدرت عدة أوامر ترحيل من قبل سلطات الاحتلال ضد أهالي القرية، كان آخرها في شهر أيار الماضي، عندما أعطت المحكمة العليا الإسرائيلية الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لهدم ما تبقى من القرية وترحيل سكانها.

وبالنسبة للأطفال في قرية سوسيا، فإن أوامر الهدم والترحيل تؤثر عل كافة جوانب حياتهم، وتشكل عاملا لعدم الاستقرار عندهم، وغموضا حول المستقبل.

ويقول محمود نواجعة، أب لسبعة أطفال تتراوح أعمارهم من عام – 13 عاما، وهو يجلس على فراش رقيق في خيمة تتوسط القرية، ويحيط به أربعة من أولاده، "إن التدمير يستغرق عدة ثواني، فيذهب كل شيء في لحظة، بينما نحتاج وقتا طويلا لإعادة بناء وإعمار الخيام والقرية".

نواجعة الذي ناهز الأربعين عاما، يقول إنه يتذكر كيف أجبر وأسرته من قبل سلطات الاحتلال على مغادرة قريتهم الأصلية "سوسيا الأثرية" عندما كان يبلغ من العمر 6 أعوام، والانتقال إلى المنطقة التي يقيمون فيها حاليا، والتي تبعد حوالي 300 متر فقط عن قريته الأصلية وتعتبر امتدادا لها، وهو يخشى أن يعيش أطفاله التجربة نفسها.

ويضيف: "تم تهديدنا عدة مرات بالتهجير والهدم، أهم شيء هو البقاء على أرضنا، وإذا هجرنا من هنا فسيتم تدمير كل شيء، وسنخسر كل شيء".

الغموض وقرار هدم القرية

الغموض الذي يخيم على واقع القرية منذ إعطاء الضوء الأخضر لقوات الاحتلال لهدم القرية وترحيل سكانها قسرا، يجعل الحياة فيها صعبة وعرضة للتوقعات، ومعظم الأسر ليس لديها أدنى فكرة عن المكان الذي ستذهب إليه إذا تمت عملية الهدم.

ويعبر إسماعيل سلامة نواجعة (72 عاما) عن قلقه من إمكانية بقاء الأسر على قيد الحياة إذا ما تم هدم القرية وإجلاء سكانها، ويقول: ""نحن نعيش من الزراعة، وإذا هجرنا من هنا سنفقد مصدر رزقنا".

ويتساءل عن مصير ومستقبل حفيديه دلال (9 أعوام) وعمر (ثلاثة أشهر) كيف سيكون، في حال تم تهجير أهلهم وتدمير القرية؟

هذه المخاوف تضاف إلى التحديات اليومية التي يواجهها الأطفال الفلسطينيون في قرية سوسيا، على عكس نظرائهم الإسرائيليين الذين يقيمون في مستوطنة مقابلة، فالأطفال الفلسطينيون لا يستطيعون الحصول على البنية التحتية الأساسية مثل شبكات المياه، والكهرباء، والخدمات الصحية، والتعليم. وعند المقارنة بين الحياة في المستوطنة والحياة في القرية تجد أن هناك فرقا شاسعا بينهما.

سكان القرية ومنظمات حقوقية يقولون إن هذا بسبب السياسة التي تتبعها سلطات الاحتلال بحق القرية، والمتمثلة بحرمانها من رخص البناء والتوسع أو إنشاء البنية التحتية المناسبة.

وفي المناطق المصنفة "ج" التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، وتقع تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، كثيرا ما ترفض طلبات المواطنين الفلسطينيين بالبناء أو التوسع.

ووجدت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية (بيتسيلم) في عام 2013 أن ما نسبته 90% من طلبات التخطيط التي قدمها الفلسطينيون في مناطق "ج" تم رفضها، وبين عامي 2007 و2011، ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، رفضت ما تسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية جميع خطط البناء والتوسع المقدمة للمناطق الفلسطينية دون استثناء.

وفي الوقت نفسه، تسمح السلطات الإسرائيلية للمستوطنات بالتوسع في البنية التحتية، فمثلا مستوطنة "سوسيا" القريبة من القرية لا تزال تنمو.

وتتخذ سلطات الاحتلال من عدم وجود بنية تحتية ملائمة، التي تؤثر على مستوى الحياة لعائلات سوسيا، سببا أو ذريعة لهدم القرية، وأشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أنه في تشرين الأول عام 2013، اتخذت "الإدارة المدنية" الإسرائيلية من عدم وجود بنية تحتية ملائمة ذريعة وسببا رئيسيا لرفض خطة طرحت من قبل القرويين لتطوير قرية سوسيا.

