كما كتبنا في وقت سابق 11.3.2015 , اسبوع قبل الانتخابات ان " السبب الحقيقي للانتخابات الاسرائيلية هو يهودية الدولة والقضية الفلسطينية " وتوقعنا وراينا فوز نتنياهو الذي اراد الحصول على مصادقة من جديد واستفتاء ودعم الشعب له , على الرغم من توقعات معاهد الاستطلاعات والمراكز الاستراتيجية السياسية بفوز حزب العمل والمعسكر الصهيوني , وبهذا يكون قد حصل على توكيل من اجل الاستمرار بالمفاوضات العبثية والاستمرار بالاستيطان الذي سوف يؤدي خلال فترة حكمة الجديدة , الى ضم المنطقة " ج " من اراضي الضفة الغربية الى اسرائيل كما ضمت هضبة الجولان سنة 1981 , بادعاء وجود اكثرية يهودية 90% مستوطنين مقابل 10 % فلسطينين من الفلاحين على حد تعبيرهم .

والمنطقة " ج " تشكل 85 % من مساحة الضفة الغربية , بحيث تبقي السلطة الوطنية الفلسطينة , " سلطة بلا سلطة " كما قالها الرئيس ابو مازن , في المدن الرئيسية في رام اللة , نابلس , جنين , بيت لحم والخليل ... . وتاكيد على ذلك , ما قالة نتنياهو في يوم الانتخابات من عدم قيام دولة فلسطينية وخجل من قول الحقيقة كاملة عن نيتة ضم المنطقة " ج " لاسرائيل . ( كلام يفهم عندما يقال , وكلام يفهم عندما لا يقال ) .

وعلى المستوى الداخلي في اسرائيل فسوف يحاول نتنياهو تمرير القانون الدستوري " اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي " , اذا لم يواجة معارضة شديدة من بعض الاحزاب الدينية ومن بعض بقايا القوى الديمقراطية والسياسية ذات الحساسية للقيم الدولية والعلاقات الدولية مع الغرب , وذلك كما حصل بالثورة القانونية عند المصادقة على القانون الدستوري , " قانون اساس : قيمة الانسان وحريتة " سنة 1992 , حيث عرفت دولة اسرائيل بدولة يهودية وديمقراطية دون معارضة عربية داخلية ( بالتاكيد كانت معارضة من بعض اعضاء الكنيست العرب , ولم تكن ضجة شعبية مناهضة ضد هذا القانون ) .

هاتان القضيتان قضيتان وجوديتان بالنسبة لاسرائيل والشعب الفلسطيني في الداخل والضفة الغربية , وهي برهان قاطع على ان اسرائيل دولة غير ديمقراطية بل هي بالتاكيد دولة دكتاتورية الاغلبية . وتذكرنا بدكتاتورية هتلر الذي ضم اقليم سودتي (Sudety ) من دولة تشيكوسلوفاكية حسب اتفاقية ميونخ سنة 1938 بادعاء وجود اكثرية المانية في هذة المنطقة من تشكوسلفاكيا , تماما مثل الاكثرية اليهودية في المنطقة " ج " كما ذكر اعلاة , والتي يذكرها ويستشهد بها نتنياهو ( لغايات في نفس يعقوب ) , والتي كانت احد الاسباب الرئيسية لاندلاع الحرب العالمية الثانية .

الحكومة والكنيست تسن قوانين وقرارات عنصرية تحت غطاء الاغلبية الدكتاتورية , فالشعب الفلسطيني داخل اسرائيل يعيش تحت دكتاتورية الاغلبية اليهودية , والذي يعّرف دولة اسرائيل بدولة يهودية وديمقراطية ,اي ان فحوى ومضامين الدولة وهدفها يهودية , وغير اليهود يحصلون على فضلات وبقايا هذا المنتوج والانتاج وما يتبقى من محصلة خدمة اليهودية , ولم ولن يكونوا مضمونا قائما بحد ذاتة ( حاضر غائب , شفاف ) .

وهكذا كانت جميع حكومات اسرائيل منذ سنة 1948 , تتكون من ائتلاف من احزاب يهودية صهيونية , وهذة الاغلبية سنت وتسن قوانين من اجل خدمة الاغلبية اليهودية وتحصر وتخنق الحقوق والحريات للاقلية الفلسطينية داخل اسرائيل . مثل قانون الحكم العسكري الذي فرض حتى سنة 1966 , القانون الذي منع اللقاء مع منطمة التحرير الفلسطينية , قانون النكبة , قانون العودة وغيرها . هذا اضافة لسياسة هدم البيوت , سياسة تهويد الجليل والنقب , سياسة القرى الغير معترف بها , سياسة تقليص مسطح القرى والبلدات العربية ,سياسة مصادرة الاراضي العربية . سياسة عدم بيع اراض من قبل اراضي اسرائيل ( الكيرن كييمت ) , وعدم الاستثمار في المناطق العربية , وتفضيل المصالح اليهودية على المصاحة العربية . لذلك فهذة الديمقراطية اليهودية هي بالواقع دكتاتورية الاغلبية .

