عرف العالم عامةً الفنان عمر الشريف بقوة عام 1962، حيث مثل في فيلم "لورانس العرب". في الفيلم يظهر الشريف وهو يركب الجمل، يتحرك ببطء نحو الكاميرا ويلفظ جملة واحد "لقد مات"، وهذا ما حدث أمس، فقد ودعنا عمر الشريف بعد مسيرة حافلة جدًا بالعطاء السينمائي.

عمر الشريف، الذي بدّل أسمه السابق "ميشيل دمتري شلهوب"، توفي أمس جراء أزمة قلبية حادة المت به عن عمر يناهز الـ 83 عامًا، علمًا أنه أصيب في الآونة الأخيرة بمرض "الزهايمر"، حيث ساءت حالته الصحية والنفسية بشكل كبير بعد وفاة محبوبته سيدة الشاشة "فاتن حمامة" والتي أعلن إسلامه ليتزوج بها!.

الفلسطينيون يوّدعون عمر الشريف

استوطن الشريف قلوبًا كثيرة في العالم العربي والعالم أجمع، وبقيت الأدوار التي مثلها في السينما محفورة في الوجدان. أمس أنضم إلى قافلة وداعه عددٌ من الفلسطينيين الذي تطرقوا إلى "خسارته" عبر صفحات العالم الافتراضي.

الصحافي والشاعر سامي مهنا، ابن قرية يركا الجليلية، كتب على الفيسبوك في هذا السياق: عندما يصل فنّان عربي إلى العالمية، كما وصل عمر الشريف، فإنّنا كعرب نصلُ معه إلى التفاعل والتأثير في الثقافة الحضارة العالمية المعاصرة، ففي العصر الراهن، الأمة العربية هي أمة مستهلكة غير منتجة للحضارة، سوى أقلّةٍ، لعبوا دورًا منتجًا ومتفاعلاً عالميًا.

وأضاف: عمر الشريف، الذي بدأ مشواره في فيلم "صراع في الوادي"عام 1954، وصل إلى العالمية، شهرةً وتأثيرًا وتقديرًا. وفيلم دكتور جيفاغو، هو الفيلم الخالد، وأكثر الأفلام شهرةً عالميًا، سيخلد اسم عمر الشريف، كأحد رموز السينما عالميًا، بالاضافة إلى لورنس العرب وغيرهم من الأفلام.

وقال: وحتى بعد تراجع عمر الشريف عن لعب أدوار البطولة الرئيسية، نظرًا إلى تقدمه في السن، واعتياد المشاهدين على شخصية الرجل الجذاب، بقيت قيمته كإسم كبير مؤثرةً لدرجةِ اعلاء قيمة أي فيلم يشارك فيه، ولو بدور ثانوي وبسيط، كما حدث في فيلم المحارب الثالث عشر، على سبيل المثال.

وقال: ولعل أهم فيلم مثله مؤخرًا، هو فيلم حسن ومرقص، حيث شارك في بطولته مع عادل امام، بعد عودته إلى مصر، هذا الفيلم الهادف، مُضاد للطائفية والتعصب الديني، الذي يسود في العالم العربي عامةً، وليس غريبًا على رجل حمل اسم عمر الشريف عالميًا، ولم يُعد اسمه السابق، ميشيل ديمتري شلهوب، الأقرب إلى ذهنية الغرب، بعد أن تحول إلى العالمية، يشير إلى حقيقة فكره العروبي الواثق، وتجاوزه فعليًا مسالةً الانتماء الديني وتمسّكه بالانتماء القومي والانساني الكوني.

اما الناشط عدي محاميد، فقد كتب مودعًا الشريف بطريقته: فقد عمر الشريف الذاكرة بعد وفاة فاتن حمامة مؤكدًا أنها كانت كل العالم له ورفض الطعام اخر 15 يومًا ليلحق بها، أي نبل؟ عاش نجماً .. ومات بطلاً.

