ما إن يصل المتسوقون عبر الشوارع الأربعة المؤدية إلى سوق الزاوية التاريخي وسط غزة، حتى تستقبلهم رائحة السمك المملح أو "الفسيخ" لتجذب بعضهم لشرائه، فيما تجبر آخرين على تغيير مسارهم.

ومع قرب حلول عيد الفطر بيومين، يصطف عشرات من الباعة لعرض منتجهم الذهبي، ليجد طريقه لاحقًا إلى موائد آلاف الغزيين الذين يتمتعون بمذاقه الشديد الملوحة، إلى جانب الصلصة الحاذقة الخاصة بهذه الوصفة.

ويُفضل أهالي غزة بضع أنواع من الأسماك لصنع "الفسيخ" مثل أسماك "البوري" و"الدنيس" و"الجرع"، حيث يُجفف ويُملح لفترات طويلة تصل إلى نحو عامٍ كاملٍ أحيانًا.

كما تتراوح أسعار تلك الأسماك المملحة بحسب أنواعها، حيث يصل الكيلوغرام الواحد من "البوري" إلى 40 شيكل، و20 شيكل لـ"الجرع" و15 لـ"الدنيس".

سوء التخزين 

وعلى الرغم من زيادة الطلب على "الفسيخ" قبيل حلول العيد، إلا أن البائع نايف شويخ أكد أن زبائنه أصبحوا أكثر حذرًا عند شرائه نظرًا لتعرض بعضه للتلف جراء سوء التخزين.

ويقول شويخ (32 عامًا) لمراسل "صفا" إن الناس يفضلون تناول هذه الأكلة في المناسبات والأعياد لكسر الروتين اليومي الذي عاشوه خلال شهر رمضان من وجبات دسمة، في حين أن الفسيخ تعد وصفة موسمية وذات مذاق خاص".

وكما استقبلت رائحة "الفسيخ" زبائنه في الأسواق، فإنها تعود كذلك مع صبيحة أول أيام العيد لتفوح في منازل بعض العائلات، وخصوصًا مع صلصة "الفسيخ" المكونة من الطماطم والبصل المقلي.

ولـ"الفسيخ" طقوس مميزة لتناوله، حيث يفطر الناس بعيد شروق الشمس عادةً على حبات من الكعك إيذانًا بانتهاء شهر الصوم الفضيل، ثم يخرجون لأداء صلاة العيد، فيما تنشغل النساء بإعداد تلك الوجبة المالحة لتقديمها.

وتقلب الحاجة زهرة غزال بإصبعيها قطع "الفسيخ" دون تدخل من البائع لتختار الجيد منها لإعداده لعائلتها.

وتقول غزال (50 عامًا) بعد أن اشترت كيلوغرامين من "فسيخ" الجرع إنها تواظب على إعداد الفسيخ في الأعياد لعائلتها المكونة من ستة أشخاص.وتضيف مازحةً" أكل الفسيخ يحتاج صحةً جيدة وقدرة عالية على تحمل طعمه غير التقليدي".

مصرية 

ويُعتقد أن وصفة "الفسيخ" مأخوذة عن المصريين الذين كانوا ولازالوا يتناولونه منذ عهد الفراعنة قبل آلاف السنين، والتي تظهر نقوش إعداده على جداريات بعض الأهرام الفرعونية.

ومن غير المعهود أن يُقدم طبق "الفسيخ" في مطاعم غزة، ليبقى وصفةً شعبية حبيسة المنزل، في حين أن البعض قد يفضل تناوله بحضور جمعٍ من الأقارب أو الجيران.

أما ربحي الحاج فيفضل نوعًا آخر من "الفسيخ" وهو أسماك الرنجة المُدخنة. فهي كما يصفها أقل ملوحةً من "الفسيخ" وأجود في طريقة الحفظ من حيث عدد أيام التخزين.

ويعد شويخ الفسيخ لزبائنه قبل أشهر طويلة؛ فبعض الأسماك الطازجة كـ"البوري" تحتاج إلى 10 أشهر تقريبًا لتسلخ وتفتت لحمها لتكون ناضجة تقريبًا، فيما تحتاج الأنواع الأخرى لنحو 4-5 أشهر فقط.

تحذير طبي 

ويحذر أخصائي التغذية محمد الشيخ من الإكثار من تناول "الفسيخ" على الرغم من أنها وصفة سهلة الهضم، قائلاً إن تناول الفسيخ بكثرة قد يصيب من هم بالكاد أنهوا صيامهم بوعكة صحية، خصوصًا ممن يعانون من أماضٍ مزمنة كالضغط.

وأضاف الشيخ لوكالة "صفا" أن الفسيخ يعد فاتحًا للشهية، داعيًا إلى تناوله في فترات الظهيرة لإتاحة تناول أطعمة أخرى بعده من أجل راحة المعدة التي اعتادت طوال شهرٍ كامل على التوقف عن الأكل لساعات طويلة.

وعلى الرغم من انتشار طبق "الفسيخ" الشعبي في غزة، إلا أنه مكانته بدأت تهتز كما يقول المواطن عبد الكريم صالحة لـ"صفا": "فالشباب اليوم يفضلون الوجبات السريعة وليس التقليدية الشعبية، كما أنهم لربما ينفرون من رائحتها".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com