نتنياهو هو دكتاتور متنور ( דיקטטור נאור , benevolent dictator ) , هو تعريف لشخص صاحب صلاحيات وسلطة لمصلحة فئة وقسم من المواطنين , وليس كل المواطنين ( الشعب اليهودي ) , وليس لمصلحتة الشخصية مثل الدكتاتورين العرب , ويفرض ويفضل مصلحلة الاغلبية اليهودية ويتجاهل مصلحة الاقلية . دكتاتور متنور يحرض ضد 20 % من مواطني دولة دكتاتورية الاغلبية عندما يطلب في يوم الانتخابات من الاغلبية اليهودية الذهاب للتصويت لان العرب هجموا على صناديق الاقتراع .

تعريف دولة اسرائيل بيهودية وديمقراطية , يعني الشيئ ونقيضة , ( אוקסימורון , oxymoros ) , مثل قول سكوت صارخ , سرّ مكشوف , قريب بعيد , نبيذ جاف , كان وما كان , نظام عشوائي , دكتاتور متنور , هكذا فعندما نقول دولة يهودية لا يمكن ان تكون دولة ديمقراطية , لان اليهودية نقيض الديمقراطية والعكس صحيح , الديمقراطية نقيض اليهودية .

دولة يهودية هو تعريف توراتي تلموذي حسب الشريعة اليهودية وهو نقيض التعريف لمعنى الديمقراطية الحديثة , لذلك ومن اجل ان تحصل على المساواة وهي جوهر الديمقراطية يجب ان تكون يهوديا , والغير يهودي يجب علية تغيير دينة للحصول على المواطنة الكاملة , بينما في الدول الديمقراطية , فرنسا , بريطانيا , الولايات المتحدة يمكنك الحصول على المواطنة الكاملة دون تغيير دينك . وجوهر اساسي اخر للديمقراطية هو منح الحقوق الجماعية للاقلية , فالدولة اليهودية لا تعترف بوجود الاقلية الفلسطينية , دولة اسرائيل تعترف بوجود فردي لاشخاص غير يهود يخدموا الاكثرية اليهودية في هذة المرحلة من اجل بناء الدولة اليهودية .

الديمقراطية تتكون من تيارات , وجهات نظر ايدلوجية وتعدد القيم المختلفة والمتناقضة , احترام الاخر , تحمّل الاخر والتسامح . الديمقراطية ملتزمة بالحفاظ على القانون الدولي ذي الشمولية ووجهة النظر الواسعة , وهو غير منحاز وكوني . ياتي القانون الدولي من اجل تنظيم العلاقة بين الدول وبين مجموعات بشرية ذات مصالح وقيم مختلفة . وبنفس الطريقة تنظم الديمقراطية بين اشخاص ذوي مصالح , قيم ووجهات نظر مختلفة , ومن هنا تنبع اهمية ومكانة القانون الدولي عن القانون المحلي الداخلي وفي حالة تناقض بين القانون الدولي والقانون المحلي , تكون الافضلية للقانون الدولي الانساني .

مبادئ واركان الديمقراطية : احترام حقوق الانسان , احترام حقوق الاقليات , احترام القانون الدولي , احترام عقائد الاخر , وثقافتة . ومن هنا فان الحرية والعدالة هي مطلب انساني لكل الشعوب , وعلية فالديمقراطية الحقيقية لا يمكنها ان تنتج الا من اللاعنف .

ولاهمية السابقة التاريخية للتجربة الماكدونية الالبانية نوردها هنا كما اوردناها سابقا :

في سنة 1991 اعلنت الدولة الماكدونية عن اقرار قانون يعرف ماكدونيا " دولة قومية للشعب الماكدوني " وعلى اثرها عارضت الاقلية الالبانية هذا القانون بصورة قاطعة , وادّعت ان هذا القانون يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية ويبعدهم عن مركز القرار , وهذا الشعور بالتمّيز والعنصرية اشتدّ حتى سنة 2001 حينما وصلت نسبة الالبان الى 25% من نسبة السكان , ولم يحصلوا الا على 7 % من الوظائف ومن الميزانيات ومن موارد الدولة . وبعد اعلان عصيان والدخول في صراع مرير, وبعد تدخل الاتحاد الاوربي وحلف الناتو توصلا الجانبان الى اتفاقية سلام بين الحكومة المكادونية والالبان بعنوان " اتفاقية اوهريد " , التي تمنح الاقلية الالبانية حقوقا جماعية بدون الانفصال عن الدولة , مثل اعتبار اللغة الالبانية لغة رسمية والحفاظ على الارث الثقافي والتربوي وضمان التمثيل النسبي في جميع مرافق ومؤسسات الدولة ونصيبها من موارد الدولة . بالرغم من ان الاقلية الالبانية لا تعتبر اقلية اصلية Indigenous People مثل الاقلية الفلسطينية في اسرائيل

هذة السيناريوهات المتوقعة للحل في ظل تفكك العالم العربي والاسلامي وامام القوى الاقليمية الصاعدة في الشرق الاوسط , اسرائيل , ايران وتركيا . فالسياسة الدولية تعتمد بالاساس على القوة بجميع مقوماتها السياسية , الاقتصادية , القانونية , سياسة اللاعنف والمصالح للشعوب والاقليات . واذا احسنا استعمال اللعبة السياسية يمكننا تغيير مسار هذة السيناريوهات , وتغير اسرائيل من دولة دكتاتورية الاغلبية اليهودية الى دولة ديمقراطية حقيقية .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com