وعندما يتم بناء منشآت دون رخصة في مناطق "ج"، تصدر سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر هدم بحقها كما في حالة سوسيا، فالهدم في مناطق "ج" يحدث بشكل متكرر ويؤدي إلى تهجير المئات من السكان.

وفي هذا السياق، وجد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنه في عام 2014، تم هدم 496 منشأة في مناطق "ج" وتشريد 969 شخصا، من بينهم 526 طفلا.

والأطفال الذين يعيشون عمليات الهدم يتأثرون لفترات طويلة بحالات من عدم الاستقرار، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على تعليمهم وصحتهم.
ويقول الطبيب النفساني حسن فرج، الذي يعمل مع منظمة "أطباء بلا حدود"، "إن الهدم الذي يتم بسرعة في كثير من الأحيان يقلب بشكل مفاجئ النظام والاستقرار في منزل العائلة، وهذا يخلق القلق والتوتر عند الشخص، الذي يمكن أن يعبر عن نفسه بالعدوانية، لا سيما عند الأطفال".
ويضيف فرج أن عمليات الهدم اليومية والمتكررة كان لها تأثير طويل المدى على الصحة النفسية عند الأطفال.

الأطفال في قرية سوسيا يعيشون الآن في بيئة من عدم الاستقرار، حالهم كحال العديد من الأطفال الفلسطينيين الآخرين في المناطق "ج"، إذا استمرت سياسة الهدم التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تلك المناطق، وبالنسبة لمحمود نواجعة فإن تكرار التحديات التي واجهها في طفولته مع أطفاله، يمكن أن تؤثر عليهم بصورة يصعب تحملها.

"بعد حوالي 35 عاما، أنا وأولادي نواجه الشيء نفسه مرة أخرى من الناس نفسهم. لا تسألني كيف أتصور مستقبل أطفالي. فوالدي تصور مستقبله وفشل، وأنا كذلك. أحاول أن أتصور مستقبلا جيدا لأطفالي في سوسيا، ولكني قلق من أنه سوف يفشل"، قال محمود نواجعة.

التسلسل الزمني للاستيلاء على أراضي قرية سوسيا

1983 إقامة مستوطنة "سوسيا".

1986 طرد السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في القرية وتأسيس موقع أثري مكانها، ومنع السكان من العودة إليها. فانتقل السكان إلى الأراضي الزراعية المجاورة، ومكثوا فيها منذ ذلك الحين.

2001 الطرد الثاني لسكان القرية، فقد تم تدمير الخيام وإغلاق الكهوف التي كانت تستخدم كمنازل، وردم بئر مياه، وقتل الأغنام وتخريب الحقول الزراعية، وإقامة مستوطنة.

أيلول 2001 صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بهدم البؤرة الاستيطانية وإعادة الأراضي لأصحابها الفلسطينيين، إلا أن المستوطنين وجنود الاحتلال تجاهلوا هذا القرار واستمروا بمنع الفلسطينيين من العودة إلى أرضهم.

2002 اعتماد البؤرة الاستيطانية الإسرائيلية التي أقيمت على أنقاض قرية سوسيا الأصلية كموقع أثري رسمي.

2010 قدم سكان القرية التماسا للقضاء الإسرائيلي من أجل تنفيذ قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الصادر عام 2001 والقاضي بعودتهم إلى أرضهم. المستوطنون قدموا التماسا مضادا بعد بضعة أشهر من التماس سكان القرية، والنتيجة هي عملية طرد ثالثة لعائلة النواجعة بعد أن حاولت العودة إلى أرضها التي هجروا منها عام 2001.

تشرين الأول 2011 القائد العسكري الإسرائيلي يصدر قرارا مفاده أن مساحات واسعة من الأراضي "المتنازع" عليها محظورة على الإسرائيليين.

الخامس من أيار 2015 المحكمة العليا الإسرائيلية تعطي الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لهدم القرية وترحيل سكانها قسرا خارج المنطقة "ج".

اليوم، صدور ما لا يقل عن 42 أمرا لوقف العمل في القرية، كما تم تقديم 36 طلبا للحصول على تصاريح بناء من قبل سكان القرية، 19 منها لا تزال في المحاكم الإسرائيلية. يمكن هدم قرية سوسيا في أي وقت.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com