د. محمود ابو فنة، ابن كفرقرع، كتب ايضًا على الفيسبوك قائلا: رحيل عملاق الفن عمر الشريف (1932 – 2015)، من الممثلين الذين لهم مكان دافئ في قلبي الفنّان عمر الشريف! ما زلتُ أذكر بالفخر والاعتزاز والمحبّة شخصيّته المتألّقة الوسيمة في الفيلم الخالد "دكتور جيفاغو " الذي حالفني الحظ لمشاهدته وأنا طالب أدرس في الجامعة في القدس قبل أكثر من أربعة عقود.

وقال: لم يكن عبثًا ما كتبه عنه الصحفيّون والمحلّلون بأنّه معشوق الحسان القادم من الشرق، بل نعتوه بأنّه "عندليب النيل" الساحر. تغمّده الباري بواسع رحمته!

اما الصحافية منى عمري فاكتفت بالتعليق: أبو ضحكة چنان .. وداعًا عمر الشريف.

الصحافي أمجد عرار، من رام الله كتب على الفيسبوك قائلا: لن أخوض في التاريخ السينمائي الطويل للفنان الراحل عمر الشريف، فالعالمية الهوليودية بالنسبة لي ليست أهم من المحلية المصرية والعربية. وأدرك أن عمر الشريف ترك خلفه ما له وما عليه، لكن تسجل للراحل بصمته المتوهجة في ذلك الدور الذي أداه بجوار الفنان عادل إمام في فيلم "حسن ومرقص"، وهو الفيلم الذي قرع جرس الإنذار من الفتنة الطائفية، قبل أن تقع الفأس بالرأس. في ذلك الفيلم أنقذ المسيحي عائلة المسلم بعدما نجحت أصوات الفتنة في إشعال الحريق، لكن الفيلم قدم في مشهد النهاية عائلتين مسلمة ومسيحية متشابكتي الأيدي رغم ضربات السواطير والخناجر. لروحك الرحمة والسلام يا عمر الشريف.

بدوره ودعه الصحافي جهاد القاسم، رام الله، قائلا ايضًا على الفيسبوك: نقرأ في أخبار اليوم ان الفنان عمر الشريف مصاب بـ"الزهايمر".. ويسأل عن زوجته السابقة فاتن حمامة التي كانت سببا في دخوله الاسلام عندما تزوجها حيث اسماها "حب حياته"حيث انه بعد 39 عامًا من الطلاق لم يتزوج غيرها لحبه لها.

اما الصحافي أحمد الفيومي، من غزة فقد كتب على صفحته الفيسبوك: ساحر السينما ‫#‏عمر_الشريف‬ أنهى المشهد الأخير في هذه الحياة.

وفيما تطرق السابقون إلى "محاسن" الفقيد، فضل الصحافي والمصور المعروف فادي العاروري تناول جانب آخر من حياة الشريف، سياسيّ أكثر منه فني، حيث كتب على الفيسبوك قائلا: انا انسان واقعي ولست عاطفيّا. فعلى هامش التطبيل والعويل والبكاء على عمر الشريف أحب أن اذكر بشخصية الفنان الفذة الداعمة للتعايش مع اليهود، وهو احد الفنانين اللي تعاملوا مع اليهود بطريقة منفتحة . عمر الشريف قام سابقًا بالمساواة بين ارئيل شارون والراحل ابو عمار قائلا أنه يجب التخلص من الإثنين لإحلال السلام!

وأضاف العاروري: طيب يا عمو عمر، هاي ابو عمار وشارون وانت متت .. اي سلام؟!

سيرة

وللتذكير فقط، ولد ميشيل ديمتري شلهوب وهو الاسم الحقيقي للفنان الراحل عام 1932 في مدينة الإسكندرية الساحلية بمصر وتلقى تعليمه في مدرسة فيكتوريا وكان زميل دراسة للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 - 2003) والمخرج المصري يوسف شاهين الذي اكتشفه ومنحه البطولة في أول أدواره أمام عدد من نجوم السينما آنذاك في فيلم (صراع في الوادي) عام 1954.

