في أعقاب ما نشرته صحيفة هآرتس بأنّ الحكومة الإسرائيليّة قرّرت بدء محادثات مع المُدّعية في المحكمة الجنائيّة الدوليّة في لاهاي، من أجل توضيح موقف إسرائيل، تقول منظمة بتسيلم: الادّعاء الإسرائيليّ بأنّ محكمة لاهاي لا تتمتّع بأيّ صلاحية للنظر في الشبهات المتعلقة بانتهاك قوانين الحرب، لأنّ "منظومة القضاء الإسرائيليّة هي منظومة مستقلّة ويمكنها معالجة الشكاوى بخصوص ارتكاب جرائم حرب ظاهريًّا"، هو ادّعاء عارٍ عن الصحّة. فتجارب الماضي تشير إلى عكس ذلك تمامًا، وإلى أنّ السطات أثبتت أنّها غير قادرة على التحقيق في الادّعاءات المتعلّقة بانتهاكات القانون الإنسانيّ الدولي التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة.

إنّ تجارب الماضي والإخفاقات البنيوية الجذريّة في منظومة تطبيق القانون في إسرائيل، ومن ضمنها النيابة العسكريّة، تعود وتجسّد عدم قدرة إسرائيل –وعدم رغبتها- على إجراء تحقيقات عمليّة وفعّالة في كلّ ما يخصّ الاشتباهات المتعلّقة بانتهاكات القانون الإنسانيّ الدوليّ. ويمكننا هنا التطرّق إلى ثلاثة إخفاقات أساسيّة:

الجهاز القائم غير مُعدّ للتحقيق مع المستوى السياسيّ أو المستوى القياديّ الرفيع، المسؤوليْن عن ترسيم السياسات والأوامر، وهو غير مؤهّل لذلك. وعلى سبيل المثال، فإنّ المسّ الجسيم الذي لحق بالمدنيّين والبنى التحتيّة نتيجة لسياسة قصف المباني السكنيّة أثناء "الجرف الصامد"، والتي حققت فيها بتسيلم في تقرير "راية سوداء"، لم ينشأ بسبب قرارات عينيّة اتخذها جنود أو ضبّاط، بل نشأ من سياسة وضعتها المستويات الأعلى، التي لا يستطيع جهاز التحقيق العسكريّ إجراء تحقيقات معها.

ازدواجيّة المُدّعي العسكريّ العام: يوفّر المُدّعي استشارة قضائيّة قبل الحرب وأثناءها بما يتعلّق بمشروعيّة وقانونيّة الأوامر، ومع انتهاء الحرب يتّخذ القرارات بخصوص محاكمة منتهكي القانون. وفي الحالات التي صدرت فيها أوامر غير قانونيّة في أعقاب الاستشارة التي قدّمها، يكون المُدّعي العسكري العام في وضعيّة تضارب مصالح َبنيويّة.

تتركّز تحقيقات الشرطة العسكريّة في المستوى الميدانيّ (الجندي على الارض ) وليس في المستوى القياديّ الرفيع، وهي تُفتح متأخّرة، فيما يسمح الاستقصاء العسكريّ للضالعين بملاءمة رواياتهم، فيما يفتقر المحققون في حالات كثيرة لإمكانيّة الوصول إلى مواقع الأحداث.

يتّضح بجلاء من خلال المعطيات والتصريحات المتكرّرة الصادرة عن الجهاز، أنّ الوضع السائد اليوم مطابق للوضع الذي كان سائدًا في السابق، وأنّ صورة التحقيقات التي تديرها النيابة العسكريّة لا تتطرّق إلى سياسات استخدام القوه في "الجرف الصامد"، بل إلى أحداث معرّفة فقط يرى فيها الجهاز "استثنائيّة". زدْ على ذلك أنّ المعطيات الرسميّة التي نُشرت حتى الآن حول التحقيقات الجارية هي قليلة وليست إلّا عيّنات. وفي بيان النيابة العسكريّة الصادر يوم 11/6/2015 جاء أنّه جرى للآن فحص 105 "أحداث استثنائيّة" في جهاز الفحص التابع لقيادة الأركان، وأنّ المُدّعي العسكريّ العام أمر حتى الآن بفتح 22 تحقيقًا لدى شرطة التحقيق العسكريّة (سبع تحقيقات من بينها تتعلّق بالأحداث التي فحصها هذا الجهاز)، جرى إغلاق اثنين منهما على الأقلّ من دون اتخاذ تدابير قضائيّة، فيما قرّر المُدّعي العسكريّ العام في تحقيق واحد منها تقديم ثلاثة جنود للمحاكمة بتهمة النهب.

استنادًا إلى تجارب الماضي والتصرّفات الراهنة، من الصعب عدم التوصّل إلى الاستنتاج القائل بأنّ التحقيقات الحاليّة ما تزال صورية فحسب، وهي تهدف لصدّ النقد الدوليّ، لا للكشف عن الحقيقة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com