في يوم 4/5/2015، رفض قاضي المحكمة العليا، نوعَم سولبرج، طلبًا لإصدار أمر مؤقّت يوقف تنفيذ أوامر الهدم التي صدرت ضدّ بيوت في قرية خربة سوسيا جنوبيّ جبال الخليل. وطلب السكان إصدار هذا الأمر في إطار التماسهم ضدّ قرار الإدارة المدنيّة رفض الخارطة الهيكليّة التي أعدّوها للقرية. وادّعى سكان خربة سوسيا في الالتماس الذي قدّمته المحامية قمر مشرقي من منظمة شومريه مشباط-حاخامين من اجل حقوق الانسان حاخامات لأجل حقوق الإنسان، أنّ الخارطة التي قدّموها رُفضت وفق مسوّغات غير موضوعيّة ومن خلال فرض معايير مزدوجة في التخطيط والتمييز الصارخ ضدّ السكان الفلسطينيّين.

ويعني قرار القاضي سولبرج أنّ بوسع الإدارة المدنيّة هدم كلّ بيوت القرية في أيّ لحظة. يتراوح عدد سكان خربة سوسيا بين 250-350 نسمة، وفقًا لمواسم السنة، سيظّلون من دون مأوى وسط ظروف صحراويّة قاسية. وما تعنيه مثل هذه العمليّة هو طردهم من أراضيهم، وهي خطوة قاسية وغير قانونيّة.

وقد سبق لمستوطني المنطقة أن سيطروا على ما يقرب 3,000 دونم تابعة لسكّان القرية. وبناءً على تجارب الماضي، بوسعنا أن نفترض أنّ المستوطنين سيسيطرون على هذه الأراضي أيضًا في حال نجاح السلطات بطرد سكّان خربة سوسيا من منطقة سكنهم الحاليّة، أو أنّ السلطات الإسرائيليّة ستسيطر عليها وستخصّصها للمستوطنين.

ويعكس تعامل سلطات الدولة مع خربة سوسيا وسكّاتها كيفيّة استغلالها لقوانين التخطيط، بغية منع الفلسطينيّين في منطقة C من البناء والتطوير بما يلائم احتياجاتهم: فغالبيّة الفلسطينيّين في هذه المنطقة يعيشون في قرى ترفض السلطات الإسرائيليّة تخطيطها وربطها بالبنى التحتيّة وفق مسوّغات مختلفة. وعندما يقوم سكّان التجمع السكاني بتشييد بيوتهم من دون ترخيص، مكرهين، فإنّهم يضطرّون للعيش تحت سيف التهديد المتواصل بهدم بيوتهم وطردهم من مكان سكناهم. ويقف من وراء هذه التصرّفات التي تبدر عن السلطات الإسرائيليّة السّعي الذي أعلنته جهات رسميّة في عدّة مناسبات، للسيطرة على هذه المناطق من أجل فرض ظروف تُسهّل من ضمّها إلى حدود دولة اسرائيل في إطار اتفاقيّة دائمة، وضمّها إلى ذلك الحين كأمر واقع.

تناقض هذه السياسة التي تتبعها السلطات الإسرائيليّة الواجب الملقيّ عليها بالاهتمام باحتياجات السكان في المنطقة الخاضعة للاحتلال، وهي تشكّل انتهاكًا جسيمًا للحظر الوارد في القانون الإنسانيّ الدوليّ ضدّ نقلهم من أماكنهم قسرًا، ما خلا الحالات الاستثنائيّة، التي لا تنطبق بأيّ شكل على حالتنا موضوع الحديث.

إنّ تنكيل السلطات الإسرائيلية بسكّان خربة سوسيا لم تبدأ اليوم: فقد طرد الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنيّة السكان من بيوتهم عدّة مرات، التي سكنوها قبل احتلال إسرائيل للضفة. الإدارة المدنيّة هي الجسم المسؤول عن إدارة كلّ مجالات الحياة المدنيّة في منطقة C، "من أجل رفاهيّة وصالح السكّان"، ظاهريًّا "من اجل رفاهية ومصلحة السكان". وبدلاً من ذلك تقوم الإدارة المدنيّة بتشغيل أجهزتها التخطيطيّة، التي لا تحوي أيّ تمثيل للفلسطينيّين، من أجل منع السكّان من دفع حلول تُلبّي احتياجاتهم، ما يؤدّي إلى عجزهم عن تشييد بيوتهم بشكل قانونيّ أو الارتباط بشبكتيّ الكهرباء والماء. وتمتنع السلطات الإسرائيلية، أيضًا، وبشكل منهجيّ عن حماية سكّان القرية من المستوطنين الذين يعتدون عليهم وعلى ممتلكاتهم، ويفرضون القيود على حركة سكّان القرية صوب يطا، وهي مدينة القضاء التي يتبعون لها.