كان والده تاجر أخشاب، ولطالما أراد أن يعمل ابنه في هذه المهنة إلا أن ميشيل الصغير كان شغوفآ بالتمثيل الذي بدأه على خشبة مسرح فيكتوريا كوليدج التي كان يدرس فيها. كان زميلا للمخرج العالمي يوسف شاهين في كلية فيكتوريا بالإسكندرية. عشق المسرح المدرسي، وقدم العديد من تجاربه، وعمره لم يتجاوز الإثني عشر ربيعا.

السينما حياته

شق الممثل المصري طريقه من المحلية إلى هوليوود حتى أصبح من أبرز النجوم العرب الذين حققوا شهرة عالمية بلغت ذروتها في فيلمي "دكتور جيفاجو" و"لورانس العرب" وقدم على مدى نحو ستة عقود مجموعة من الأعمال السينمائية والتلفزيونة البارزة حتى وفاته اليوم الجمعة.
وشارك الشريف الذي يعتبره سينمائيون من ألمع النجوم في تاريخ السينما المصرية في بطولة أفلام تعد الآن من الكلاسيكيات منها (بداية ونهاية) و(صراع في النيل) و(في بيتنا رجل) و(إحنا التلامذة).

كما تزوّج الشريف الممثلة المصرية فاتن حمامة الملقبة بسيدة الشاشة العربية بعد قبلة شهيرة في آخر مشاهد فيلم (صراع في الميناء) عام 1956. ومن أفلامهما معا (سيدة القصر) و(أيامنا الحلوة) و(أرض السلام) و(نهر الحب) و(لا أنام).

وكان الفيلم المصري (المماليك) الذي عرض عام 1965 آخر أعمال الشريف قبل أن يغادر بلاده.

وكانت البداية القوية للشريف في السينما الأميركية عام 1962 حين اختاره المخرج البريطاني ديفيد لين لآداء دور الشريف علي في فيلم "لورانس العرب" أمام ممثلين يحظون بشهرة عالمية في مقدمتهم البريطاني بيتر أوتول والأميركي أنتوني كوين. وبعد هذا الفيلم شارك الشريف في عدد من الأفلام الإيطالية والفرنسية.

ولكن مشاركته في السينما الأميركية كانت الأكثر غزارة وبروزا ومنها "دكتور جيفاجو" و"فتاة مرحة" و"سقوط الإمبراطورية الرومانية" و"تشي" عن الزعيم الأرجنتيني الأشهر تشي جيفارا الذي شارك في الثورة الكوبية.

وعاد الشريف للسينما المصرية عام 1984 بفيلم "أيوب" المأخوذ عن إحدى قصص الروائي نجيب محفوظ. كما قام ببطولة فيلم "الأراجوز" عام 1989 إضافة إلى مشاركته في فيلمي "المواطن مصري" عام 1991 و"ضحك ولعب وجد وحب"عام 1993 و"حسن ومرقص" عام 2008 مع الممثل المصري عادل إمام و"المسافر" عام 2009 مع خالد النبوي.

كما قدّم مسلسل "حنان وحنين" في 2007 والذي شاركه بطولته نسرين إمام وسوسن بدر ومادلين طبر وأحمد عزمي.

ولم تنقطع علاقته بالسينما الأميركية إذ شارك عام 1999 في فيلم "المحارب 13" الذي قام ببطولته الممثل الأمريكي-الاسباني أنطونيو بانديراس. كما قام عام 2003 ببطولة الفيلم الفرنسي (السيد إبراهيم وزهور القرآن) وفاز عن دوره بجائزة أحسن ممثل (جائزة سيزار الفرنسية) في شباط 2004.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com