لثمانية عشر يوماً، واصلت سوسن عبيدي (35 عاماً) زيارة طفلها في قسم حديثي الولادة في مستشفى المقاصد الخيرية، وفي عيونها فرحة لقاء طفلها "نضال"، وأمل باصطحابه إلى البيت، لتحتضنه وزوجها جهاد بعد أن خاضا معاً مرحلة صعبة طيلة فترة حملها التي لم تخلُ من الخطر على حياة الأم وجنينها.

انتظرت سوسن وزوجها الأسير المحرّر جهاد عبيدي (47 عاماً)، والذي قضى في المعتقلات الإسرائيلية 25 عاماً، أن يمنّ الله عليهما بنعمة الأبوة والأمومة، وبعد سنوات طوال رزقهما الله بإبنهما "نضال" خلال الشهر الثامن من الحمل، حيث اتخذ الطاقم الطبي في قسم التوليد بمستشفى المقاصد قراراً باللجوء إلى عملية الولادة القيصرية العاجلة لإنقاذ حياة الأم والجنين، على الرغم من الخطورة التي اكتنفت العملية بسبب مضاعفات تسمّم الحمل، مما كان يهدّد حياة الأم وجنينها.

تقول سوسن: "لم تكن رؤية طفلي "نضال" بالنسبة لوالده ولي سوى حلماً بعيد المنال، بعد كل ما عانيته طيلة فترة حملي من صعوبات ومخاطر صحية نتيجة حدوث تسمّم الحمل، ولكنّ رحمة الله واسعة، ومشيئته منحتنا فرحة رؤية عيني طفلنا واحتضانه، وتحقيق حلمنا".

قدوم نضال إلى الحياة كان له وقعٌ خاص على جهاد، ويقول: "كنت قلقاً جداً على صحة زوجتي أكثر من قلقي على المولود، لأنها كانت مريضة وتعاني من مشاكل صحية، وحتى أنني خُيّرت للحظات بين إنقاذ حياة زوجتي أوحياة الطفل الذي انتظرته طويلاً، لكن الآن قلبي لا يكاد يتسع لفرحتي بوجود طفلي نضال في حياتي، فميلاد نضال كأنه يوم ميلادي بعد 25 عاماً في الأسر".

وطيلة ثلاثة أسابيع، تلقّى "نضال" الذي ولد برئتين غير مكتملتي النمو، العناية الطبية في حضانة قسم حديثي الولادة في مستشفى المقاصد، نظراً لعدم اكتمال نموه حيث لم يتجاوز وزنه عند الولادة 1700غم، وتذكر سوسن: "لذلك كنت أنهار أحياناً وأبدأ بالبكاء، ولكن الممرضات والأطباء كانوا يسرعون لمواساتي وطمأنتي بأن طفلي بحالة جيدة وسيتحسن".

وتضيف سوسن: "فاجأتني كفاءة الطاقم الطبي في المستشفى، وهي كفاءة تضاهي المشافي الإسرائيلية فالأطباء وطاقم التمريض يهتمون شخصياً بالجانب النفسي للحامل ويراقبون بشكل متواصل حالة الجنين، ويبنون علاقة طيبة مع الأم الحامل من أجل دعمها حتى تتمكن من رعاية طفلها".

فرحة سوسن وجهاد بعناق طفلهما في بيتهما بعد عناء، لن تنسيهما ما مرت به الأم وطفلها من صعوبات صحية، وما قدمه الطاقم الطبي في قسم حديثي الولادة الذي تكفل برعاية "نضال" حتى أصبح قادراً على التنفس بعيداً عن أجهزة التنفس الاصطناعي.

وتضيف سوسن: "انتظرنا هذا الطفل كثيراً، واكتمل حلمنا برؤيته في غرفته، بعد أن بذل الأطباء في قسم حديثي الولادة كل الجهود والمتابعة الحثيثة لإنقاذ حياته، وبفضل الله سبحانه وبجهود الأطباء أضاء نضال حياتنا ومنزلنا. كلمات الشكر لن تكفي لمستشفى المقاصد الذي نفخر به، ونتمنى أن نقدم الدعم الحقيقي له، فهو بحاجة لدعم ومساندة ليس من الجهات المانحة فحسب، بل من جميع الجهات، برأيي أن دعم المقاصد سيسهم في حماية أطفالنا ويصنع حياة".

حمل صعب 

ويؤكد اختصاصي رئيس قسم النسائية والتوليد في مستشفى المقاصد الدكتور سعادة جابر، الذي أشرف على حالة الأم أن "حمل سوسن كان صعباً و"عزيزاً" نظراً لعمرها المتقدم نسبياً، مما اضطرها إلى إجراء عملية زراعة طفل الأنابيب في أحد المراكز المتخصصة، وقد بدأت حالتها الصحية بالتراجع في منتصف الشهر الثامن من الحمل حين تبين أنها تعاني من تسمم الحمل المصاحب لارتفاع ضغط الدم الشديد وارتفاع نسبة (الزلال) في البول، مما يؤدي إلى خلل في نمو الدورة الدموية للجنين".

ويضيف الدكتور جابر: " أصبحنا بين خياريْن؛ فإما أن نطيل مدة الحمل من أجل اكتمال نمو الجنين، مما سيشكل خطراً على حياة الأم بسبب التسمم، وإما أن نجري عملية قيصرية سريعة لإخراج الجنين والحفاظ على حياة الأم، وبعد التشاور مع زميلَيْ الدكتور خالد مصاروة اختصاصي أمراض النسائية والتوليد، والدكتور عز الدين حسين اختصاصي الأمراض الباطنية والقلب، فقد لجأنا إلى الخيار الثاني وتمكنا من الحفاظ على سلامة الأم والمولود، في عملية حذرة تكللت بالنجاح".

الممرضة وردة زيدان في قسم حديثي الولادة تقول: "عندما تتحسن حالة طفل كانت حالته الصحية متدهورة، فإننا نشعر بإنجاز خاص وبقيمة عملنا، تمر بنا حالات إنسانية تمس مشاعر كل الطاقم العامل فتصبح جزءاً منا". 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com