وقدّم سكّان خربة سوسيا على مرّ السنين التماسات عدّة إلى المحكمة العليا، مطالبين بعدم هدم بيوتهم والسماح لهم بالبناء في الموقع وفقًا للقانون. إلاّ أنّ القضاء آثروا، مرّة تلو الأخرى، اتباع الادّعاءات الشكليّة ورفضوا إلزام السلطات بأداء واجباتها، ومن ضمنها تجهيز خارطة هيكليّة للقرية والامتناع عن هدم بيوت السكّان، بغية السماح لهم بمواصلة العيش في الموقع بظروف معقولة.

يُعتبر السكّان الفلسطينيّون، وخلافًا للمستوطنين، سكّانًا "محميّين" وفق القانون الإنسانيّ الدوليّ، وبذا فإنّ المسّ بهم يبرز خصوصًا على خلفيّة دعم ومساعدة السلطات في بناء مستوطنات المنطقة وتوسيعها، حتى تلك التي أنشئت خلافًا للقانون الإسرائيليّ.

خلفيّة (للتوسّع):

تقع قرية خربة سوسيا الفلسطينية جنوبي جبال الخليل، منذ القرن التاسع عشر. في عام 1983 أقيمت بجوار القرية مستوطنة سوسيا على أراض فلسطينية جرى الإعلان عنها أراضيَ دولة، ومن وقتها تسعى السلطات لطرد السكّان الفلسطينيّين من الموقع.

في عام 1986 طُرد السكان من قريتهم الأصليّة، إذ أنّ الموقع تحوّل اليوم إلى موقع أثريّ بإدارة مستوطنين يسكنون فيه. وعلى مرّ السنين طرد الجيش الإسرائيلي السكّان مرات عدّة، كان آخرها عام 2001، وذلك بعد فترة وجيزة على قتل فلسطينيّين ليئير سيناي، وهو من سكّان مستوطنية سوسيا. وقد انتقل السكّان للعيش على أراضيهم الزراعيّة الخاصّة.

في تشرين الأول 2013، وبعد نضال طويل، رفضت اللجنة الفرعيّة للتخطيط والترخيص التابعة لمجلس التخطيط الأعلى في الإدارة المدنيّة، الخارطة الهيكليّة التي قدّمها سكان خربة سوسيا. في المقابل، نشرت الإدارة المدنيّة قرارها بإصدار أوامر هدم لكلّ مباني القرية. وعكست المسوّغات من وراء رفض الخارطة الهيكليّة تعاملاً غير موضوعيّ واستعلائيًا. فعلى سبيل المثال، اُدّعي أنّ عدد سكان القرية (عدة مئات) لا يسمح بوجود كيان تخطيطيّ مستقلّ، إلاّ أنّ ما يثير العجب أنّ هذا الأمر لا يشكّل مانعًا أمام نفس الجهة التخطيطيّة في الإدارة المدنيّة بتنظيم وتسوية البؤر الاستيطانيّة الصغيرة. وقالت اللجنة الفرعيّة أيضًا إنّ الخارطة المقترحة تمنع سكّان خربة سوسيا من التقدّم والخروج من دائرة الفقر، إلاّ أنّها لم تتكلّف عناء القول إنّ القرية تعاني نقصًا في البنى التحتيّة في أعقاب رفض الإدارة المدنيّة تسوية مكانتها. واقترحت الإدارة المدنيّة على سكّان خربة سوسيا المبادرة لتخطيط بديل في موقع أكثر قربًا من مدينة يطا، الأمر الذي يعني نقل سكّان خربة سوسيا إلى خارج منطقة C وطردهم من أراضيهم.

في شباط 2014 التمست منظمة شومريه مشباط-حاخامين من اجل حقوق الانسان المحكمة العليا ضدّ قرار اللجنة الفرعيّة للتخطيط والترخيص ورفض الخارطة الهيكليّة التي جهّزت للقرية. وقد رُفض طلب إصدار أمر مؤقت ضمن الالتماس، وما تزال القرية اليوم تمثل تحت خطر هدمها الفوريّ.

تناقض سياسة السلطات تجاه سكّان القرية، وبشكل كبير، سياسة التخطيط السخيّة التي تبديها تجاه سكّان المستوطنات في المنطقة: فمستوطنو سوسيا والبؤر الاستيطانيّة المجاورة لها يتمتّعون بكلّ البنى التحتيّة والخدمات وبالحصانة ضدّ هدم بيوتهم، رُغم أنّ هذه البؤر أقيمت من خلال مخالفة القانون الإسرائيليّ نفسه، ورُغم أنّ هناك 23 بيتًا شُيّدت في المستوطنة نفسها على أراض فلسطينيّة خاصّة، وذلك وفق معطيات جمعيّة "رجافيم" الاستيطانيّة.

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com